لا.. لن يستمر النزف إلى الأبد

لايزال المشهدان الدولي والإقليمي يراوحان مكانهما حيال الوضع المتفاقم في سورية فرغم الدعوات المتكررة والحثيثة الصادرة من مختلف المواقع الدينية والدنيوية الداعية إلى وقف عملية النزف, لايزال النظام ذاهبا في خياره الأمني العنيف في التعامل مع الحركات الاحتجاجية, وفي تماديه الوقح في عملية قتل منهجية قذرة للمواطنين الآمنين في بيوتهم, وذلك بدم بارد وروح إجرامية لم يشهدها التاريخ لا القديم ولا الحديث. هذا وفيما ينظر العالم أجمع إلى فصول هذه المجزرة, عاجزاً سوى عن إطلاق مبادرات اللقاءات والندوات الحوارية, وعن إسداء النصائح, وعقد اجتماعات على مستوى القمم, انتهت جميعها ببيانات التنديد والشجب, بدأت تلوح في الأفق بوادر للخروج من النفق المظلم بواسطة سعي بعض الأطراف الفاعلة إلى وضع بعض الاقتراحات على نار حامية.

في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الجامعة العربية, وأسوة بكل الدول المهتمة بوضع حد نهائي لعمليات الإبادة الجماعية في سورية, باتت مقتنعة بأن الحالة السورية تشكل نموذجاً غير مسبوق في حالات الربيع العربي, وأن أي حل معلب مستوحى من التجارب السابقة في البلدان التي تخلصت من أنظمتها الديكتاتورية, يستعصي تطبيقه على الحالة السورية, من أجل تخليص هذا الشعب من محنته. ناهيك عن أن المقاومة في الداخل باتت تتعرض لأسلحة جد ثقيلة وضخمة, من نوع الدبابات والهواوين والراجمات الروسية المنشأ, وهي عاجزة عن مقاومة قوة نيرانها التدميرية بأسلحة خفيفة بدائية. لقد بات العالم على قناعة بان من المستحيل إسقاط نموذج الحالة التونسية أو المصرية أو حتى اليمنية, حيث تمكن المتظاهرون من نسف أنظمتهم وبفترات لم تتعد الأشهر. لذا يمكن توصيف الحالة السورية بالمختلفة والجديدة عن باقي الثورات العربية السابقة.

لذا نرى الموقف العربي اليوم مصابا بالإرباك رغم النوايا الحسنة ومن التعاطف الذي أبداه ولازال مع معاناة الشعب السوري. بالإضافة إلى كونه ما زال رمادي اللون وضبابي الأطر ويفتقد للمضمون الواضح المعنى الميداني الفاصل. فالدعوات للقاءات والحوارات في القاهرة وقريباً في تونس لا تبشر بالخروج من النفق ولا بحلول جذرية كما يريد الشعب السوري. ولم تكن حتى الساعة أكثر من مجرد تعبئة للوقت الضائع, ناهيك عن أن المبادرة العربية في إرسال مراقبين باءت بالفشل, بعد أن أثارت جملة من الانتقادات التي اتهمتها بتأمين فترات من الوقت الضائع , استعملته السلطة للتمادي في انحرافها عن كل الأطر المعروفة في تعاملها مع شعب, يتظاهر مطالباً بحقه المشروع بالحرية والكرامة في عملية الإبادة المنظمة.وعلى ما يبدو حالة المراوحة والعجز نراها تنسحب على الموقف الدولي والأممي. فمجلس الأمن بات شبه معطل بسبب تشبث روسيا والصين بموقفهما, والاتحاد الأوروبي, وعلى رأسه فرنسا نصر على استبعاد أي تدخل أممي عسكري خارج إطار قرار صادر عن مجلس الأمن. وتركيا التي آوت المنشقين وفتحت لهم حدودها هي الأخرى في حال ترقب وتموضع وإن متعاطف, ولكن غير مجدٍ على أرض الواقع.

يبقى المؤكد هو أن الذي يحدث الآن في سورية, لا يمكنه أن يستمر إلى الأبد, ولكن العبرة في إيجاد المخرج لهذه المراوحة. وفي هذا السياق نشير إلى أنها ليست بعيدة عن تلك التي سبقت تسارع شريط الأحداث في ليبيا قبيل سقوط نظام الديكتاتور معمر القذافي. ففي استرجاع لهذا الشريط من الممكن تلمس وجه الشبه بين حالة اللاعودة التي سيطرت في المرحلة النهائية من نظام القذافي, قبيل انتقال الملف الليبي إلى مجلس الأمن واصطدامه بالفيتو الروسي والصيني, وبين تلك المسيطرة حالياً في سورية. إذ أتى بعدها تدخل قوات الناتو بطريقة غير منتظرة, أي خارجاً عن إطار قرار صادر عن مجلس الأمن.

إن الالتفاف الملاحظ اليوم على الفيتو الروسي والصيني بخصوص الملف السوري, يأتي عبر طرحه على الجمعية العامة ولكن عن طريق مبادرة عائدة للمراجع ذات الصلة والمعنية بالنظر بالجرائم ضد الإنسانية. وهو نفسه كان شكل الملف الذي حمل إلى الأمم المتحدة توصيفاً لارتكابات عصابات القذافي غير الإنسانية. وفي السياق نفسه اعتبر برلمانيون أميركيون قبل ايام في رسالة إلى السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس, بأن مجلس الأمن الدولي يجب أن يكلف المحكمة الجنائية الدولية النظر في الملف الموثق لإعمال العنف الجارية في سورية. ومما جاء في الرسالة "من المهم تطرق مجلس الأمن إلى جملة الشكوك الموثقة حول الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا من قبل الجيش النظامي, على أن يحال المسؤولون عنها إلى المحاكم الجنائية وعلى رأسهم الرئيس السوري بشار الأسد". وفي سياق الرسالة ندد البرلمانيون بنهج الإبادة الجماعية التي تنفذ بحق المدن والدساكر والأحياء الآمنة, وبعمليات الخطف والتعذيب في السجون, ناهيك عن عمليات الاعتقال القسري وغير المبرر, كما تمت الإشارة للقتل المتعمد على يد قناصة مقنعين يعمدون لاصطياد المارة, وطالبوا السفيرة بمواصلة جهودها للتوصل لاستصدار قرار يحيل بموجبه رئيس الدولة كونه المسؤول الأول عن هذه الانتهاكات إلى محكمة الجنايات الدولية. لذا قد يجوز القول اليوم ان الوضع في سورية شارف نهاية المطاف, بعد أن بات الملف جنائيا أكثر منه أي شي آخر.  

السابق
خطاب نصر الله: ردّ عنيف يفاجىء قوى 14 آذار… والقوات تردّ اليوم ؟!
التالي
البلد يقشط