وحدة الدم أم وحدة السياسة؟

كل مناسبة سياسية سورية, وكل حدث سورية طرف فيه من قريب أو من بعيد, تمزق السياسة وحدة المطلب السوري للشعب والاطرف في هذه القضية, أن كل من مزق سابقا, ويمزق حاليا وحدة المطلب, لا ناقة له ولا جمل في هذه الثورة, والكلام هنا لنا جميعا معارضة قديمة وجديدة, تقليدية و"مودرن", من قناة "العالم" أو من قناة ال¯"بي بي سي", شللية ومحسوبيات وشخصيات زعامية مريضة, لديها عصاب من النرجسية يصل الى حد الضحك احيانا, وتنظيمات سياسية اهترأت لكثرة الاحتكاك الجواني, والقمع البراني.

المعتقل فيهم يريد أن يحمل الثورة مسؤولية دفع ثمن اعتقاله رمزية ما, والمثقف ليس احسن حالا, والتاجر, والمنشق عن النظام, يريد ايضا أن يدفع الناس ثمن انشقاقه, قليلا من ضبط الذات ونزوعاتها المرضية, انتظروا حتى تنجح الثورة وخذوا اماكنكم عبر صناديق الانتخاب, ربما ما سأقوله هنا لا يعجب أكثر من المعارضة, هيئة التنسيق الوطنية على سبيل المثال, لديها وضوح في الرؤية, لسبب بسيط جدا, أن مسألة الزعامة على المستوى الفردي والحزبي فيها محسومة! هذا أولا, وثانيا نهجها السياسي عبر عنه اكثر من ناطق باسمها, شعار اسقاط النظام بشخوصه ليس مطروحا بل اسقاط النظام الامني عبر تفكيكه, وهذا حتى اللحظة يتم من خلال التشارك مع النظام في إيجاد طريقة ما لتحقيق هذا المطلب, وحجتهم تتمحور حول انهم لا يريدون تدخلا خارجيا, وأن البلد يمكن أن تذهب نحو حرب اهلية! قلت وكررت أكثر من مرة انني اتفهم هذا المنطق, واتفهم مسوغاته, لكن ما لا أفهمه في خطابهم هو تخوينهم للآخرين الذين يرفضون هذا المنطق, والنبش في تاريخ اجدادهم, ويدعون ضمنا أنهم ممثلو المعارضة في الداخل, مع أن النظام كما قلت أكثر من مرة هو من الصلف والاستهتار لدرجة يريد فقط أن يستفيد من هذا التيار من دون أن يقدم له, أي تنازل يحفظ له القدرة على الاستمرار, بل يصر على اذلال المعارضين عموما, ويعتقل قسماً من قيادة هيئة التنسيق كالدكتور نايف سلوم ومنصور الاتاسي ومحمد العمار. والاغرب من كل هذا وذاك أن هناك رموز بينهم تحاول ان تحسب كل معارضة الخارج المختلفة معهم على أنهم عملاء للأميركيين ويدبجون المقالات, سواء باسماء حقيقية أم وهمية. لهذا هم لا يؤمنون بوحدة الدم السوري الذي رغم كل شيء سجل انصع ثورة في المنطقة, وربما استمرار النظام بالاستهتار بهذا التيار السياسي سيجعل بعضاً منهم يستمر في غلوائه بتخوين الآخرين, لكي يجد لنفسه مبررا لاستمرار رهانه على هذا الخيار السياسي. ومع ذلك لو لمست ان هذا التيار قد حقق ولو خطوة عملية واحدة على طريق هذا النهج, لكنت قد فكرت مليا بهذا الخيار, لكن ما يحدث فقط هو التالي, موضوعيا مزيدا من استمرار الانقسام السياسي في خدمة آلة القتل. وهذا ما اوصل بعض رموزها إلى حالة اليأس من هذا النهج. لن أذكر أسماء الآن.
أما ما يعرف بمعارضة الخارج طامة كبرى, وبجهود حثيثة ومميزة استطاع القسم الاكبر من هذه المعارضة أن ينهي انقسام المعارضة بين داخل وخارج وهذه أهم نقطة مبدئيا من الاعلان عن تشكيل المجلس الوطني, والذي تأخر حتى اللحظة ولم يستكمل هياكله ويبدأ عمله, كنت ولازلت من الداعمين لهذه الخطوة, مع أن هناك من السلبيات في تشكيل هذا المجلس والتي لا يمكن غض الطرف عنها, حدثت وتحدث- اخطرها هو أن تشارك في وضع اسماء المرشحين لعضوية المجلس, شخصيات لا وزن لها ولا تاريخ, بل أيضا لا تمتلك الكفاءة والمعرفة- متمنيا أن يتم تجاوزها, لكن حتى اللحظة تغيب الرؤيا الواضحة عن تصريحات من يدعون زورا أو حقيقية أنهم يمثلون هذا المجلس, ونجد رؤى متعددة, ومنها الاختلاف في تصريحات هؤلاء سيؤدي إلى مزيد من التعقيدات. مع كل هذا المجلس هو الخطوة الأكثر تعبيرا عن وحدة الدم السوري, لا تتركوها تضيع في هذه السلبيات, من هم اعضاء في المجلس يجب ألا يهاجموا أي طرف في المعارضة, يجب أن يتحلوا بضبط النفس, ويضعوا نصب اعينهم استمرار العمل من أجل أن يكون المجلس أوضح تعبير مؤسسي عن وحدة الدم السوري ومطلبه.

ما توجهه اطراف اخرى من المعارضة للمجلس من انتقاد, لا يجب الرد عليها من بعض اعضاء المجلس بالشتم والتخوين, بل بالاهتمام والتفحص والتمعن. واذا كانت صحيحة يجب الاعتراف بها. وهذه نقطة يجب أن يؤسس لها في عمل المجلس لأننا بحاجة لشفافية كاملة ممن يمثلنا, وينتبهون أيضا الى ما يكتبه الكتاب وهم كثر, الذين دعموا المجلس بعيون نقدية مفتوحة على سبيل المثال لا الحصر كصبحي حديدي وياسين الحاج صالح وكاتب هذه السطور.
نريد رؤية المجلس لخطة طريق واضحة المعالم والابتعاد قدر الامكان عن لخبطات المقابلات الاعلامية بين هذا العضو أو ذاك ولما تقتضيه صناعة الذات- الصورة. نحن معشر الذين يكتبون عن الثورة نكتب بحس نقدي دون الكثير من الحسابات السياسية والحساسيات الشخصية, لكن من هم اعضاء في المجلس يجب منذ اللحظة أن يحسبوا كلماتهم أمام الاعلام, وأن تكون صورتهم هي اقرب لما نريده لسورية وما يريده الدم السوري.

والآن بعدما اعلن الشارع أن المجلس يمثله, وهو صاحب الدم الطاهر, يجب أن يؤسس عليه ما يريده هذا الدم لا ما يريده اعضاء المجلس, فرادى او احزاب أو خلاف ذلك. وتعالوا لكي نقول بكل صراحة أن كثر من اعضاء المجلس لم تنتخبهم الثورة بل انتخبتهم قنوات التلفزة ووسائل الاعلام وانتخبتهم اموالهم أو مراكزهم داخل التجمعات والاحزاب المشاركة في تشكيل المجلس وهذا ليس عيبا بحد ذاته ولكنه يمكن أن يصبح عيبا وعيبا خطيرا اذا لم يتم التعامل معه وفق مطلب وحدة الدم السوري, لذلك كل هذا لن يعفيكم من المسؤولية, ولن نتوقف عن نقد ما نراه لايخدم ثورتنا. وأنا كمواطن سوري ارشح لرئاسة المجلس شخصية نسائية سورية هناك فداء حوراني وسهير اتاسي ورزان زيتونة وبسمة قضماني وخولة دنيا والساحة مليئة باسماء نسائية سورية قدوة لنا جميعا, والدكتور برهان غليون ناطق حصري للتعبير عن مواقف المجلس وحقيبة العلاقات الدولية. وبقية اعضاء المجلس في مقابلاتهم يجب ألا يخرجوا عما يتم الاتفاق عليه ويعلن عنه الناطق الرسمي.

واتمنى للجميع النجاح, مع العمل على دعم الثورة أولا في الداخل بكل السبل, ودون الوقوع في فخ لعبة الاعتراف الدولي بالمجلس على اهميتها لكنها, يجب أن تحتل المرتبة الثانية في عمل المجلس ومطالباته للمجتمع الدولي.  

السابق
علبة تشغل الإسرائيليين عند بوابة فاطمة
التالي
اليونيفيل ترحا إما باعتداء جديد أو حرب بين الحزب وإسرائيل