الزعيم الأوحد لسياسة التدمير الذاتي

عندما تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 1996 كان في الرابعة والأربعين من عمره، وفي حينه تعرض لانتقادات كثيرة لقلة خبرته في إدارة الشؤون السياسية لدولة إسرائيل. وعلى رغم الدور الكبير الذي اضطلع به في تأليب الرأي العام على اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين، واضطراره عام 1999 الى الدعوة الى انتخابات مبكرة نظراً الى الرفض الشديد لأحزاب اليمين للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، فقد سجل له التاريخ خلال هذه الولاية توقيع اتفاقين: اتفاق الانسحاب من الخليل عام 1997، واتفاق واي بلانتيشن عام 1999.
في بداية ولايته الثانية رئيساً للوزراء عام 2009، حاول نتنياهو الظهور مظهر زعيم جمهور الوسط في إسرائيل أو اليمين المعتدل الذي كان يمثله آنذاك تكتل "ليكود". فألقى خطابه الشهير في جامعة بار إيلان الذي اعلن فيه قبوله بحل الدولتين لشعبين، لكنه عمل خلال الفترة التي أمضاها في السلطة على أن يصير هذا الحل مستحيل التحقيق، وذلك من طريق أمرين: السياسة الاستيطانية التي انتهجتها حكومته، والحرب الإسرائيلية الشعواء على زعيم السلطة الشريك المفترض لإسرائيل في أي تسوية مستقبلية.
عندما يعود نتنياهو الى رئاسة الوزراء لولاية ثالثة الأسبوع المقبل، وهو ما ترجحه كل استطلاعات الرأي، سوف يكون النسخة الأخيرة التي تحول اليها نتنياهو باعتباره زعيماً للجمهور اليميني القومي المتشدد، والذي ينتهج سياسة "تدمير ذاتي" كما نقل عن الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأيام الأخيرة.
خلال المعركة الانتخابية الحالية لم يترك نتنياهو وسيلة إلا استخدمها من اجل الحصول على تأييد القاعدة الشعبية لليمين في إسرائيل. فمن اجل ارضاء المستوطنين والحصول على دعمهم الانتخابي وافق على بدء البناء في منطقة E1، ودخل في مواجهة مع المجتمع الدولي بأسره الرافض رفضاً باتاً لفرض حقائق استيطانية على الأرض تمنع مستقبلاً قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي.
ولم يكتف نتنياهو باستعداء الرئيس أوباما من خلال دعمه العلني لمنافسه المرشح الجمهوري ميت رومني، ومن خلال حملة التشكيك في ادارة أوباما في الموضوع النووي الإيراني التي كادت ان تتسبب بأزمة في العلاقات التاريخية بين البلدين. فاذا بنا نراه اليوم يهاجم المواقف الأخيرة للرئيس الأميركي من سياسته ويعتبرها تدخلاً صارخاً في المعركة الانتخابية، ويحرض الرأي العام الإسرائيلي مرة اخرى على أوباما، الحليف الوحيد الذي بقي له على المسرح الدولي.
يتوقع حلفاء إسرائيل من نتنياهو الابتعاد عن اليمين المتطرف لدى تشكيله الائتلاف الحكومي الجديد. لكن كل الدلائل تشير الى صعوبة ذلك.

السابق
وزراء التيار الحر يرفضون منح أولاد اللبنانية جنسيتها
التالي
ما يجوز في سوريا لا يجوز في الخليج