ماذا قال بري للنواب بعد.. وقف التسجيل؟

توحي كل المؤشرات بأن الرئيس نبيه بري يتجه نحو دعوة مجلس النواب الى جلسة تشريعية، سيحدد موعدها بعد انقضاء مهلة الـ10أيام التي حددها خلال الاجتماع المشترك لأعضاء هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل، من أجل حسم خيارهم بالموافقة او الرفض، (تنتهي في 29 الجاري).. اللهم إلا إذا تشكلت الحكومة قبل هذا التاريخ، وعندها تكون صفحة الجلسة قد طويت تلقائياً. ويبدو واضحاً أن الكتل النيابية لقوى 14آذار- وفي طليعتها كتلتا المستقبل والقوات اللبنانية – تميل الى مقاطعة أي جلسة من هذا القبيل،";لأنها لا تستقيم دستورياً، في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، عدا عن أنها تؤشر الى ان السلطة التشريعية تريد ان تصادر دور السلطة التنفيذية، وهذا ما لا يحتمله لبنان القائم على توازنات دقيقة";، وفقاً لأدبيات المعترضين. ولكن مصادر في الأكثرية الجديدة وضعت سلبية نواب 14آذار في خانة الرغبة في إبقاء حالة الفراغ قائمة ومتمادية من أجل شد الخناق على هذه الأكثرية وإظهارها ضعيفة وعاجزة أمام اللبنانيين، في حين أن التئام الجلسة التشريعية وتصديها لبعض القضايا الحيوية سيضخان جرعة من الثقة في عروق الناس والمؤسسات، وبالتالي فإن ذلك سيخفف الضغط عن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي والقوى التي سمته. أما بري، الذي كان غير متحمس في السابق لمثل هذه الخطوة، برغم إلحاح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون عليه.. فهو أعاد النظر في مقاربته لها، بعدما طال أمد أزمة تأليف الحكومة، الى درجة باتت تترك انعكاسات سلبية على أوضاع المواطنين ومسار الدولة، بحيث بات النزف الناتج عن بقاء الفراغ أشد وطأة، باعتقاده، من أي كلفة سياسية يمكن ان تترتب على مسعى مجلس النواب لملء بعض هذا الفراغ. ولعل استحقاق التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في نهاية تموز المقبل، هو من أكبر التحديات التي أفرزها التأخير في تشكيل الحكومة، علماً أن سلامة كان قد زار بري بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ليبحث معه في الاحتمالات المطروحة، فأبلغه رئيس المجلس انه من الأفضل الانتظار الى حين تأليف الحكومة، كي تتولى هي التجديد له، ولكن الوقت طال كثيراً، وبات الحاكم في موقع ";لا معلق ولا مطلق";، ما ترك تداعيات سلبية على المناخ الاقتصادي والمالي في البلد. وسط هذه الأجواء، ترأس بري الأربعاء الماضي الاجتماع المشترك لأعضاء هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل.
 
وعلمت ";السفير"; ان بري طلب بعد نقاش أولي وقف التسجيلات الصوتية للمداولات، ليصارح النواب بمسائل حساسة، وتوجه اليهم بالقول: أيها الزملاء، أنا رغبت في أن ألتقي بكم لأضعكم في صورة ما أملكه من معطيات حول الوضع الحالي في لبنان، على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية، وذلك حتى تكون الصورة مكتملة لديكم عند اتخاذ قراركم. وللعلم، أضاف بري، فإن من صلاحياتي كرئيس لمجلس النواب ان أقرر لوحدي ما إذا كان ملائماً عقد جلسة تشريعية في الظروف الراهنة أم لا، ولكنني أردت ان نتشارك وإياكم في النقاش والآراء، لعلنا نصل الى قرار إجماعي في هذا الشأن، لأن ذلك أفضل للبلد، أما إذا تعذر ذلك، فأنا سأمارس حقي في اتخاذ القرار المناسب. ثم عرض بري الحيثيات التي يستند إليها الطرح المؤيد لعقد جلسة تشريعية وذاك المعترض عليها، لافتاً انتباه النواب الى أن هناك فقهاء دستوريين يعتبرون انه لا تجوز الدعوة الى مثل هذه الجلسة في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، بينما توجد مطالعات أخرى تبيح ذلك، ومنها مطالعة هيئة القضايا والتشريع، إضافة الى قراءة رئيس مجلس شورى الدولة الذي أبلغني شخصياً بجواز التئامها. وأضاف بري مخاطباً الحاضرين: أنا لا أتطلع الى انتزاع المزيد من الصلاحيات، وما أملكه منها كرئيس لمجلس النواب يكفي..
 
الأولوية بالنسبة إلي تتمحور حول وجوب التصدي لبعض القضايا الملحة التي لم تعد تحتمل التسويف والانتظار، ولعله من المفيد ان تعلموا بعض الحقائق الخطيرة المتصلة بالوضع الاقتصادي، حتى تبنوا عليها موقفكم. وبالفعل، عرض رئيس المجلس للحاضرين المعطيات التي بحوزته، طالباً منهم التكتم عليها، منعاً لإثارة البلبلة في صفوف الناس. وبعد ذلك، توجه بري الى النواب قائلاً: بعدما انتهيت من عرض الرأي والرأي الآخر في مسألة انعقاد جلسة تشريعية، أود أن اشرح موقفي الشخصي.. أنا لا أخفيكم أنني أؤيد حصولها في هذا التوقيت بالذات، لاعتبارات عدة لم تكن متوافرة في السابق: – وجود 29 مشروعاً واقتراح قانون على جدول الأعمال، يجب البت بها، في حين انها لم تكن منجزة من قبل. – التأخير في تشكيل الحكومة الى حد بات يهدد مصالح الناس والدولة، خلافاً للفرضية التي كانت ترجح نجاح الأكثرية الجديدة في تأليف الحكومة سريعاً، ويترافق هذا التأخير مع وضع مضطرب واستثنائي في المنطقة، يتطلب إجراءات لاحتوائه والحد من تأثيراته علينا. – تسجيل سابقة مشابهة عام 2005، عندما انعقد مجلس النواب في جلسة عامة، في ظل وجود حكومة تصريف أعمال، من أجل إقرار قانون العفو عن قائد ";القوات اللبنانية"; سمير جعجع وموقوفي الضنية الإسلاميين. – انتهاء أعمال الصيانة والتجديد في المجلس، بعدما كنا نعاني في السابق من أزمة مكان. وأوضح بري انه سيعطي أعضاء هيئة المكتب مهلة اسبوع للتأمل في ما قاله واتخاذ الموقف المناسب.

ولكن النائب أحمد فتفت أشار الى ان الرئيس فؤاد السنيورة سيكون خلال هذه الفترة خارج لبنان، وبالتالي من الأفضل أن تمتد المهلة لمدة 10أيام، فلم يمانع بري. ومع بدء مداخلات النواب، برزت اعتراضات من بعض أولئك المنتمين الى قوى 14 آذار على طرح بري، فما كان من الأخير إلا أن سأل النائب مروان حمادة: ألست أنت من كان يحثني على الدعوة الى جلسة تشريعية.. ماذا تغير؟ وبعد أخذ ورد، تقرر ان يتبلغ بري من نائب رئيس المجلس فريد مكاري الموقف النهائي لكتل 14آذار النيابية، في 29 الجاري. وقبل ان ينفض الاجتماع، أراد بري، الذي لا ينام على ";ضيم";، أن يرد على عدد من النواب الذين يرددون من وقت الى آخر مقولة أنه أقفل المجلس خلال فترة رئاسة الرئيس فؤاد السنيورة لحكومته الثانية، فأكد انه لو عاد التاريخ الى الوراء، ";لما كنت فقط قد كررت ما فعلته، بل كنت قد كررته بتصميم أكبر، لأنه لا مكان لحكومة غير ميثاقية تحت سقف مجلس النواب، في عهد نبيه بري";. وامتداداً للسياق ذاته، يؤكد بري لـ";السفير"; انه سيحدد موعداً للجلسة التشريعية بعد انتهاء مهلة الـ10أيام المخصصة لمزيد من التشاور، معتبراً أن الإيحاء الخبيث بأنه يهدف من وراء هذه الخطوة الى ممارسة دور الحكومة، والحلول مكانها، هو ذر للرماد في العيون وتحريف للحقيقة. ويشدد بري على أن الجلسة ستلتئم حتماً، حتى لو قاطعها نواب 14 آذار، إذا تأمن نصاب الـ65نائباً.

ويتابع موضحاً: عندما أدخل الى القاعة وأجد ان النصاب القانوني قد توافر، فإن عجلة التشريع ستدور على الفور، ويضيف بلهجة حازمة: أمر واحد كفيل بأن يمنعني من الدعوة الى الجلسة هو تشكيل الحكومة المرتقبة سريعاً، وهذا ما آمل حصوله، رحمة بالبلاد والعباد. ويهزأ بري من سعي البعض الى التحريض المذهبي والفئوي عليه، بسبب حماسته للجلسة التشريعية، متسائلاً: هل إن القوانين التي يمكن أن تقر تهم مذهباً دون آخر أو طائفة دون أخرى، أما انها تهم كل اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وميولهم؟ وهل ان حاكم مصرف لبنان الذي انتهت مدة ولايته منذ اشهر هو شيعي؟ ويستغرب بري الضجة المثارة حول إمكان مبادرته الى عقد جلسة تشريعية، في حين ان ألمعترضين اليوم لم يحركوا ساكناً عندما حصلت جلسة مشابهة عام 2005 لإقرار قانون العفو عن سمير جعجع.. إلا إذا كان المطلوب من وجهة نظرهم أن يعود الى السجن.

السابق
دولة الرئيسة بهية الحريري؟
التالي
الخيام: للتحقيق في فضيحة رومية