المعارضة تعطي الوسطيين فرصة للجم الأكثرية

هل كان الرئيس سعد الحريري، يلاقي بطريقة أو بأخرى النائب وليد جنبلاط حين تجنّب في حديثه المتلفز إلى الزميل وليد عبود أول من أمس التعرّض له ولمواقفه الأخيرة، واكتفى بأن خلافه معه سياسي، مضيفاً التأكيد على استبعاد الفتنة السنّية – الشيعية التي تشكل هاجسا لرئيس جبهة النضال الوطني منذ اندلاع الخلاف بين قوى الرابع عشر من آذار التي كان ركناً أساسياً فيها وبين حزب الله، وتطوّر هذا الخلاف حتى بلغ ذروته قبل إقدام الحزب وحلفائه على إسقاط حكومة الوفاق الوطني التي كان يترأسها الحريري نفسه·

مصادر محايدة اعتبرت أن الرئيس الحريري بلفتته المضيئة نحو جنبلاط إنما كان يؤيّد ضمناً ما كان أعلنه رئيس جبهة النضال الوطني إلى الزميل عبود من التزام بالمحكمة الدولية والعدالة الملازمة للاستقرار، وإعادة التحذير من الفتنة، وضرورة تعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة مفاعيل القرار الاتهامي مع تسجيل مآخذه على الأسلوب الذي يعتمده أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله مع هذا الملف، وظهرت إحدى نتائجها السلبية في المناقشات الملتهبة التي شهدتها الجلسات التي عقدها مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري للحكومة، والتي أتت بدورها لتؤكّد الحاجة إلى قوى وسطية تشكّل جسر عبور بين الفرقاء المتنازعين وتخفف من حدة الانقسام والاحتقان في الشارع·

وفي سياق متصل ترى نفس المصادر أن الرئيس نجيب ميقاتي الذي صوّبت عليه قوى الرابع عشر من آذار وناله ما ناله من الرئيس الحريري، تلقف الرسالة الجنبلاطية ليؤكّد تمسكه بالمحكمة الدولية وبالعدالة والحقيقة، على عكس ما قال به حلفاؤه في الحكومة، وكان يدرك أن كلامه هذا لن يلقى آذاناً صاغية عند المعارضة ولا حتى قبولاً، وكان يدرك أن الوسطية لن تجعل من دوره وجنبلاط وحتى رئيس الجمهورية سهلاً في ضوء حدة الانقسامات بين الفريقين·

وأشارت المصادر إلى أن حدة الانقسامات، واستطراداً حدة الخلافات لا تنحصر فقط بين القوتين المتواجهتين بل أيضاً بين قوى الموالاة نفسها حيث برزت هذه الخلافات في لجنة إعداد البيان الوزاري، وفي المواقف من المحكمة الدولية ومن المشروع الاقتصادي للحكومة ومن قضايا ذات صلة وبالغة الأهمية كموضوع الاستراتيجية الدفاعية وتعزيز الجيش وتقويته التي غابت تماماً عن البيان الوزاري بسبب رفض وزراء حزب الله أن يرد أي نص في البيان يتعلق بالجيش باستثناء العبارة المتعلقة بمعادلة الجيش والمقاومة والشعب·

وهذه الخلافات هي التي أخرجت بياناً وزارياً متسرعاً يكتنفه الغموض وتغلب عليه الإنشائية بحيث ظهر فريق يريد من البيان ومن الحكومة مجتمعة رفض كل ما يتصل بالمحكمة الدولية بمعزل عن المضامين الأخرى لمشروع الحكومة، في حين أن الفريق العوني يريد من الحكومة، ومن بيانها الوزاري الانقضاض على ما يسميه بالحريرية السياسية، والتحضير تبعاً لهذه السياسة للتعيينات الإدارية كافة، وإن كانت كما يردّد الرئيس ميقاتي والنائب جنبلاط وحتى الرئيس سليمان لا تتسم بالكيدية وتعتمد معايير الكفاءة، فهي في أفضل الأحوال تتسم بالإقصاء لفريق قوى 14 آذار من الإدارة والسلطة، بعدما نجح فريق 8 آذار من إقصاء الحريري وحلفائه من الحكومة·

وفي مقابل الفريقين يقف فريق الوسطيين من ميقاتي وجنبلاط والرئيس سليمان غير قادر على القفز فوقهما واعتماد سياسة مخالفة في إدارة الحكم، تخرج الحكومة من أحاديتها، وإن اعتبروا أن بالإمكان إيجاد مساحة مشتركة تجنّب البلاد مخاطر الفتنة لكن مثل هذا الاعتبار يبدو غير واقعي في ظل تطرف الفريقين الآخرين في الموالاة حزب الله والتيار الوطني الحر اللذين يشاركان في الحكومة من موقع المهيمن على نهجها وعلى قراراتها·

وتقول المصادر المحايدة أنه إذا كان الفريق العوني استناداً إلى آخر ما صرح به جنرال الرابية أن بإمكانه الاستفادة من المبالغ الموجودة في وزارة الاتصالات التي أعيدت إليه لصرفها على البلديات من أجل التحضير للانتخابات النيابية المقبلة، فإن رئيس جبهة النضال الوطني ومعه الرئيس ميقاتي يرصدان مواقف العونيين وطموحاتهم ولن يسمحوا بمثل هذا الاستغلال حتى ولو أدى الأمر الى أزمة داخل الحكومة قد تطيح بها من الداخل في حال عجزت المعارضة عن الإطاحة بها من الخارج، من منطلق رفضهم أن تستخدم الحكومة حصان طروادة لتحقيق مكاسب ومآرب سياسية·

ومن هنا تميل هذه المصادر إلى تبني وجهة نظر الرئيس الحريري من أن عمر الحكومة الحالية سيكون مقيداً بدورها وممارستها لمهامها حيث لا مكان للكيدية ولا لسياسة الإقصاء، والاستئثار والاستغلال حسب ما يريده التيار العوني·

وتعتبر هذه المصادر أن الجلسة الأولى التي تعقدها الحكومة اليوم الخميس بعد أن نالت ثقة تحالف 8 آذار ومعه التحالف الوسطي ستكون محك اختبار لمتانة أو هشاشة هذه الحكومة، والحكم بالتالي على مسارها ومصيرها·

أما بالنسبة إلى العدالة والمحكمة ذات الطابع الدولي، فتعتبر المصادر أيضاً أن جنبلاط وميقاتي ومعهما الرئيس سليمان ما زالوا تحت المجهر وإن جاءت مواقفهم بعد جلسة الثقة تعبّر عن التزامهم وليس عن احترامهم للقرارات الدولية، والتعاون المجدي مع المحكمة الدولية لأجل كشف الحقيقة وإقرار العدالة وإحقاق الحق، وعبرها تحقيق المصالحة بين اللبنانيين من أجل حفظ استقرار لبنان، ولن يطول وقت اختبار الثبات على مواقفهم·

السابق
الانباء: مذكرات توقيف دولية إضافية لشخصيات سياسية وعسكرية في قضية الحريري
التالي
الحياة: بهية الحريري تزور الشيخ حسن وفضل الله