نحن جبناء يا معالي الوزير!

من زمان، كنا نبالغ في تأثيم لبنان. أحيانا، كنا نعتبره شقيقاً ونداً لصقلية. وننسبه إلى أشطر المافيات على الاطلاق. كان هذا، حديث صحافة وكلام أناس عاديين، اعتادوا على جلد الذات وجلد البلد. ولم يحصل أن توقف أحد عند اتهام النشاط اللبناني في السياسة والاقتصاد والمال والأمن والصحة والتربية.. بالمافيوي. إلى أن صرّح وزير الصحة علي حسن خليل بما يلي: «لعبة مافيات مركبة تتحكم بمفاصل القطاع الصحي… بين موردي الأدوية والمستلزمات الطبية والأطباء والمستشفيات والصيادلة». وبرغم هذا التصريح الاتهامي الخطير، لم يتوقف أحد عنده. كأن لبنان، ينظر إلى اللعبة المافيوية على أنها قديمة وعامة. ولا لعبة سواها. فالوزير لم يكتشف البارود. وما كنا نكتبه لم يكن كشفا يستحق القراءة… فنحن، بحكم عبقرية التيئيس، منحنا اللعبة المافيوية، براءة أخلاقية، وصرنا نجيد اللعبة، على المكشوف، بكل الاحترام المفترض، وتقاليد الاعتبار، والأسلوب المرموق في السياسة.
مناسبة هذا الكلام، ليس تصريح وزير الصحة. كلامه لا جديد فيه. هو معروف منذ ما قبل الوزير «المقهور» اميل بيطار. وهو موثق ببيانات ومدعم بوقائع، كررها مراراً، حارس الصحة النائب السابق اسماعيل سكرية.
مناسبة هذا الكلام، ملف أعدته مجلة «لو بوان» الفرنسية، عن المافيات التي وجدت مكان اقامة لها في فرنسا، بعيد سقوط الاتحاد السوفياتي، قادمة من بلاد البلطيق والبلقان وجورجيا والشيشان، وبعيد انتشار العولمة العنكبوتية، واعتماد أرباب الاقتصاد والسوق فيها، سياسة المافيوزو الشرعية.
اللافت في الملف، ان فرنسا ليست الأم التي تلد وتربي المافيات. وسبب ذلك، ليس عفتها الأخلاقية، بل بنية دولتها المركزية التي منعت قيام دويلات داخل الدولة. لقد ثبت ان المافيا تفقس بيوضها القذرة في الدول الضعيفة، وفي الدول التي تشغل فيها الديموقراطية دور الرجل المريض، وفي الدول التي يسود فيها استبداد دائم وطويل الأمد، وفي المجتمعات المنقسمة إلى قبائل وعشائر وطوائف… والغريب، أن لبنان في هذا السياق، يعتبر منتجاً لمافيات محلية ذات ربحية ممتازة، انما، لم ترق إلى مستوى العولمة، من حيث الانتشار والريادة.
واللافت في الملف أيضا، الحديث عن البنية الهرمية المؤسساتية التي تنتظم فيها آليات الجريمة والسرقة والدعارة والمال، والعابرة للحواجز كافة والمجازفة بكل المعايير، والقادرة على توظيف الدين ومؤسساته وصولا إلى سوق المخدرات والرقيق الأبيض.
غير أن المافيات في اوروبا والغرب، ليست الدولة ولا مؤسساتها. هي خارج الدولة، وتستعين على اختراقها بالرشوة والتهديد والتوريط… صداقة المافيا للدولة سرية وغير شرعية ومراقبة وتتعرض للملاحقة والقصاص. وبرهنت أجهزة القضاء في أحيان كثيرة، عن جدارة وجسارة في ملاحقة المافيات وإسقاط رؤوسها المجرمة.
لبنان، يشذ عن هذه القاعدة. فنظامه التأسيسي، مافيوزي معلن. والفساد دين الدولة المالي والاقتصادي، والسرقة صلاته اليومية. ومكافأة المافيوزيين مضمونة في الادارة والسياسة والاقتصاد والأمن والقضاء والصحة والتربية.
وليس غريباً في هذا السياق، ان تكون لنا طبقة سياسية حاكمة تنتمي إلى آل كابوني، وتستوطن بلداً جميلاً يدعى لبنان، فيما هو زقاق ضيق من أزقة صقلية.
ومع ذلك… «برافو» علي حسن خليل! انما… هل تجرؤ على تسمية أحد… أو الإشارة إليه من بعيد؟
نحن مثلكم… نعرفهم جيداً، ولا نجرؤ على تسمية أحد منهم. اننا جبناء.

السابق
كنعان:لعدم تأجيل مشاريع القوانين المطروحة
التالي
“ممانعة” سوريا