غياب وحدة القرار

اعتاد العرب واللبنانيون بصورة خاصة على التهويل الاسرائيلي بعدوان او شن حرب واسعة الأمر الذي يبقي ردات الفعل محدودة إضافة إلى عدم الاستعداد للمواجهة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً حيث يظل المجتمع الدولي غائباً من التطورات مع العلم بأن دولة لا سيما واشنطن تعي ما هو ظاهر وما هو خفي كونها شريكة في حدث على مستوى ما يوصف بقلب الطاولة أو خلط الأوراق وهي ما زالت تتريث لاسباب مختلفة في اتخاذ قرار حرب تروج له إسرائيل منذ فترة غير قصيرة استناداً إلى ذرائع تختلقها.
وقد وصل الامر بتل أبيب إلى حدّ بث اشاعة بأن لبنان سينقسم إلى فئات وانتماءات في وقت تحشد قواتها على الحدود وتجري مناورات تدعو إلى طرح السؤال عن دوافعها واسبابها واشاعات يتم تداولها بالإيحاء او الترويج وهي بالطبع تفرض نفسها على اللبنانيين بصورة خاصة تحقيقاً لإرادة مشتركة وقرار موحد لم يبصر النور بعد على الرغم من المعرفة بأن اسرائيل تعمل جادة وبأساليب مختلفة على بقاء ساحة هذا البلد غارقة في الانشغال بخلافات على المصالح الذاتية ولو على حساب الوطن وأبنائه ومستقبلهم، كما انها تبذل ما أمكنها من عمل لزيادة التباين بين مواطني هذه الدولة العربية او تلك سعياً لتشويه الربيع العربي.
والدول التي تصاب بالغيبوبة مما يهدد توحدها ويتشتت قدراتها تقع في المحظور وليس لها الإدعاد بأنها اخذت على غفلة، وهذا ما يعاني منه لبنان الآن ليس افتقاراً إلى امكانات الانتصار على العدوان كما في مرات سابقة لا سيما في العام ألفين وستة واجبار المعتدي المحتل على الاعتراف بالهزيمة، بل للإنشغال بما يوفر لهذه الجهة السياسية او تلك الحفاظ على نفوذ لا يعني سواها وهي تجهل ان ما يصيب البعض يصيب الكل خصوصاً اذا كان وطنياً ومسؤولية تصل إلى حد التضحية للبقاء الحر والسيادة على الأرض.
والأوضح في عدم اتخاذ القرار هو ان أحداً كما يبدو لا يملك حرية الاقدام عليه بفعل الانتماء المصلحي والارتباط المعنوي بمن هو خارج حدود الوطن لا يما اذا كان باستطاعته توفير ما يسهم في النفوذ وتبوء مركز مرموق وكذلك حرية التصرف والحصانة ضد ما لا يتفق والممارسة الصحيحة سياسياً ومادياً، هذا كله يبقى ما يتحدث عليه الناس من فراغ وتعدد الصلاحيات وصولا إلى ما يتردد عن ان كل وزير وزارة وكل فئة ذات نفوذ خاص يحميها من اجراءات لا تتفق ورؤيتها وعملها.
هذا الواقع يحول دون انعقاد جلسة الحوار الوطني والاتفاق على قانون انتخاب لا يكون مفصلاً على ما يتطلع اليه هذا الفريق أو ذاك، ومن هنا فلا قانون النسبية ولا سواه يمكن أن يقر وسط توقعات تشير إلى الابقاء على قانون الستين، وما دام الحوار وهو واجب وطني يترجح بين المقبول وبين الرفض فإن الوضع مستمر بانتظار بلورة الاوضاع الاقليمية. 
 

السابق
حلب ومعركة الحسم
التالي
لندع القضاء يستكمل تحقيقاته