المودعون في البنوك اللبنانية يتوجّسون من «مسكّنات» السحوبات

الدولار الليرة اللبنانية

عَكَسَ تَلَهُّفُ أصحابِ الحساباتِ بالعملات الأجنبية في البنوك اللبنانية في مواكبة التحرّك الذي أَطْلَقَتْهُ لجنةُ المال النيابية والهادف الى خفض نسبة الاقتطاع من سحوباتهم المنفذة بسعر 3900 ليرة لكل دولار، جانباً من التخبّط المستمرّ في مقاربة الدولة وسلطاتها لتفاقُم الأزمات النقدية والمالية، والإمعان في اجتراح الوصفات التسكينية خارج نطاق أي خطة متكاملة تقودها حكومةٌ فاعلة ويَتَصَدَّر جدول أعمالها تصويب الانحرافات الحادة واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

ورغم القناعة الجامِعة بعدم عدالة آلية السحب المعتمَدة منذ ربيع 2020، حيث ارتقت نسبةُ الاقتطاع للقيمة الفعلية من نحو 45 في المئة الى نحو 80 في المئة من المبالغ المسحوبة، يتوجّس أصحاب الحسابات الدولارية من تعميم التدابير الاستثنائية الى أمد غير معلوم، بحيث يستمر تآكُل المدخرات المحرَّرة بالعملات الصعبة، والتي تدنّت بنحو 9 مليارات دولار منذ بدء العمل بالتسعيرة، منها نحو 5 مليارات دولار خلال الأشهر المنقضية من العام الجاري.

علماً أن الودائع المحرَّرة بالدولار توازي نحو 81 في المئة من إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي والبالغة حالياً نحو 133 مليار دولار، مع التنويه باحتساب كتلة الودائع بالليرة بالسعر الرسمي البالغ 1507 ليرات.

ودائع الدولار تدنّت بنحو 9 مليارات دولار منذ بدء العمل بالسحب على 3900 ليرة منها نحو 5 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية من هذا العام

ومن الثابت أن الاجتماع الموعود غدا الخميس للجنة المال البرلمانية، بمشاركة وزارة المال وحاكمية البنك المركزي لن يأتي بأجوبة شافية في شأن السعر الجديد الذي سيتم اعتماده بدءاً من اول أكتوبر المقبل، باعتبار أن إعداد القرار التنفيذي منوط حصراً بالمجلس المركزي لمصرف لبنان المخوّل وحده بتعديل التعميم رقم 151 الصادر بتوقيع الحاكم رياض سلامة، إنما يُتوقع أن تفضي مداولات النواب والمشاركين الى توصية بضرورة التعديل ومن دون تحديد سعر معيّن، وبذلك يمكن أن تشكل الغطاء شبه التشريعي للقرار المنتظَر.

إقرأ أيضاً: بين «دعاء بري» وتفاؤل العونيين..البلد «لا معلق ولا مطلق» حكومياً!

بذلك، يرصد المتابعون مضمون التعديلات التي سيقرّرها المجلس المركزي على تعميمه السابق الذي تنتهي مفاعيله التنفيذية آخر الشهر الجاري.

وثمة اشارات تربط السعر المرجعي الجديد للسحوبات من الحسابات الدولارية بالتطورات المستجدة في الملف الحكومي.

وهو ربْطٌ منطقي، باعتبار أن المبادلات النقدية تتأثر تلقائياً بالمناخات الداخلية وتوجهاتها.

ففي حال تشكيل الحكومة الموعودة، يمكن اعتماد سعرٍ تبادُلي موقت لدولار الودائع لا يزيد على 7 آلاف ليرة، بحيث يكون مقبولاً مع ترقب انخفاض الدولار في تداولات الأسواق الموازية الى نحو 16 ألف ليرة.

أما في حال الفشل، فإن أي تسعير سيفقد فوراً جدواه في ضوء ترقُّب انفلات أقسى وأكثر حدة للفوضى النقدية السارية.

وبدا واضحاً، بحسب مصادر مالية متابعة، أن التهيّب من واقعية تَعذُّر تأمين مبالغ إضافية لدعم أسعار المشتقات النفطية للمستهلكين والتوجّس من قرب رفع الدعم بشكل تام عنها خلال ايام وليس أسابيع، فرض البحث عن بدائل سريعة لمقاربة استفحال موجات الغلاء التي تتعدى في تداعياتها كلفة التزود بمادتيْ البنزين والمازوت، لتضرب كامل مفاصل الحياة اليومية، من الخدمات الحكومية المترهّلة، ولا سيما الكهرباء والمياه والاتصالات، وصولاً إلى أسعار السلع كافة من غذائية واستهلاكية، والتي ستخضع مجدداً لزيادات مبرَّرة بارتفاع أجور النقل والتخزين والتبريد والأجور وسواها.

رفع الدعم على المحروقات فرض البحث عن بدائل سريعة لمقاربة استفحال موجات الغلاء التي تتعدى في تداعياتها كلفة التزود بمادتيْ البنزين والمازوت

ويمثّل استحقاق نفاذ مبالغ الدعم لدى البنك المركزي قنبلة معيشية جديدة، يرجّح انفجار صاعقها تلقائياً في حال التمادي بتأخير الملف الحكومي، بحيث تتفلت الفوضى النقدية من أي قيود وتنفلت معها مؤشرات التضخم، والتي تدحرجت بسرعات صاروخية ومن دون هوادة على مدار عامين متتاليين، فيما يتكفل تَفاقُم أكلاف الخدمات الأساسية والتي يصعب الاستغناء عنها أو استبدالها بتراكُم الأعباء التي ينوء المستهلكون بحملها.

ومن شأن الحقائق المريرة الناتجة عن توسّع دائرة العجز في تلبية المتطلبات المعيشية اليومية، أن تضم فئات جديدة من ذوي المداخيل المتوسطة وشبه المرتفعة، وهو ما تؤكده تقارير مؤسسات دولية رصدت ارتفاع مؤشر الفقر الى نحو 74 في المئة من السكان، بينما تستمر المماطلة عنواناً مظللاً للتحركات الحكومية المتصلة بالبطاقة التمويلية التي تم إطلاق فكرتها كبديل للدعم منذ مطلع العام الماضي، ورغم الإدراك المسبق بأن قيمتها البالغة نحو 100 دولار شهرياً لكل عائلة من الفئات الأكثر فقراً لا تغني عن جوع يتفشى بوتيرة متسارعة ليضم يومياً فئات اجتماعية جديدة إلى «أحزمة البؤس».

السابق
«هذيانٌ» سياسي في لبنان و«غثيانٌ» دولي من مسؤوليه!
التالي
ليلى إسكندر تدافع عن اتهامها بالإساءة للنساء السعوديات