السياسة تأمر..واللاذقية تنزف

اللاذقية سياسة القتل على الهوية والارض المحروقة, هذا ما تقوم به العصابة الأسدية هناك."أتحسس قلبي لا أجده, يا أهل سكنتوري, يا أهل الطابيات, يا أهل قنينص, يا أهالي الرمل, إن وجدتم قلبي بينكم لا تعيدوه إلي, اتركوه بينكم يصيبه ما يصيبكم, ويعود إلي بعد ذلك, شهيداً… أو جريحاً… أو معتقلاً… أو حرٌ حسين حسن".

15 اغسطس الجاري "عبر اليوم المتظاهرون في أنحاء سورية عن خيبة أملهم في المهلة التي قدمتها تركيا للأسد. إحدى اللافتات التي رفعت اليوم في الزبداني في ريف دمشق قالت "مهلة 15 يوماً, 30 شهيداً يومياً 450 شهيداً, شكراً يا أردوغان", وأخرى في اللاذقية قالت "15 كافاً لبشار لقتلنا جميعا".

تتوارد أنباء قصف الاحياء السكنية ذات الأكثرية السنية, كاحياء الصليبة وسكنتوري والرمل الشمالي على رؤوس ساكنيها ممن خرجوا في التظاهرات أم لم يخرجوا, وفرار أكثر من 5000 فلسطيني من مخيم الرمل حسب تقرير وكالة الغوث الدولية التابعة للأمم المتحدة فرارهم من جحيم القصف على المخيم والحي المحيط به, قصف من البر والبحر, على مدنيين عزل, وأن أكثر من عشرين عائلة قد صفيت بكل أفرادها أطفالا ونساء وشيوخا, تقطع الرؤوس وتغتصب النساء, وقد قطعت كل وسائل الحياة عن هذه الاحياء, أنا لا احاول تضخيم ما يجري على الأرض إنما احاول ان أذكر ما تأكد لنا من معلومات, ما يحدث في اللاذقية جريمة إبادة جماعية, والجيش المغوار يقصف بحرا وبرا هذه الاحياء. إن سرقة عناصر الشبيحة والجيش والمخابرات البيوت, هذه ليست سياسة, بل هي ثقافة تنفذ كل هذه الجريمة على وقع أغاني مطرب "الشبيحة" علي الديك!

ليلاحظ الانسان أن القذافي المجرم رغم كل ما حدث, فعسكره لم يقصفوا احياء مدنية في المدن التي حررها الثوار, بل يقصف مواقع الثوار, هنا تبدو الجريمة في سورية أن القصف يطال سكان عزل من أي سلاح, وبطريقة استعراضية, تنم عما راكمته هذه السلطة من أحقاد في الاجيال الشابة من الطائفة العلوية.

مازحني أحد الاصدقاء وهو يقول" انهم ينتقمون لمقتل الحسين ربما, ألا ترى ما اصدره ملالي طهران من فتوى دينية تعتبر أن دعم العصابة الأسدية واجب ديني وفرض", نحن لا نختلف مع أحد حول أن السياسة هي التي تقتل, وهي التي تطييف وهي التي تخلق السلفيات والتشدد, لكن هذه السياسة تحتاج إلى وعاء ثقافي وديني وطائفي في كل حالة على حدا, عندما كتب باحثنا المناضل ميشيل كيلو مخاطبا مسيحيي سورية, والذي احتفل بعضهم ورقص ودبك, بعد مجازر حماة ودير الزور, في بعض الساحات العامة, كساحة باب توما, فإنه كان يتحدث بلغة الثقافة وليس فقط بلغة السياسة, أن ما قام به هؤلاء مبني على ثقافة وليسوا هم سياسيون, والحجة هنا كما عبر عنها أكثر من كاتب أنهم يخافون دفع الجزية, وأن يعاملهم الناس كأهل ذمة, كلام يحاول إيحاء ثقافة اندثرت ولم يبق منها إلا من يريد أن يخدم سياسة محددة بعينها.

وهنا كي لا نترك فقط جوانب يجب الإشارة إليها لكي يتم إنهاؤها كحقبة ليس على مستوى السياسة, بل على مستوى هذه الثقافة التي تبيح القتل بهذه الطريقة الاحتفالية ووسائلها المستخدمة, من أجل تذاكي عفن وسطحي من جهة, مارسه الأب في حماة
وحلب سابقا, قراءة لمقولات ميكافيللية, اضرب عدوك حتى لا يقوى على النهوض ثانية! الشعب السوري الآن عدو لهذه الثقافة التي فرضتها سياسة ساقطة, ولا يوجد فيها أي مستند أخلاقي أو وطني من أي نوع كان.

لا يعني الحديث عن هذا الأمر أنك تتحدث بما يعتبر مكروها ومحظورا, أقصد المسألة الطائفية, فالسياسة وحدها لا تبرر هذه الطريقة الكرنفالية في القتل. هذه الكرنفالية الدموية تحتاج إلى وعاء نفسي مخرب تماما بكره الآخر: ومفعل دائما بشكل تصعيدي بمقولات صريحة أو ضمنية تتردد على ألسنة القتلة, مخرب حتى أنه يتحول إلى آلة" تقتل وترقص وتغني وتدبك" وهذه كلها تتمحور حول قداسة السلطة هذه بعينها, هذه القداسة بحاجة دوما لتفعيل ثقافوي ديني كان أو طائفي أو خلاف ذلك حتى!

يجب أن تنتهي هذه المرحلة على كل الصعد وتعود الاجيال اللاحقة, لتختلط من جديد من لدن ثقافة مدنية حقيقية.
اللاذقية تنزف الآن على وقع هذا الحدث الذي لم يعد سياسيا, بل هو حدث ثقافي أيضا, عندما يتحول سفك الدم إلى ثقافة.

ودعونا لا ندفن رأسنا في الرمال فلولا الثقافة التطييفية التي تم التعب عليها منذ مجيء البعث للسلطة, لما كانت النتائج كارثية بهذا الشكل الذي نراه, قتل يرافقه احتفال ورقص, إن الأصدقاء الذين يتحسسون من الحديث في هذه المسألة ليس لأنها غير موجودة, بل لكي لا نزيد الطين بلة, هذا لا يغير انه علينا ان نفسر للرأي العام, لماذا لايزال النظام متماسكا بالمعنى العسكري حتى هذه اللحظة? والوضع السوري في هذه النقطة خاص وخاص جدا, يا أصدقائي أقله يجب أن يعرف العالم ما الذي, يجعل الشعب السوري يدفع ثمن حريته اضعاف مضاعفة لما دفعت الشعوب الأخرى. إنها الثقافة السياسية الطائفية وطقوسها, ومقدساتها ورموزها, الملتفة حول هذا النظام لأسباب عديدة تجعل المصالح الأخرى أدنى مرتبة, عند فعاليات الأقليات الطائفية والدينية السورية الملتفة حول هذه الطغمة.

الشعب في الشارع يعرف تماما بحسه العملي أزمة بلدنا, وتعامل ويتعامل معها, بروحية وطنية فاجأت الجميع, لهذا لاتجد هذه الفعاليات سوى التشبث بكذبة خوف الأقليات, وأنه يمكن أن يكون البديل ارهابي, أي حجة واهية هذه? في احاديثك الجانبية مثلا مع بعض هؤلاء الفعاليات, يقرون معك أن تهجير المسيحيين في العراق, كان سببه في الأساس النظامين الإيراني والسوري, وبعض المصالح الأخرى, أما وان الزرقاوي أو "القاعدة", فهذه وسائل تطفو على السطح لكي تخفي الفاعل الحقيقي, لماذا لم يكن في سورية قبل آل الأسد خوف عند الأقليات? وهل الطموح للوصول للسلطة يعبر عن خوفاً هذه الأقليات, ولو كان ما يقولونه صحيحا لما استطاعت فعاليات عسكرية خاصة منحدرة من هذه الأقليات, قد رسمت مصير سورية بعد الاستقلال. يجب أن نحاول أن نرى ما الذي يتعامل معه برقي شباب الثورة, وهذه الروح التصالحية التي أظهرت أنها تتقبل المختلف أكثر من كل منظري العلمانوية وخائفي الأقليات,هذا جانب من قصة شعبنا مع هذه الطغمة الحاكمة.

السابق
لم يحمل جديداً ويخدم مسلسل المحكمة المسيسة
التالي
سطور عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي”