رسائل متبادلة

التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية ودول مجلس التعاون الخليجي ليس بجديد، كان بالمفرّق، فأصبح بالجملة، بعد زيارة وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون الأخيرة الى الرياض، ولقائها نظرائها وزراء خارجيّة دوَل المجلس. تلقفت إيران الرسالة، وتصرّفت وكأنها المعنيّ الأول، وأخذت علماً بأنّ استقرار الأنظمة الخليجيّة خطّ أحمر، وإن القواعد الأميركيّة المنتشرة في المكان مكلّفة بمهمّة دائمة ثابتة، وهي توفير الحماية من الخطر الإيراني، من دون الاسترسال في توصيف هذا الخطر، وهل يعني الاجتياح، أم دعم حركات المعارضة الشيعيّة المنتفضة، أم الحرص على الممرات المائيّة – النفطيّة آمنة في مضيق هرمز، أم كلّ هذا؟

وتعاطت موسكو مع الزيارة بمنطق الصفقة، النفط مقابل الأمن، والنفط للغرب على أن تحدد واشنطن الدول المستفيدة، وحصّة كلّ دولة، مقابل توفير الحماية للأنظمة وتأمين استمراريتها. ولأن الصفقة حصينة، منيعة الجانب، أعلن وزير الخارجيّة الأمير سعود الفيصل جهارا نهارا عن توجّه بلاده نحو تقديم الدعم للمعارضة السوريّة، ومدّها بالمال والسلاح. ووصف هذا الموقف بالنادر والجريء، والذي يأتي من خارج السياق العام للمواقف الهادئة العادلة الحكيمة التي تتصِف بها سياسة المملكة على الصعيد الخارجي، وتحديدا تجاه الدول الشقيقة. وفضحت موسكو جوانب أخرى من الصفقة، كأن تتحكّم واشنطن بسياسة الدول المصدّرة للنفط، وبالكميات المستخرجة، وبسعر البرميل، وانعكاس كلّ ذلك على الحركة الماليّة – الاقتصاديّة العالميّة في سنة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.

أمن، نفط، حماية، استثمار، واستئثار بالأسعار والحركة الاقتصاديّة… تعابير ومفردات صيغَت بها بنود الصفقة، لكن كلّ هذا لا يشكّل مبعث قلق عند الروس، وجلّ اهتمامهم كان ولا يزال معرفة أين إسرائيل؟ وما هي حدود استفاداتها منها؟ وأين تركيا حاضنة حلف شمال الأطلسي، وقيادته ومخابراته؟ وأين إيران المستهدفة، والمرشّحة أن تكون حقل التجارب الإسرائيليّة – الأميركيّة في أي وقت ملائم لتدمير البرنامج النووي الذي يقلق حكومة تل أبيب؟! ويدخل الإيرانيّون بدورهم على الخط، للتأكد ما إذا كانت دول مجلس التعاون قد تعهّدت لـ كلينتون – بموجب التحالف – فتح أجوائها أمام الطيران الحربي الإسرائيلي لقصف إيران؟ وستسمح للقواعد العسكريّة الأميركيّة التحرك بحريّة لمؤازرة تل أبيب في أي هجوم عسكري ضد المفاعلات النوويّة الإيرانيّة؟

واكتسب الوضع السوري الداخلي وظيفة جديدة بعد زيارة كلينتون للرياض، تحوّل الى ساحة لتبادل الرسائل بين عواصم الدول المعنيّة بشؤون المنطقة وشجونها، وكان الردّ الروسي واضحا: المزيد من الانحياز – ولو الشكلي – دفاعا عن النظام، فيما تحيّن المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانية آية الله علي خامنئي فرصة وجود الرئيس التركي عبدالله غول في طهران ليبلّغه موقفا حاسما "سنقاتل بكلّ ما أوتينا دفاعا عن دمشق؟!" وهذه الرسالة لم تكن برَسم تركيا وحدها، بل برسم تل أبيب، وواشنطن، ودول مجلس التعاون. وحجّة الخليجيّين هنا مبررة، وخشيتهم من أن تصبح دوَلهم – كما سوريا – ساحة لتمرير الرسائل الغربيّة – الإيرانيّة في محلّها، بعدما أثبتت الوقائع أنه في كلّ مرّة تزداد فيها وتيرة الضغوط الإسرائيليّة – الأميركيّة – الغربيّة على إيران، ينفجر الحراك الشعبي الشيعي في المنامة، وتضطرب الساحة فجأة بالمظاهرات الحاشدة، وبأعمال العنف.

ويقول وزير الخارجية السوري وليد المعلّم بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف أمس: "نحرص على أن يكون وقف العنف دائما، واتفقنا على تنظيم بعثة المراقبين". إصراره على استخدام عبارة "اتفقنا" يُوحي بأن هناك مشروع صفقة ما بين النظام وموسكو، وأن زيارته في هذا التوقيت تماثل تلك التي قامت بها كلينتون الى الرياض، فهل يعني أن المعلّم قد توصّل الى اتفاق استراتيجي مع موسكو لمواجهة الاتفاق الاستراتيجي الذي أبرَمته كلينتون مع نظرائها الخليجيّين؟!".

ويبقى معرفة أين موقع الموفد العربي – الدولي كوفي أنان مِن "اتفقنا"، وأينَه من هذا الاتفاق؟ لا بل أين هي النقاط الست أساس مبادرته وجوهرها؟ وهل تبلّغ من المعلّم ولافروف جدول أعمال المحادثات، والنقاط الحسّاسة التي أثيرت، وما تمّ الاتفاق بشأنه؟ أم أنّ لافروف قد نصّب نفسه مفوضا دوليّا ساميّا يوجّه الملاحظات، ويصدر التعليمات لكلّ من أنان والمعلم وما عليهما فِعله، وما هو المسار الذي يفترض أن تتبعه النقاط الست للوصول الى وقف للعنف والدخول في حوار حول التسوية، او الطائف الجديد لسوريا.

ليس في وسط هذا الصخب من مكان بعد لالتقاط الأنفاس، وهذا ما يؤشر على أن مهمّة أنان لا تزال مفتوحة ومن دون أفق ومواعيد ثابتة ومحترمة يؤخذ بها؟!.

السابق
صقر صقر ادعى على 4 اشخاص بجرم تهريب الاسلحة الى سوريا
التالي
قبيسي: لقانون انتخابي ينقذ الوطن من التعصب