فوز بوتين بالرئاسة بنحو 60 في المئة من الأصوات.. هل تبدّل الموقف من دمشق؟

أعلنت اللجنة الانتخابية الروسية فوز رئيس الوزراء فلاديمير بوتين في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت، امس، بحصوله على 61.8 في المئة من الاصوات بعد فرز 14.5 في المئة من صناديق الاقتراع.
وحل الشيوعي غينادي زيوغانوف في المركز الثاني مع 17.8 في المئة من الاصوات. وكان استطلاع للرأي جرى لدى الخروج من مكاتب التصويت اشار الى حصول رجل روسيا القوي على 58،3 في المئة من الاصوات.
وكان الروس أدلوا باصواتهم، امس، في اطار الانتخابات الرئاسية، فيما تحدثت احزاب سياسية معارضة ومنظمة غير حكومية عن عمليات تزوير في عدد من مراكز الاقتراع منذ الساعات الاولى للتصويت.

ودعي نحو 109 ملايين ناخب الى الادلاء باصواتهم منذ الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي في سائر ارجاء روسيا التي تعد اكبر بلد في العالم يمتد على 9 مناطق زمنية.
وكان بوتين ترك الرئاسة لديمتري مدفيديف في 2008 بسبب عدم تمكنه من تولي ولاية ثالثة على التوالي. لكنه بقي الرجل القوي في البلاد على رأس الحكومة.
وتراجع مدفيديف عن الترشح الى الانتخابات الرئاسية تاركا المجال لعودة راعيه الى الكرملين لولاية او ولايتين من 6 سنوات بدلا من اربع، ما قد يبقيه نظريا في الحكم حتى العام 2024.
اما المرشحون الاربعة الاخرون فهم الشيوعي غينادي زيوغانوف (15 الى 20 في المئة من نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي) والشعبوي فلاديمير جيرينوفسكي والملياردير ميخائيل بروخوروف الذي دخل حديثا الى المعترك السياسي والوسطي سيرغي ميرنوف.

فكيف سيكون الوضع مع النظام في دمشق من مرحلة ما بعد عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين في الدورة الأولى ؟
يتوقف هذا التساؤل عند المواقف الدولية.وتتوقع مصادر بداية تبدل في موقف روسيا قد يعيد ديبلوماسيتها إلى خط وسطي. وتلفت في هذا الإطار إلى حرص الزعيم الروسي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الرئاسية، على مقابلة وسائل إعلام أجنبية. لعله أراد من وراء ذلك أن يوجه رسالة محددة إلى الغرب، خصوصاً في شأن الموقف من الأزمة السورية. كان مرتاحاً إلى وضعه الداخـلي. طمأنـته استـطلاعـات الرأي عشيـة هذا الاستحقاق إلى فـوز بنحو ستين في المئة. وسواء نال هذه النسبة أم أقل منها بقليل، فإنه بدا كمن يتعامل مع عودة مضمونة إلى الكرملين من الدورة الأولى.

كرر بوتين في مقابلته ما كان قاله منتصف العام الماضي: روسيا لا ترتبط بأي علاقة خاصة مع دمشق. وامتنع عن التعبير عن أي دعم للأسد. ورأى أن المصالح الاقتصادية لبلاده مع سورية ليست بحجم مصالح بريطانيا أو أي بلد آخر في أوروبا. وشدد على أن موقف موسكو "مبدئي" في مواجهة وضع "حرب أهلية"، وكرر دعوة النظام والمعارضة إلى وقف النار والحوار. لكن أهمية هذا الموقف في أنه تزامن مع حديث عن لقاء روسي – خليجي تأجل ربما إلى ما بعد انتخابات الرئاسة. وهو لقاء تعول عليه روسيا كثيراً، خصوصاً أنه لم يبدر منها، كالمعتاد، أي موقف أو رد فعل على ما سمعت من مواقف خليجية قاسية منذ استخدامها "ألفيتو" في مجلس الأمن ضد قرار يدين النظام السوري. ولا تخفي رغبتها في تهدئة العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي. كما لا تخفي رغبتها في تسوية على الطريقة اليمنية. ولا ترتاح بالتأكيد إلى من يذكرها بتجربتها السوفياتية في أفغانستان مع "المجاهدين" من أبناء الخليج! وهي تسمع هذه الأيام صيحات مشابهة تدعو إلى "النصرة والجهاد"، من الأنبار وطرابلس لبنان والغرب وعمان. وتعرف أن الحرب الأهلية التي تحذر منها لن تبقي لها، لا مصالح ولا قواعد في سورية… كما لن تبقي لغيرها مصالح أيضاً. فهل يعقل أن ينساق الجميع أمام المأزق السوري إلى "حل أفغاني" ولم يتعاف أحد منهم بعد من أعراض أفغانستان؟

يمكن تلمس مواقف متقاربة ومتشابهة أميركية وروسية: من رفض تسليح المعارضة والخوف من تفكك الدولة، إلى التشديد على الحل السياسي، وعدم الارتياح للمرحلة المقبلة والبديل المحتمل. جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى عبر قبل أيام عن هذا التقارب بقوله إن "تحليلهم (يقصد الروس) لا يختلف كثيراً عنا"! قد لا يرقى هذا إلى حد القول إن ثمة تنسيقاً بين واشنطن وموسكو. لكن هذا التقارب في المواقف يسهل التلاقي لترجمته تفاهماً على تسوية بديلاً من سقوط المنطقة في الفوضى. وقد تكون التطورات الأخيرة مدخلاً إلى هذه التسوية. فالمعارضة مشتتة سياسياً وزادها إرباكاً ما حل ببابا عمرو وما تواجهه مدن وأرياف أخرى. والنظام بات أسير خيار أمني بلا أفق أو نهاية.

أمام هذا المأزق وعجز أي من الطرفين في المدى المنظور على الأقل عن الحسم، يسهل دفعهما إلى تسوية، ألا يبدو بوتين هو الأكثر قدرة على إقناع أهل النظام في دمشق بالتسوية المطلوبة بعد "الخدمات" التي قدم إلى دمشق، "سلاحاً" في طرطوس و… نيويورك؟ لن يعدم في إيجاد البديل عبر تشكيل عسكري أو مدني وهو الخبير الذي يعرف الكثير من تراث الـ "كي جي بي" كما أن واشنطن هي الأكثر قدرة على اقناع المعارضين الذين يشعرون هذه الأيام باليأس والخيبة من المجتمع الدولي كله.

إذا صحت هذه القراءة للمواقف الأميركية والروسية، فإن دوائر غربية وروسية واكبت الأيام الأخيرة من انتخابات أمس الأحد تتوقع بداية تغيير في موقف بوتين قد تعكسه صورة الحكومة الجديدة في موسكو. قد يغيب عنها سيرغي لافروف القريب من الجناح القومي العسكري لمصلحة فيتالي تشوركين أو من يماثله في التجربة الديبلوماسية الدولية. فالزعيم العائد إلى الكرملين يحتاج إلى التواصل مع خصومه في الداخل… إلى أسلوب جديد للتخفيف من غضب الطبقة المتوسطة التي عبّرت صراحة عن تطلعها إلى إرساء دولة القانون وقطع دابر الفساد. ويحتاج إلى التفاهم مع معظم أطياف معارضيه في مجلس الدوما حيث لا يتمتع بالأكثرية الكافية ليطلق يده في تمرير المشاريع والتعديلات الدستورية الكبرى. أما حاجة بوتين إلى رعاية مصالحه مع أوروبا وأميركا، فلا جدال في تقدمها على حاجته إلى التمسك بنظام لا أمل في بقائه. وستملي عليه التخلي تدريجاً عن خطابه «السوفياتي» والشعبوي.

أن يحدث هذا التبـدل في موسكو، يعني أن "مؤتمر الأصدقاء" الثاني في تركيا بعد أيام قد يحمل تطورات في موقف "الأصدقاء"… وفي صفوف المعارضة السورية ومجلسها الوطني.

السابق
مشروعان مضادان
التالي
الحرب على إيران أقل ضجيجاً وأكثر دهاء