عين سوريّة على ميادين مصر

في مقال بعنوان: "تحدّي استكمال ما بدأ"، تحدث الكاتب يوسف فخر الدين عن الرياح الديموقراطية التي تعصف بدول الربيع العربي وتناقضاتها مع صناديق الاقتراع التي فتحت المجال للإسلاميين بالوصول إلى مقاليد السلطة والحكم في مصر، وهم الذين لطالما اشتهوا الإمساك بزمامها. وأرجع ذلك إلى فشل الشباب الديموقراطي العلماني في خلق آليات عمل وهياكل سياسية واجتماعية. كما تنبأ فيها بمبادرة المجلس العسكري لترتيب "انقلاب"، مستنداً في ذلك إلى عقلية المجلس ومصالحه وطريقة عمله، وتكاتف القوى المصرية المتنافرة للوقوف في وجه الإخوان.
بعد سنة على حكم مرسي، عاد المصريون إلى ميدان التحرير بحشود طغت بأعدادها على حشود "ثورة 25 يناير". ثورة جديدة على "الإخوان" هذه المرة، ما لبث أن تدخل العسكر فيها، تحت شعار تلبية مطالب الشعب.
تزامناً مع ما يحصل في مصر، بقي المشهد السوري على حاله. كانت حمص القديمة أيضاً تستغيث من شدّة الحصار والقصف العنيف عليها. لكن ذلك لم يقف حاجزاً يمنع الشباب السوري من إبداء رأيه مما حدث ويحدث في المحروسة.
انقسم السوريون بين مؤيدٍ ومعارضٍ لما لقاه مرسي على يد الشعب والمجلس العسكري. امتد الخلاف ليمس المصطلحات المطلقة على ما حدث، والانقسام حول اعتباره "ثورة جديدة" أتت في إطار استكمالي لثورة 25 يناير، أم ثورة توجت بـ"انقلاب عسكري" أم "انقلاب على شرعية الديموقراطية".
يقول أبو عبدو (ناشط ميداني في مجموعة "الشباب السوري الثائر") "ما حدث في مصر كان انقلاباً عسكرياً موجهاً لإحداث نكسة في الديموقراطية التي وصل من خلالها الأخوان إلى السلطة. أنا ضد هذه الممارسة، على الرغم من انني لا أتوافق مع الإخوان لا سياسياً ولا إيديولوجيا. في الوقت نفسه لست مع انقلاب عسكري على الشرعية الديموقراطية".
الناشط الإعلامي نشوان المرزوك يصرّ بدوره على تسمية ما حدث في مصر بالانقلاب العسكري. "الديموقراطية لا تبنى انطلاقاً من الحذاء العسكري. لم يجلب العسكر في بلادنا سوى الخراب. وما فعله الجيش المصري من اعتقالات تعسفية بحق بعض قيادات الإخوان ومطاردة البقية، وإغلاق الفضائيات والمراكز الإعلامية التابعة للإسلاميين ليست سوى تأكيد لذلك". ويضيف ساخراً: "نحن السوريين نمتلك تجربة جيدة مع أعتى مؤسسة عسكرية في المنطقة".
لا يعترض يوسف فخر الدين على تسمية ما حصل بالانقلاب الواضح. إلاّ أنه يعتبر ذلك "نتيجة لرفض الأخوان لتسوية ترضيهم وتضمن سير العملية الديموقراطية".
يقاطع نشوان يوسف، فيقول: "سلوك الجيش مع الإخوان سيؤمن للإسلاميين فرصة لاستعادة مظلوميتهم التاريخية التي أدت لإقصائهم عن الحياة السياسية والديموقراطية. صحيح أنهم لم يقتنعوا بها قبل وصول مرسي إلى الحكم، لكن سلوك المؤسسة العسكرية اليوم لا يختلف بشيء عن فترة الحكم الممتدة من عبد الناصر إلى حكم مبارك".
عبر مقابلة مع القيادي في جماعة الأخوان المسلمين محمد البلتاجي، نشرت الأحد الماضي، يقول البلتاجي: "إن الجميع سيخسر، بما في ذلك الغرب، بسبب العنف الذي قد ينجم عن عزل مرسي، أول رئيس مصري منتخب في انتخابات حرة، بعدما أمضى عاماً واحداً فقط من مدة رئاسته". وأثار البلتاجي أيضا مخاوف من أن "عزل مرسي قد يثير أيضا أعمال عنف من جانب إسلاميين يرون أنه لا جدوى من العملية الديموقراطية التي عملت جماعة الاخوان المسلمين جاهدة من أجل ضمّهم إليها".
يعاودُ أبو عبدو تثبيت وجهة نظره حول مدى التفاف العسكر على ثورة كانت تستكمل نفسها: "إن كان الجيش حريصاً كل ذلك الحرص على مطالب الجماهير وحقوقها، والمحافظة على استحقاقات ثورة يناير، أين كان هذا الجيش إذاً على مدى 40 عاماً من ممارسات حكم مبارك؟".
على الضفة الأخرى من الشباب السوري المدني، يوافق وائل قيس (شاعر وناشط ميداني) على حديث المرزوك عن المظلومية. يضيف أن تلك المظلومية بدأت ترى الشمس "عبر البيانات التي أصدرتها جماعة "أنصار الشريعة" وطالبت فيها بتزويدها بالسلاح، من اجل التدرب عليه، ومن ثم حماية الشرعية، وإذا اعتمدنا تلك الفرضية، فربما نشهد في الفترة القادمة مواجهات مسلحة بين الجيش والأحزاب الإسلامية الداعمة لشرعية "مرسي".
ويوافق على أن ما قام به الجيش جاء تنفيذاً لمطالب المتظاهرين في الميدان، إلا أن "الانقلابات العسكرية والتفافها على الديموقراطيات في تاريخنا السياسي لم تجلب سوى الأنظمة الديكتاتورية للمنطقة، وعلى المصريين التنبه لذلك".
ويرى قيس ان الإخوان ليسوا صادقين مع أنفسهم، حتى يكونوا صادقين مع الشعب المصري، بدءا من ممارساتهم في الحكم وانكشاف شراهتهم للسلطة وصولاً إلى احتكارهم للوظائف الحساسة في الدولة و"أخونة" المؤسسات. "لم يأخذوا مثلا بعين الاعتبار الطعون المقدمة ضد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كذلك لم يقدموا للمحاكمة المتهمين بجرائم قتل خلال فترة حكمهم، رغم بروز أسماء "اخوانية" متورطة بأحداث الاتحادية والمقطم، ومن ثم سنهم لقوانين حاولوا من خلالها تجاوز التشريعات الدستورية، من أجل تمرير برنامجهم السياسي وفرضه على المجتمع".
وما إذا كان قد استمد الشباب السوري قوة من الأحداث الأخيرة في مصر لمتابعة ثورته، يقول أبو عبدو: "الشباب السوري لم يفقد في الحقيقة قوته وصلابته لمتابعة الثورة بعزم، حتى يستمدها من أيٍّ كان". أما نشوان المرزوك، فيقول ان "التجربة مختلفة في سوريا، ولها أبعاد مختلفة عن مصر، كما السيناريوهات المرتقبة والأطراف اللاعبة، ولا تمكن مقارنة الجيش السوري مع الجيش المصري".
وائل قيس يستفيض في شرحه، فيؤكد أن الحراك الثوري الشبابي في سوريا مستمر، ولن يتأثر بالمتغيرات التي تدور رحاها في مصر. إلا أن من سيتأثر هو المعارضة ممثلة بفروعها المتعددة: الائتلاف، المجلس الوطني، والأحزاب الإسلامية التي كانت تعتبر نظام مرسي حليفاً أساسياً لها.

السابق
إسرائيل: نتنياهو قادر على شن حرب ضد إيران
التالي
زواج اللبناني بأجنبية