سلاح “الدولة الفلسطينية” في لبنان!

يجدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كل زيارة الى بيروت، تمسكه بالشرعية اللبنانية كحام وناظم للوجود الفلسطيني في لبنان. لا بل يبدو الرئيس الفلسطيني، في نزوعه نحو التخلي عن السلاح الفلسطيني داخل المخيمات الفلسطينية، فضلا عن خارجها، متقدما في هذا الموقف على قوى لبنانية لم تزل تربط بين وجود هذا السلاح وبين منع التوطين. وقد كرر أبو مازن امس، وهو يفتتح السفارة الفلسطينية في بيروت، ان "لا حاجة فلسطينية للسلاح لأننا محميون بالحكومة والجيش اللبناني". موقف لطالما تصدت له قوى سياسية لبنانية رأت في موضوع نزع السلاح الفلسطيني مرادفا للتوطين، وهي نفسها التي ترى في البؤس الذي يعيشه الفلسطيني في المخيمات ضمانة لعدم التوطين.
هذا من البؤس السياسي في لبنان، الذي جعل من بعض القوى اللبنانية، تلك التي استفاقت اخيرا على شعارات "الممانعة"، تنتقل من معركة منع التدخل الفلسطيني في الشؤون السياسية اللبنانية ومنع التسلح، الى تبرير وجوده، ليس في داخل المخيمات، بل خارجها ايضا.
في المخيمات الفلسطينية ليس للسلاح من حاجة او فائدة، بعدما اجمع الفلسطينيون عموما، وقرر اللبنانيون والسوريون، خصوصا حزب الله، منع اي تنظيم فلسطيني من القيام بعمليات عسكرية ضد الدولة العبرية عبر الاراضي اللبنانية. هكذا تحول السلاح، الى حد كبير، بندقية بالأجرة، استخدمها بعض اللبنانيين في معاركهم السياسية، واستخدمها السوريون في كثير من الاحيان لتطويع القرار الفلسطيني حينا، ولتوجيه رسائل امنية وسياسية في اتجاهات مختلفة أحيانا. وهو سلاح حصد الكثير من ارواح الفلسطينين، ولم ينل منذ عقود من اي جندي اسرائيلي، ربما لاسباب لبنانية قبل ان تكون فلسطينية.
موقف القيادة الفلسطينية من السلاح في المخيمات، واستعدادها للتخلص من الخصوصية الامنية والعسكرية فيه، يواكبه مسار سياسي فلسطيني اكدت عليه السلطة الفلسطينية وحركتا "فتح" و"حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وهو نأي القوى الفلسطينية بنفسها عن الصراعات الداخلية اللبنانية. لذلك، ومع تراجع النفوذ السوري، حرصت الاطراف الفلسطينية المذكورة على ان تعزز علاقاتها السياسية مع جميع القوى في لبنان، سواء حزب الله او تيار المستقبل، الى جانب تطوير علاقاتها مع التيارات المسيحية المختلفة.
يبقى ان العنوان الاجتماعي وحال البؤس الذي يعيشه مجتمع المخيمات الفلسطينية، على مستوى الحقوق الانسانية تحديدا، مرشح إلى مزيد من التدهور في ظل التراجع المريب لخدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا". ومع غياب اي خطة عربية او دولية تشير الى دعم قضية اللاجئين بتحسين شروط الحياة في اماكن اللجوء، تحاول القيادة الفلسطينية تحقيق اختراقات على صعيد قانون عمل الفلسطينيين في لبنان، عبر اجراء تعديلات تتيح لاصحاب المهن الحرة العمل، الى جانب معالجة قضية منع تملك الفلسطينيين، من خلال مساواتهم بالرعايا العرب من حيث الحقوق والواجبات.
وسط هذه الهموم الاساسية والقضايا الملحة، لدى الفلسطينيين واللبنانيين، تبقى القضية الفلسطينية هي المحور الاساس الذي يجر وراءه كل هذه القضايا. وباعتراف لبنان بالدولة الفلسطينية، وتعزيزه التمثيل الدبلوماسي واستعداده لخوض معركة العضوية الكاملة بمجلس الامن في ايلول المقبل، تتقدم العلاقة بين الدولتين بما يعزز القدرة على مقاربة الملفات الشائكة. وكلما ردمت الهوة بين القوى الفلسطينية، أمكن بلورة نظرة مشتركة إلى دور الفلسطينيين وموقعهم في لبنان. وهو دور نجحت القيادة الفلسطينية الى حد كبير بتحييده عن الصراعات الداخلية، كما ساهم الانكفاء السوري عن لبنان باعادة ترميم العلاقة اللبنانية الفلسطينية على المستوى الرسمي والشعبي الى حد معقول.
والسؤال الذي لا يمكن القيادة الفلسطينية وحدها ان تجيب عليه هو التالي: أي دور نضالي للشعب الفلسطيني في سبيل قضيته واستعادة حقوقه؟ خصوصا حين تبدو حركات النضال الفلسطيني، وغيرها على المستوى الوطني، امام تحدي الانتقال بالقضية الفلسطينية في لبنان من حروب المخيمات وانفلاشها ومحاصرتها واستغلالها، الى حيوية قادرة على ان تساهم في تزخيم النضال الفلسطيني بأبعاده المختلفة… نضال فلسطيني تبدو تنظيمات اليوم هرمة وقاصرة عنه، خصوصا ان السلاح الفلسطيني، بعد إعلان الدولة الفلسطينية والإعتراف بها، يصير سلاح "دولة أخرى" في الأمم المتحدة، على أراضي دولة شقيقة!

السابق
سطور عن “مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي”
التالي
مصادر المفتي قباني : أجواء اللقاء بوفد حزب الله ممتازة جدا