دولة الرئيسة بهية الحريري؟

وسط الفراغ المدوي في الحياة السياسية، تُشغَل قوى الأكثرية الجديدة بالبحث عن سبل الخروج من المأزق الذي تغرق نفسها فيه. وفي مقابل تمسكها بالرئيس نجيب ميقاتي شاغلاً مقبلاً للسرايا الحكومية، بدأت أوساط تيار المستقبل بالبحث عن الرئيس المقبل للحكومة، فإذا بالست بهية تتقدم

تبدو قوى الأكثرية الجديدة كمن أدمن الفراغ والتناحر. لا تُظهِر سوى العجز عن تأليف الحكومة، مشرعة الأبواب أمام شتى التحليلات التي تخلص إلى القول إن مَن سمّوا نجيب ميقاتي لترؤس الحكومة غير راغبين في التأليف. لكن هذه القوى لا تزال مصرة على أن ميقاتي هو مرشحها الوحيد للرئاسة الثالثة، وأنها تسعى بكل قوتها إلى دخوله السرايا الحكومية.
في المقابل، تبدو قوى 14 آذار، يتقدمها تيار المستقبل، في عالم آخر. الرئيس سعد الحريري صامد في السعودية، بفضل النصيحة الغربية التي حذرته من إمكان تعرضه للاغتيال في حال عودته إلى لبنان. أما أنصاره في لبنان، فيمنون النفس بالعودة إلى رئاسة الحكومة، ولو بالإنابة، وبالتحديد، من خلال «دولة الرئيسة» بهية الحريري.
ففي تيار المستقبل، وداخل عائلة الحريري، ثمة قراءة للوضع الراهن، فيها الكثير من التفاؤل. يكرر المستقبليون ـــــ الحريريون اللازمة اللبنانية القائلة بأن البلاد محكومة بالتفاهم. فالنظام اللبناني «غير قادر على بلع تعيين رئيس للحكومة خلافاً لرأي أغلبية السنة». ومن هذا المنطلق، لن يتمكن نجيب ميقاتي من تأليف الحكومة، تقول القراءة المستقبلية، مضيفة: «فميقاتي لن يرضى بحكومة لا تحظى بقبول سعودي وتواجه المجتمع الدولي، في مقابل إصرار حزب الله والتيار الوطني الحر على حكومة تشبههما، ولا تشبه طبيعة رجل الأعمال السني الآتي من طرابلس».
هذه الوقائع تسير بموازاة التغييرات الجارية في المنطقة. الربيع العربي «في طور ملء الفراغ الذي تُرِك ساحة لتركيا وإيران خلال السنوات العشر الماضية». فمصر تستعيد دورها، «ونحن لم نخسر حليفاً هو حسني مبارك، بقدر ما ربحنا مصر الجديدة. ودول الخليج العربي قررت التقاط زمام المبادرة والهجوم لحماية إقليمها من التمدد الإيراني، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين». يجري ذلك في ظل «اهتزاز النظام السوري وحشره في الزاوية يوماً بعد آخر وأزمة داخلية تهدد أسس النظام الإيراني»، على حد قول أحد المسؤولين البارزين في تيار المستقبل.
كل هذه التغييرات لا تعني، بالنسبة إلى الحزب القائد لقوى 14 آذار أن نجوم خصومها في لبنان هي في طريقها إلى الأفول. بل هي تشير إلى «أننا اليوم أحوج من أي يوم آخر إلى التسوية التي لم يبدأ التفاوض الدولي والإقليمي بشأنها»، على حد قول مسؤول مستقبلي بارز.
لكنّ المستقبليين يبدون واقعيين في تعاملهم مع ملف رئاسة الحكومة، رغم تفاؤلهم (المفرط أحياناً) بقراءة التطورات الإقليمية والدولية. هم قانعون بما سترسمه لهم التسوية التي يرون أنها آتية لا محال. فالرئيس سعد الحريري «لن يعود إلى السلطة قبل الانتخابات النيابية المقبلة. ولذلك أسباب عديدة، أبرزها أن البلد محكوم، في ظل موازين القوى الحالية، بحكومة وحدة وطنية. وبالتالي، سيكون على دولة الرئيس أن يؤلف حكومة يشترك فيها مع حزب الله. وهذا الأمر بات متعذراً لأكثر من سبب، أبرزها رفع سقف الخطاب الرافض لسلاح الحزب، فضلاً عن اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية. فرئيس تيار المستقبل وضع سقفاً سياسياً له يمنع عليه التعايش مع سلاح حزب الله، بصيغته الحالية. أضف إلى ذلك أن الطرف الذي ينبغي الجلوس معه إلى طاولة واحدة، أي قوى 8 آذار، يرفض بتاتاً عودة الحريري إلى الحكم».
وسط هذه الوقائع، نُقِل عن رئيس كتلة النضال الوطني، النائب وليد جنبلاط، الأسبوع الفائت أنه لا يرضى عن الرئيس نجيب ميقاتي بديلاً… سوى النائب السابق بهيج طبارة، أو بهية الحريري.
وفي أوساط المستقبليين، يطرح احتمال خروج الرئيس نجيب ميقاتي من الحكم على طاولة البحث أسماء عدد من الشخصيات التي يمكنها خلافته: الرئيس فؤاد السنيورة والوزير محمد الصفدي والنائبة بهية الحريري والنائب تمام سلام والنائب نهاد المشنوق والوزير السابق بهيج طبارة. الاسم الأول «محروق» عند قوى 8 آذار التي تفضل نار الحريري على جنة السنيورة. أما الصفدي، فـ«محروق» عند تيار المستقبل؛ إذ إن الخلاف بين المستقبل والصفدي سابق للخلاف بين المستقبل وميقاتي، وظهرت أولى بوادره عقب الانتخابات النيابية الفرعية عام 2010 في دائرة المنية ـــــ الضنية، عندما سعى التيار إلى رمي مسؤولية تراجعه في المنطقة على الوزير الطرابلسي. وأضيفت إليها «الطعنة» (حسب التعبير المستقبلي) التي وجهها الصفدي إلى الحريري بوقوفه إلى جانب ميقاتي عند تسمية الأخير قبل أربعة أشهر. ورغم غياب أي مانع سياسي لدى المستقبل يحول دون تولي النائب تمام سلام مقاليد الرئاسة الثالثة، يبقى في نظر المستقبليين يعاني «ضائقة شعبية تجعله عرضة للضغوط من طرفي النزاع السياسي». يبقى طبارة والمشنوق وبهية الحريري.
يبدو طبارة، بالنسبة إلى الحريريين، أبعد عنهم من كل الآخرين، بسبب مواقف الرجل التي لم تهادنهم يوماً على حساب اقتناعاته، سواء في ملف المحكمة الدولية أو الموقف من سلاح المقاومة عقب حرب تموز 2006، أو في النظرة الدستورية والقانونية إلى عدد كبير من القضايا التي طُرِحَت خلال السنوات الماضية. ولا ترفع من رصيد طبارة عند أنصار سعد الحريري صلته الوثيقة بكل من أرملة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نازك، وابنه البكر بهاء، بل هي ربما تضاعف المسافة بين الوزير الأسبق للعدل وأنصار الشيخ سعد.
أما النائب نهاد المشنوق، الذي تبرّع عدد من أنصار المستقبل بترشيحه لرئاسة الحكومة الأسبوع الماضي، «على الهواء مباشرة» خلال مشاركته في حوار على شاشة تلفزيون «المستقبل»، فيرفض البحث في الأمر، قائلاً إن فريقه السياسي لا يملك اليوم ترف البحث في أسماء مرشحي رئاسة الحكومة، وهو «أمر في الأصل يتحدد في الكتلة». وكلما سئل المشنوق عن اسم مرشحه للرئاسة الثالثة، يجيب قائلاً إنه متمسك بالسنيورة. والنائب الذي كان الرئيس رفيق الحريري يطلق عليه لقب «دولة الرئيس»، كان حتى أشهر خلت يجيب من يسأله عن احتمال دخوله نادي رؤساء الحكومات بالقول: «طموحي أن أحمل لقب وزير سابق وكاتب في صحيفة السفير». ويؤكد مطّلعون على العلاقة بين الشيخ سعد والمشنوق أن الأول قبل بالثاني نائباً عن بيروت على مضض، بعد تدخل سعودي، وبالتالي، من الصعب أن يقبل به في السرايا الحكومية.
تبقى «الست بهية». منذ أسابيع، «بدأت تتصرف على أنها مرشحة للرئاسة الثالثة»، يقول أحد السياسيين «الوسطيين». ففي عز الخلاف بين تيار المستقبل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، زارت الحريري الأخيرَ في عين التينة. وفيما كان تيار المستقبل لا يزال يشعر بمرارة «خيانة» النائب وليد جنبلاط، حلت ضيفة على زعيم الاشتراكي في المختارة.
أحد أقرب المقربين إليها لا ينفي أن تكون «الست» مرشحة تلقائية لرئاسة الحكومة، عندما يحين أوان التسوية، قبل أن ينتقل إلى تعداد مزاياها السياسية؛ فهي صاحبة المواقف الوسطية. ومن على منبر 14 آذار 2005، رفضت القطيعة مع سوريا، قائلة إلى اللقاء لا وداعاً. وفي الجنوب، متنت دوماً الخيط الذي لم ينقطع بينها وبين الرئيس نبيه بري، فضلاً عن محافظتها على صلة الحد الأدنى بحزب الله (في المناسبات الاجتماعية، ولا سيما الحزينة). هي إذاً، بحسب مقربين منها، تقف في نقطة «مستقبلية» تتقاطع عندها خيوط بري وجنبلاط وحزب الله، إضافة إلى سوريا والسعودية. لكن المقرب من الست بهية يصر على أن كل ما يُقال بشأنها يبقى رهن إشارة الشيخ سعد.
في مقابل القراءة المستقبلية، لا تزال قوى الأكثرية الجديدة متمسكة بميقاتي، رافضة البحث، ولو على سبيل الاحتمال، في إشغال السرايا الكبيرة بكل من «تفوح منه رائحة سعد الحريري».

——————————————————————————–

تيار العائلة

منذ أن وُجِد تيار المستقبل، ارتبط اسمه بآل الحريري، لا بسبب مؤسسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحسب، بل بسبب ما تبع استشهاده أيضاً. فبعد قيادة الرئيس سعد الحريري للتيار، وترؤسه لكتلته البرلمانية منذ عام 2005، تولى ابن عمته نادر الحريري إدارة مكتبه. أما ثاني أبناء عمته، أحمد الحريري، فتولى قيادة شباب تيار المستقبل، قبل أن يحل أميناً عاماً بالانتخاب، بعد تكليفه إعادة هيكلة التيار. وفيما تحول عدد من موظفي الشركات التي يملكها آل الحريري إلى نواب ووزراء، بقيت بهية الحريري ثابتة في المقعد النيابي في صيدا. لكن الست بهية (حتى من وجهة نظر منتقديها) كانت أكثر أفراد العائلة حيازة لـ«المشروعية» في العمل السياسي. فالسيدة رافقت شقيقها في عمله السياسي منذ الثمانينيات، ونسجت علاقات طيبة مع أهل مدينتها ومحيطها، لتمتد نشاطاتها إلى مختلف أقضية الجنوب، قبل التحرير وبعده. وعندما تراجع أداء تيار المستقبل في كافة المناطق اللبنانية، حافظت صيدا، بفضل ما زرعته «الست»، على الولاء لآل الحريري، وهو ما ظهر في آخر استحقاقين انتخابيين شهدتهما بوابة الجنوب.

السابق
السياسة: شحنات أسلحة جديدة إلى البقاع
التالي
ماذا قال بري للنواب بعد.. وقف التسجيل؟