«كفرناحوم» و «تحريم» الفرح

..."كلٌّ يحاول على طريقته ووفق قدراته دعم بلده، منهم من يفديه بالدم والروح ومنهم بالفكرَ والموهبة والبعض الآخر بالمحبة والولاء. الثابت أنّ الكل في لبنان قدم ولايزال التضحيات من اجل وطنه. صور الشهداء من كل الطوائف لاتزال معلقة على جدران منازل ذويهم، معلقة في القلوب وفي كل مكان".

أتعجب كثيرًا من أولئك الذين يستبدلون ثقافة حب الحياة وتحفيز الآمال والمواهب والابداع، واستنهاض الهمم فى نفوس الناس، بثقافة “عشق الموت” وتعميم اليأس وتحطيم كل نجاح يتحقق والتقليل من أهمية أي تطور يحدث وتكسير كل إبداع يُصنع. وللأسف الشديد، فإنّ تلك الثقافة البعيدة كل البعد عن ثقافة الأديان ‏تنتشر وبسرعة.

لطالما تساءلت لماذا هناك فئة تحرّم على الناس الفرح والرقص والحياة؟ لماذا يريد البعض أن يقتل فينا الحياة ويزرع مكانه الموت والحزن؟ لست بوارد كتابة درس عن التعدد الديني الذي يتغنى به اللبنانيون، ولكن الا يستحق فوز فيلم “كفرناحوم” فرحة مشتركة على مساحة الوطن؟ الا يستحق الجندي والاستاذ والطفل وبائع الخضار وأهالي الشهداء وابنائهم أن تجمعهم قفزة انتصار وفرحة فوز حققها انجاز من بلادهم؟

وبعيداً عن القرف اليومي الذي يعيشه اللبناني في كل تفصيل من حياته، (من انتشار النفايات ومشكلة كهرباء وانقطاع المياه والبطالة وزحمة السير والسلاح وإنعدام الامن والتخوين الخ…) جاء فوز فيلم “كفرناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي بجائزة لجنة التحكيم بالدورة الـ 71 من مهرجان “كانّ” السينمائي، ليشكّل نافذة يستنشق منها اللبناني هواءً نقياً ينعش ذاكرته بأن لبنان المبدع لا يزال يحتوي على الكثير والكثير من القدرات التي تستطيع ان تصل الى العالمية وتنافس في مجالات عدة وتفوز. جاء “كفرناحوم” ليشكل بقعة ضوء في سماء قاتمة تحتلها رصاصات طائشة و”آربي جيهات” جاهلة.

لن اتحدث عن تغريدة منار صباغ بشأن “كفرناحوم”، لكنني ساتحدث عن تغريدة النائب المُنتخب نواف الموسوي على موقع “تويتر” والتي قال فيها: “بلا لبكي، بلا وجع رأس. وقت الجد ما فيه غير سلاحك بيحميك”. تلك التغريدة ليست سوى جملة من نص عنوانه العريض “لبنان المرتهن”. هذا الـ “لبنان” مطلوب أن يكون رهينة وان يبقى شعبه وأحلامهم ومدنهم أسرى ممارسات قوى معينة بدل أن يكون البلد الأكثر ازدهارا. مطلوب، بكلّ بساطة ان يكون لبنان بلداً يائساً بائساً خاضعاً لرحمة فكر متقوقع، أي حيّ فقير من احياء ايران.

إقرأ أيضاً: نادين لبكي استفزت «همجيتهم»!

عندما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، بدا فيه النائب نواف الموسوي يرقص على أنغام أغنية “علّي الكوفية” في بلدة البرغلية قضاء صور،  لم أرَ فيه سوى مشهداً عفوياً انعكس فرحا عليي وعلى الناس. فالفرح حق مشروع لكل الكائنات وحتى الرقص “ليس محرماً” على أحد وكذلك على نواب “حزب الله” وبالتالي من المحبب والمرحب أن يكون نواب الحزب على طبيعتهم.

من أنت ومن أنا لتحرّم عليّ وأحرّم عليك وعلى الناس نعمة الحياة والفرح التي منحها الله للعباد؟ هناك أشياء أخطر في الوطن وفي “بيئتك” تحديدا صنعتها ثقافة الموت واليأس والشعارات الكاذبة.

إقرأ أيضاً: نادين لبكي.. بأيّ «عار» عدتِ!

هي ليست المرة الاولى التي يقوم فيها “حزب الله” بتأكيد تمسكه بالسلاح وبثقافة التقوقع وعزل لبنان عن محيطه، طبعا بحكم ان الحزب اصبح يعتبر بيروت “العاصمة الرابعة” لإيران وبالتالي يجوز له شرعا أن يفرض سلاحه وسياساته و”ثقافته” على كل “الفينيقيين”. خصوصا وأن “حزب الله” يَبرع في سياسة تصنيف البشر بين ممانع موالٍ للحزب وبين خصم “عدو” متآمر لأنه مثلاً دافع عن بطون رُضّع بلدة مضايا الفارغة بفعل الحصار الذي فرضه عناصره على تلك البلدة السورية.

السابق
بعد اكتمال المحاصصة: صفقة البواخر سوف تبصر النور قريبا
التالي
المشنوق: لا أقبل أن أبلّغ عبر الإعلام