عبدة الشيطان.. في لبنان

«التقيتُ بجماعة «عبدة الشيطان» بالصدفة، عن طريق فتاة لا يتجاوز عمرها 18 عاما، تعرّفت اليها في احد شوارع الدورة. كنتُ أركن دراجتي النارية الكبيرة، حين اقتربَت منّي لتقول: «الوَشم على يَدك جميل». ثم سألت: «مَن تعبد؟» أجبتها: «أعبد ربّي»، فقالت: «ربّك لا يعطيك كل شيء». وفي محاولة منها لتوطيد العلاقة، دعتني الى مرافقتها للسهَر في ملهى ليليّ كان يدعى«الأسِد» في سن الفيل..

نسلّط الضوء على ما يتخفّى تحت الرماد من نيران تكشف حقيقة خطورة اعترافات فادي ك، وتنقل لكم ما كشف من معلومات مثيرة وغريبة.

بدأت ظاهرة عبدة الشيطان في لبنان عام 1992، وكان أوّل المنتحرين (م. ج ـ 14 سنة) وقد بعث برسالة إلى صديقه طالبا منه دفن أشرطة الروك اند رول التي كان مولعا بها معه. بعدها، توَالت حوادث الانتحار المماثلة، حتى بلغت، وفق التقارير الأمنية، 11 حالة. وكانت وزارة الداخلية أعلنت قبل عدة سنوات مكافحتها لظاهرة عبدة الشيطان وهي في بدايتها، وأشارت إلى توقيف بعض المنتمين إليها وإحالتهم على القضاء.

"كان ذلك، يشير فادي، في العام 1998، وكنتُ أبلغ من العمر 25 سنة، وأعمل في شركة "هاردلي" للدراجات النارية بأجر لا يتعدّى 250 دولاراً أميركياً، وأعيش حياتي بحرية ومن دون أية قيود وموانع من حيث تعاطي الكحول".

ويضيف: "في اليوم التالي، ذهبت الى الموعد، حيث كانت في انتظاري، "أنت ضيفنا الليلة"، قالت ذلك. وعرضت عليّ حبوب "البنزكسول"، وهي نوع من حبوب الهلوسة، قائلة: "بتعيش بِلّوج". وفي حين تناولتُ الحبوب مُطيعاً، لفتني وَشم على رقبتها هو عبارة عن "صليب مقلوب"، ولم يُخف عليّ حينها أنه يرمز الى "عبدة الشيطان"، إلّا أنّ ذلك لم يردعني من اللحاق بها للدخول الى الملهى، بل دفعني الفضول والإثارة الى متابعة سيري لاكتشاف المجهول".

ويؤكد فادي أنّ "الأجواء في الملهى، حيث عرّفتني بأصدقائها الذين هم على شاكِلتها، كانت صاخبة ومثيرة وتتّسِم بالحرية والمرح، خصوصا أنّ الموسيقى السائدة كانت موسيقى الروك، وعلى وجه التحديد موسيقى الميتال والديث ميتال، حيث تصِل نسبة الضوضاء في هذه الأنواع من الموسيقى إلى 120 ديسبل"، لافتاً الى أنّ "هذا النوع من الموسيقى ذات الضوضاء العالية جداً، اضافة الى الكحول والمخدرات التي يتم توفيرها بشكل خَفي، وفي ظل التعاقب السريع جداً بين الإضاءة المُبهرة والظلمة الحالكة، شَلّت مقاومتي الطبيعية، ما أوصلني إلى حالة من النشوة والكمال الذهني كما يسمّونها".

ويتابع: "بعد مرور شهرين تقريبا على علاقتي بها، دعتني الى حفلات تتضمن سكب العصير والمساقاة بالفم، ما جعلني مندفعاً للمشاركة في حفلات ولقاءات أخرى، حيث تمّ فيها اتّباع ممارسات غريبة، أبرزها خلط دماء بعضنا بعضاً، عبر استخدام السكاكين. وبعد قبولي بكلّ هذه الممارسات، وثقوا بي، وبدأوا شيئا فشيئا يفصحون عن معتقداتهم وبقيّة طقوسهم. فتعرّفت الى معبد تابع لهم في وسط بيروت، حيث يمارسون الطقوس الشيطانية. وهكذا وجدت نفسي متورطاً تماماً مع الجماعة، وأصبحت واحدا منهم. فبدأتُ أنضمّ الى الحفلات التي تقام في الأماكن المغلقة".

 ويروي أن "طقوس عبادة الشيطان كانت تتركز في أن يحضر كل شاب برفقة صديقته للمشاركة بما يسمّى "حفلات نصف الليل" أو ما كنا نسميه بـ Last Night Parties، وهي حفلات خاصة جداً تقام في إحدى المزارع النائية، أو في إحدى الشقق المفروشة المستأجرة لمدة ليلة واحدة فقط. نتعاطى أثناءها المخدرات والكحول، ونكون جميعا عراة، في جوّ من الأغاني كلماتها غير مفهومة، لكنها تنادي بأسماء الشيطان. بالإضافة إلى الرقص حتى إثارة الجنون ورفع الأيدي بشِعار يقدّس الشيطان". ويقول: "عندما يصل الإنسان إلى هذه الحالة من شَلل المقاومة الطبيعية عنده، من خلال السّمَع بالموسيقى والبَصر بالضوء، يأتي دور التواجد الجماعي، حيث يقوم القادة بإلقاء الرسائل الإيحائية في هذا الجو المرعب من الموسيقى ذات الضوضاء العالية والتعاقب السريع جداً بين الضوء والظلمة. تلك الرسائل التي تهيج مشاعر المتعبّدين المجتمعين معاً بالمئات، بل بالآلاف".

ويوضح: "كان عدد الحضور في الحفل الواحد يبلغ ما يقارب الثلاثين شخصاً من الجنسين لمجموعة من أبناء العائلات، وكانت أعمار الحضور من الشباب والفتيات تتراوح بين 14 و27 عاماً. وكان أشخاص من جنسيات أجنبية مختلفة يحضرون الحفل، وكان الجوّ مفتوحاً من حيث حرية التعاطي مع الفتيات المشاركات، بحيث يمكنك تقبيل مَن شئت والمزاح معها، وحتى ممارسة الجنس. ومع اقتراب غياب القمر، كنّا نقوم بطقس هو عبارة عن تشغيل موسيقى أقرب الى الموسيقى الكنائسية، يصاحبها إحضار إناء كبير فيه خمر ولونه أحمر. ثم نقوم بتناول هذا الخمر، ونتعمّد سَكبه على ملابسنا، لنقوم بعدها "بلَعق" الملابس وآثار الخمر المَسكوب على أعناق بعضنا، على اختلاف الجنسين، هذا الى جانب سقاية بعضنا بعضاً بقايا الخمر من خلال الفم".

يضيف: "وفي حفل آخر أقامته امرأة من جنسية أجنبية، كان عدد الحضور أقلّ من الحفلات السابقة، فلم يتجاوز خمسة عشر شخصاً من الجنسين. ولكن الوضع تطوّر، بحيث كانت أشكال الحضور مغايرة، فاستخدمت الفتيات طلاء أظافر وشفاه سوداء اللون، وكان الشباب يرتدون قمصانا (فانيلّات) سوداء تتضمن عبارات تنكِر وجود الله. الى ذلك، كان الهدف هو تمزيق أجساد بعضنا البعض بواسطة سلاسل تحتوي على شفرات حادّة، ما يؤدي الى سرعة سريان الدم وتدفّقه. بعدها، تطفأ الأنوار تدريجياً، حتى يتم الاعتماد فقط على ضوء صادر من شمعدان كبير يحمل رسومات وكتابات غريبة وأشكالا مخيفة من الجماجم تمثّل شوكة الشيطان، وفي وسطها صليب معكوس، وفي قمّة الشمعدان يوجد صورة لرأس بارزة تمثّل الشيطان".

ويتابع: "وهنا، يتقدّم أحدهم ليجلس في وسط دائرة من الموجودين، ويسكب أحدهم الإناء الكبير الذي يتضمّن سائلاً أحمر لونه قريب من لون الدم، ثم يقوم الحاضرون بالمَشي على أيديهم وأرجلهم كالحيوانات الى جهة الشمعدان، حيث نقوم بحركة أشبَه بالسجود النصفي، ثم نتجه نحو الشخص الموجود في وسط الدائرة، ونتناوَب على "لَعق" وجهه وعنقه وبقايا السائل على جسده، وذلك أثناء تشغيل موسيقى أقرَب الى الموسيقى الكنائسية بمصاحبة حركات هستيرية وهمهمة للصلوات التي كنا نتضرّع بها الى الإله الشيطان، ليقِف بعد ذلك الرئيس في صف الحضور في خط مستقيم. وتنتهي طقوس العبادة، فتنتهي الحفلة من خلال ممارسة الجنس وتعاطي المخدرات".

ويرى فادي أنّه "في الحفلات اللاحقة، تطوّر الوضع باستبدال السائل الأحمر بدم حيوان"، مشيرا إلى أنه في الحفلات كلها "هناك طقوس لا بدّ من البدء بها، وهي ذبح القطط أو الكلاب أو غيرها من الحيوانات، وشرب دمائها وممارسة الجنس الجماعي والشذوذ، وتقبيل الأعضاء التناسلية للجنس الآخر قبل الجماع، الى جانب شرب الخمور وتدخين الحشيش والبانجو وتعاطي المخدرات".

كذلك يلفت الى "الغزَوات التي كان يشارك فيها، مع المجموعة التابع لها، لمقابر العاصمة بيروت، حيث كانوا يعمدون إلى نبش القبور وتشويه الجثث، وممارسات شاذة مع الموتى حديثي الوفاة".

وعن أسباب توقّفه عن ممارسة عبادة الشيطان، يعلن فادي أنه "بعد أربع سنوات مضَت على انتمائي للجماعة، شاركت في حفل أُقيمَ في منتصف الليل بين أطلال كنيسة خربة، حيث كان من المفترض ان تقام الطقوس والممارسات المعتادة. ولكن هذه المرة تمّ استبدال الحيوان بمولود جديد ليقدمّ ذبيحة الى الشيطان، وذلك بعد أن خضعت حاملة المولود لعملية جراحية قيصرية علانية أمامنا، قام خلالها الأسقف ومعاونون له بإخراج الطفل من رحمها. وبعد ان قاموا بخياطة بطنها، قدّموا الرضيع قربانا للشيطان، لأنهم يعتبرونه ناتجا عن علاقة جنسية أقيمت على مذبح الشيطان خلال أحد القدّاسات السوداء، وبالتالي فهو ملك للشيطان. فقاموا بتقطيع المولود وسلخ جلده عن عظامه، والتناوب على شرب دمه". ويقول: "لقد كان المشهد رهيباً عليّ، ولم أعد أتحمّله. فبدأتُ التفكير في تصرّفاتي، وقررتُ أن أتوقف عن هذه الممارسات. وبعدها، شاركتُ في محاضرة لأحد الكهنة عن عبادة الشيطان، فتقدمت نحوه وأخبرته عن قصتي معهم. فعملَ مشكوراً على مساعدتي للتخَلّص من هذه الأفكار. والحمد لله، رجعتُ لعبادة الله، وابتعدت عن عبادة الشيطان".

وردّا على سؤال عن السبب الذي دفعه لكي يخبر قصته، يقول: "أردت إزالة الشكوك في من كان يتحدث عن إثبات وجود عبادة الشيطان في لبنان أو إنكارها، ورغبة منّي في حماية مُحبّي فن الروك من الانجراف مع هؤلاء الذين يستغلّ عبدة الشيطان ضياعهم أو وجودهم في مثل هذه الحفلات، التي يموّلها أحياناً أشخاص من عبدة الشيطان وغيرها من التجمّعات الشبابية، لنشر أفكارهم وانتقاء أفراد جدد لكي ينضمّوا إليهم".

من جهته، يرى الأب بولس مارديني، الذي كان مرشدا لعدد من الشباب المرتدّين من هذه الظاهرة، أنّ "الفقر الاجتماعي أو الاحتياج المادي ليسا دائما سببين أساسيين للسقوط في براثن هذه الجماعات"، معتبرا أنّ "الرفاهية الشديدة التي يعيشها بعض الشباب، مُرفقة بالفراغ العاطفي والفكري المتفشِيَين، ويزيد الانقسام الأسري والاجتماعي من حدّة نتائجهما السلبية… إنّ كلّ هذه الأسباب تدفع الشباب أحيانا لتجريب بعض الأمور غير العادية، والتي لم يحدث أن جرّبوها، لأنّ القوانين والشرائع الدينية تحظّرها. وشيئا فشيئا، ومع هَلوسَة المخدرات وطقوس الجنس الشاذ، يصبح كل شيء مُباحاً، ويشعر الشخص بأنه حرّ "حرية وهمية مدمّرة". وهكذا، يُغري غيره… وتتكاثر هذه الجماعات كالسرطانات".

ويلحظ الأب مارديني "حرص هذه الجماعة على تسمية كثير من طقوسها وما يتعلّق بها، بأسماء نصرانية. فهناك كنيسة الشيطان، والإنجيل الأسود، والمذبح، والصليب، والقداس. هذا في إطار الأسماء، أمّا في إطار الطقوس، فثمّة تشابُه ما بين الشعائر النصرانية والطقوس عند عبدة الشيطان. مثال ذلك: التعميد (صَب الماء على الرأس والجسد)، حيث يتمّ عند النصارى بالماء، في حين يتمّ عند عبدة الشيطان بالقاذورات من بول ودم. والصلاة عند عبدة الشيطان هي مشابهة للصلاة عند النصارى. فعند عبدة الشيطان، تتمّ الصلاة بتلاوة فقرات من كتاب الشيطان (المعاكس تماماً لنَصّ الانجيل المقدس) مصحوبة بالموسيقى، وهي نظير الصلاة عند النصارى التي تتم بتلاوة فقرات من الإنجيل مصحوبة بالموسيقى. ويعزي البعض هذا التشابه كنوع من الانتقام من النصرانية التي عاقبَت السحرة وعبدة الأوثان، وأذاقتهم ما يستحقّونه من عقاب وتنكيل".

ويوضح مارديني الفارق بين "القداس الأسود" و"القداس الأحمر"، لافتا الى أنّ "القداس الأسود هو عبارة عن غرفة مظلمة جُلّلت بالسواد وأنارت بعضَ جوانبها شموع سوداء، وفيها مدفأة تعلوها نجمة خماسية، وبالقرب منها يوجد المذبح وهو مغطّى بقماش أسود، تستلقي عليه فتاة "عذراء" عارية تماما يعلوها صليب مقلوب، ويكون الهدف أن تفقد عذريّتها ليشرب الحاضرون الدم السائل،

بعدَ خَلطِه بالقربان، إثر أوّل ممارسة جنسية لها مع الكاهن الشيطاني أو الأسقف. فتزول كل وسائل الاحترام الموجودة بينها وبين شباب الجماعة، لتبدأ حفلة جنس جماعي، فيتناوب جميع الحاضرين بالانغماس في ممارسة كل أنواع العربدة الممكنة، وكافة أشكال الانحراف الجنسي أمام الهيكل". ويشير مارديني الى أنّ "هذا الطقس هو نوع من التدنيس للقربان، وكذلك رد على بتولية مريم العذراء التي ولدت من دون رجل".

ويضيف مارديني: "يدخل في القدّاس الأحمر عنصر جديد، وهو الضحيّة البشريّة. فتجتمع المجموعة والكاهن الأعظم الذي يقوم بالابتهال للشيطان ويعده بالاسترضاء، لأنّه سيذبح له طفلاً بشرياً على المذبح المغطّى كالعادة بشَرشَف أسود، مع رموز للشيطان، وكأس لجمع الدماء، وخنجر للذبح". ويقول: "عادةً، يكون الطفل ابنَ أو بنت إحدى أعضاء المجموعة، وهو ابن أو بنت زنى، وقد وُلد (ولدت) جرّاء المجامعات الجنسيّة بين أعضاء المجموعة. ويكون غير مسجّل (مسجلة) في الدوائر الحكوميّة". ويشير ماردني الى أن "تجرّع الدماء من البشر أو الحيوانات، يعتبر جزءا هاماً من طقوس عبدة الشيطان، الذين يعتقدون بأن قوّة الحياة تنتقل من خلال دماء الأضحية، فتقَوّي أجسادهم وتطيل أعمارهم".

ويروي مارديني خبرة صبية "كانت تقِف يوماً بردائها الأسود، وذلك المكياج الأسود في العينين، عند باب الكنيسة، حيث كنت أقدّم الذبيحة الإلهية يوم الأحد. وعندما أنهيت القداس، طلبت التحدّث إليّ، فرحّبتُ بها. ففتحَت لي قلبها، وبَكت بمرارة وهي تعترف بانتمائها الى تلك الجماعة. رافقتُها، ونصحتُها، وأهديتها كتابا تحت عنوان "امرأة سكرت بالمسيح".

ويكمل روايته قائلا: "بعد 15 يوما، التقيتُ بها في منطقة ادونيس، حيث اقتربت منّي وسلّمت عليّ. يومها، لم أعرفها، نظراً للتغيير الحاصل في لباسها وشكلها الخارجي. وبعد ان عرّفت بنفسها، شكرتني وقالت: "لقد غيّرتَ حياتي".

ويضيف: "وبعد قرابة الشهر، التقيتُها من جديد، وأبلغتني أنها دخلت أحد الأديرة وكرّست حياتها لخدمة المسنّين".

الى ذلك، يحذّر مارديني من وجود بِدَع تسمّم العقل، أكثر بكثير من عبدة الشياطين، مشيراً إلى "وجود نحو 3800 بدعة في لبنان"، داعياً إلى وجوب إنشاء مركز لتأهيل الشباب المتورّطين، بعد توقيفهم.  

السابق
حوري: على التيار الوطني مراجعة حساباته لأن خسارته محسومة
التالي
صحناوي: على المواطنين ان يكونوا جاهزين للتظاهر في اي لحطة