سطور عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي”

أُنشئَ "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي" لعصرنة هذا الفكر، من خلال بلورة وتفعيل مقوِّماته الثقافية والعلْميّة من أجل تجديد وتعزيز دور الإسلام المعرفي الانفتاحي الطَّليعي التاريخي، لجعله، بالتالي، أكثر مواءمةً وأعمق تجاوباً مع مقتضيات الظروف الراهنة والمستجدّة، حتى يتمكّن الفكر الإسلامي الحالي من لعب دورٍ تكامليّ يشاركُ مشاركةً فعَّالة وحيوية في صناعة حضارة العصر الحديث.

حول هذا المركز كان لنا لقاء خاصّ مع فضيلة الشيخ محمد زراقط، المدير التنفيذي للمركز، الذي يعتبر المركز " مؤسَّسة فكرية تنشط في ميدان البحث العلْمي، وتنطلق من الإيمان الراسخ بقدرة الإسلام على تقديم البديل الحضاري للإنسان، كما أنها تحمل قناعةً راسخة بأن الفكر الإسلامي المعاصر لا يمكن أن يمثّل مساهمةً حضارية إلاَّ إذا سار بين حدَّين، هما: حدّ عدم القطيعة مع الأصول والمنطلقات الفكرية الثابتة، وحدّ قبول النّقد والانفتاح عليه في سعيٍ دؤوب للرقيّ بالواقع الثقافي للعالم الإسلامي".

إيمانٌ راسخ

ويوضح زراقط أن هذا المركز تأسس بمبادرة من الشيخ نجف على ميرزائي وآخرين. وهو الآن يعمل برئاسة الشيخ محمد تقي سبحاني، وكانت الانطلاقة الرسمية الأولى للمركز عام 2007، وما زال يعمل ضمن الأطر التي حددت له يوم تأسيسه. والمركز مؤسسة مستقلّة، والإطار العام الذي دعا إلى التأسيس هو الاعتقاد بأنّ الإسلام هو المحرّك الأهمّ للأمّة الإسلامية في هذا العصر وما قبله وسوف يبقى الأمر كذلك إلى أن يشاء الله، والإسلام في نفسه صالح لاجتراح الكثير من الحلول التي يبحث عنها الإنسان المعاصر لمشكلاته الفردية والاجتماعيّة. وإذا عدنا إلى التاريخ – والقول لزراقط – نجد أنّ الإسلام لم يكن فقط حيادياً وغير معيق لنهضة الأمّة، بل كان هو العامل الأساس في نهضتها في عصرها الذهبيّ يوم كانت كل الأمم في القرون الوسطى تعيش حالة اختناق ثقافي وفكريّ بل وحضاريّ. وبالتالي فإذا أرادت الأمّة في هذا العصر أن تعاود النهوض من جديد فلا بد لها من العودة إلى هذا العامل الذي ساعدها سابقاً على النهوض لتستفيد منه انطلاقتها الجديدة التي بدأت تباشيرها تلوح في الأفق. والمركز يعمل حالياً في لبنان رغم أنّ عدداً من الأعمال التي يقوم بها المركز تجري خارج لبنان كترجمة بعض الكتب، وتأليف بعض الدراسات فنحن نضع الخطط في المركز ونكلّف بعض الكتاب بالكتابة حولها وفق الخطة المعتمدة والذي يتعاونون معنا موزّعون على بلاد عدة في العالم الإسلاميّ كإيران والمغرب ومصر والجزائر وسوريا وفلسطين وغيرها.

ويضيف زراقط إنّنا نؤمن في مركز الحضارة بأنّ الإسلام يشتمل على كثير من العناصر المهمّة والحيويّة للمساهمة في بناء الحضارة المعاصرة، وإعادة ترميم ما اعوجّ وانحرف في مسيرة الإنسان عموماً والمسلم على وجه الخصوص بعد أن استطاع الإسلام في فترة تاريخية أن يكون قطب الرحى والجامعة التي تربط بين أمم ما كانت لتتآلف أو تتوافق ولو أنفِق ما في الأرض ذهباً للتأليف بينها، وما كانت لتتقدّم إلا تقدّماً سلحفاتيا يحتاج إلى عصور وعهود، ولكنّ الإسلام ألّف بين هؤلاء المختلفين، وجعل بدو الصحراء وما حولها يرنون بأبصارهم إلى السماء يطمحون للجلوس على عروش الأكاسرة والقياصرة، وليتحوّل كل منهم إلى قائد يحمل راية الريادة لإصلاح العالم. هذا في ما مضى من تاريخ الإسلام والحضارة الإسلاميّة. ويشير زراقط وأمّا في عصرنا هذا فإنّنا نعتقد أنّ الإنسانيّة بعد أن جرّبت كثيراً من المدارس والأفكار، واختبرت المذاهب والاتجاهات التي حوّلت الإنسان إلى شيء وأداة استهلاك أكثر مما هو أداة إنتاج، هذه الإنسانيّة بعد هذه المعاناة آن لها أن تعود إلى الإسلام الأصيل لتعمل بنصوصه الواضحة الجليّة في كل المجالات التي ورد فيها نص واضح وجليّ، وأن تستوحي من القيم الإسلاميّة الكبرى ومقاصد الشريعة وغاياتها التي تهدف إليها برنامجاً لنهضة جديدة، تسمح للأمة الإسلامية بالخروج من ازدواجيّة المعايير بين ما تؤمن به وما تعمل على أساسه، مما استوحي أو فرض عليها بقدرة ظالم مستبد، مستعمر أو خادم للاستعمار. وبعبارة أخرى – يشرح زراقط – نعتقد أنّ العودة إلى الإسلام ونصوصه الأصيلة هي حاجة بقدر ما هي تكليف وواجب، أما كونها تكليفاً فأمره واضح حيث إن المسلم يعتقد بأنّ إيمانه بالإسلام يرتّب عليه مسؤوليات وواجبات تجاه ما يؤمن من مفردات عقدية أو تشريعيّة، وهذا الأمر يدعوه إلى النظر في النصوص الدينية لأداء هذه الواجبات وتفريغ ذمّته تجاهها كما يعبر الفقهاء. ولكنّه حاجة في الوقت عينه فإنّ كل التجارب غير الإسلاميّة التي اختبرتها الأمّة حتى اللحظة الراهنة لم تكن على مستوى الآمال والطموحات إن لم نقل أكثر، وأما الإسلام فقد استطاع بالتجربة التاريخيّة أن يساعد على النهوض فلماذا لا تكرّر الأمّة التجربة في هذا العصر. هذا هو الإطار العام الذي تندرج تحته كل الأهداف القصيرة المدى التي يسعى المركز إلى تحقيقها.

إصدارات المركز

وعن إصدارات المركز وموضوعاتها يقول زراقط: يخطط المركز لإصدار كتاب في كل أسبوع ضمن الموضوعات التي يعمل عليها في مجال الكتب ولكنّ ربّما تواجهنا في بعض الحالات بعض المعيقات التي لا تسمح بتحقيق مثل هذا الأمر وأحدها الرغبة في جودة الإنتاج وترجيحه على الكثرة، فتتأجل بعض الأعمال حرصاً على إنجازها بالشكل المطلوب وفي المستوى الذي نطمح إليه. قد رسم المركز لنفسه إطاراً يعمل ضمنه وتصبّ كل الإصدارات التي ينجزها ضمن هذا الإطار متوزعة على أربع سلاسل من الكتب والدراسات هي:

1- سلسلة الدراسات الحضارية: وهي مخصّصة للموضوعات الكبرى العامة كمناهج العلوم وبعض الأبحاث الفلسفية والفكريّة الكبرى، ونحن نعترف بأنّ هذه السلسلة ليست ضيقة الحدود رغم الطابع التخصّصي لكل ما يصدر فيها، ففيها نشرنا حول العولمة والدين، وحول التغيير الثقافي، والفكر التربوي، والنظام السياسي.

2- سلسلة الدراسات القرآنيّة: وانطلاقاً من اعتقاد المركز والعاملين فيه بأنّ القرآن هو المصدر الأول والأساس لكلّ ما يوصف بأنّه إسلاميّ، خصصنا هذه السلسلة لكل ما له صلة بالقرآن كمناهج التفسير والتفسير الموضوعي وغير ذلك مما يندرج تحت عنوان العمل الفكريّ على القرآن الكريم.

3- سلسلة أعلام الفكر والإصلاح: هذه السلسلة خصّصها المركز لدراسة المشاريع الفكريّة للمفكّرين المعاصرين أو القريبين من عصرنا وهي من السلاسل التي لها مكانتها الخاصّة بين أنشطة المركز وقد عالجنا ضمن هذه السلسلة عدداً من المشاريع الفكرية لمفكّرين معاصرين وما زلنا نتابع النشر والتأليف فيها وخطتنا تهدف إلى دراسة ما يقرب من خمسين مشروعاً فكرياً لهذا النمط من المفكرين.

4- سلسلة الفكر الإيراني المعاصر: من الأهداف التي يسعى المركز لتحقيقها أن يكون صلة وصل بين العالم العربي والساحة الفكرية والثقافيّة في إيران، ولذلك خصّصنا سلسلة لدراسة التجربة الفكرية التي تجري في إيران لنقل صورة عن المشهد الثقافي الإيراني إلى العالم العربي، أو نشر رؤية عربيّة لما يجري في تلك الساحة الثقافية.

وعلى أي حال قد أصدرنا حتى اللحظة ما يقرب من مائة وأربعين كتاباً ضمن الإطار المشار إليه، وما زلنا نواصل المسيرة لعلّنا نستطيع مقاربة الأهداف إن لم نحقّقها أو نصل إليها. وفي ختام حديثه عن أنشطة المركز يشير "إلى أننا في هذه المرحلة نحصر اهتمامنا بالنشر العلمي ترجمة وتأليفاً، ولكنّنا عازمون في مرحلة لاحقة على تحقيق بعض الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها من خلال عقد الندوات والمؤتمرات كوسيلة لإنتاج الفكر والتواصل بين المفكرين في آن واحد".

خطاب للجميع

وعن الجمهور الذي يتوجّه إلى مخاطبته مركز الحضارة، يقول الشيخ زراقط "أنّ رغبتنا الأساس هي التوجّه بخطابنا إلى كل الشرائح الاجتماعيّة التي نرى أو هي ترى نفسها معنيّة بالأفكار التي نحاول تقديمها وترويجها في العالم العربي والإسلاميّ، وإن كنّا نأسف لشيء من النخبويّة في خطابنا ربّما يكون أحد أهمّ أسبابه، شيء من التخصّصية التي تطبع الموضوعات التي نعالجها حتّى الآن في ما ننشره من أعمال، وقد فكّرنا وما زلنا نفكّر في طرق ووسائل لتيسير خطابنا للوصول إلى أكبر قدر ممكن من المخاطبين، ممن له قدرة على قراءة العربيّة ويهتمّ بتطوير معارفه وتنمية ثقافته".

السابق
السياسة تأمر..واللاذقية تنزف
التالي
سلاح “الدولة الفلسطينية” في لبنان!