عاد الحديث بقوة عن قرب تأليف الحكومة بعدما كانت تراجعت فرَص هذا التأليف، وفي ظل حديث عن دخول دولي على الخط، كما عن عدة مَساع لم تتوقّف للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وقد أسفرت كل هذه المساعي عن تضييق رقعة الخلاف وتذليل ما تبقّى من عقد، وفي حال أُعلِن عن زيارة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي إلى القصر الجمهوري للقاء الرئيس ميشال عون، فهذا يعني انّ احتمالات إصدار مراسيم التأليف أصبحت كبيرة.
لا شك في انّ تأليف الحكومة يُدخل لبنان في مرحلة جديدة بعد فراغ طويل، وعدم قدرة الحكومة المستقيلة على معالجة شكاوى الناس الحياتية، ويتحوّل معظم التركيز إلى المراحل التي ستلي إصدار المراسيم، من البيان الوزاري، إلى جلسة الثقة، وما بعدها الخطة الحكومية وطريقة عملها في معالجة الأزمة المالية والتصدي للأزمات الحياتية، فهل تصدق النيات والأخبار هذه المرة، أم عود على بدء من الفشل والفراغ والوعود الكاذبة؟
وعلى رغم ان الدفع الدولي ليس جديداً في ظل الرغبة الدولية الثابتة سعياً لولادة الحكومة في لبنان، إلاّ ان الدخول الأميركي بقوة على الخط هذه المرة وَلّد انطباعات إيجابية مختلفة في اعتبار ان الموقف الأميركي مؤثر في تحديد مسار الأمور واتجاهاتها، ومن الواضح انّ ثمة رغبة أميركية في إخراج لبنان من الفراغ المفتوح على الفوضى في حال استمرار الأوضاع على المنوال الحالي، خصوصاً في ظل الحرص الأميركي على استمرار الاستقرار اللبناني في انتظار ان تنجلي الصورة الإقليمية في المفاوضات النووية مع إيران.
وفي موازاة الرغبة الأميركية، هناك أيضاً بيئة إقليمية مواتية للتأليف، ويحظى لبنان فيها بتحييد إيجابي وتقاطع موضوعي على ضرورة إبقاء الأوضاع فيه مستقرة خوفاً من الفوضى وما يمكن ان تَستتبعه من مواجهات وفصول سود يصعب تقديرها وتحوِّل الأزمة في لبنان من مالية وحكومية، إلى أزمة نظام.
وبالتوازي مع المناخات الدولية والإقليمية المواتية، هناك نوع من شعور ان الأمور في لبنان “استوت”، حيث أن الأوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لم تعد تحتمل مزيدا من الفراغ، خصوصا مع اقتراب رفع الدعم وغياب البدائل واستمرار التردي فصولاً، وارتفاع منسوب الغضب الشعبي.
ولا شك في انّ المعنيين بالتأليف لا يمكنهم عدم الأخذ اولاً في الاعتبار المعطى الخارجي الدافع والضاغط في اتجاه تأليف الحكومة، كما لا يمكنهم أيضا عدم الأخذ في الاعتبار وضع البلد وشعبه والمصير الذي سيلقاه في حال لم تتألف الحكومة. وبالتالي، لكل هذه الأسباب مجتمعة هناك فرصة حقيقية لإنهاء الوضع الشاذ ووضع حد للفراغ، فهل ستنطبق حسابات الحقل على حسابات البيدر هذه المرة، أم ان الفراغ سيتواصل فصولاً، والبلاد ستكون مشرّعة على فصول سوداء؟
نقطة واحدة
في هذه الاثناء علمت “الجمهورية” ان توزيع الحكومة اصبح جاهز،اً ولم يبق عالقاً فيها الا نقطة واحدة هي حقيبة وزارة الاقتصاد والاسم المرشح لتولّيها. وقالت مصادر عاملة على خط التأليف ان “الحكومة جاهزة في انتظار القرار السياسي الذي بيده اعلان مراسيمها اليوم قبل الغد”. واكدت “انّ اي تأخير اضافي في اعلان الولادة يعني وجود قطبة مخفية، وهناك فعلا من لا يريد حكومة لأن الوساطة الاخيرة التي قادها اللواء عباس ابراهيم ووسطاء آخرون كانت نشطة جدا خلال الساعات الماضية وبلغت ذروتها”.
وأضافت المصادر: “البلد من دون حكومة منذ اكثر من عام ودائماً نقول ان الشروط التي توضع هي شروط تعجيزية لعرقلتها والآن ”لحقنا الكذاب على باب داره”، اذا صدق يمكن ان لا يقفل هذا الاسبوع الا على ولادة الحكومة، واذا لا فإن الحقيقة تكون قد انكشفت والمطلوب غير ذلك”.
“الفول والمكيول”
وكان اللافت في هذا الصدد أمس قول رئيس مجلس النواب نبيه بري لموقع “مستقبل ويب” حول امكان إنجاز هذا الاستحقاق: “ما تقول فول ليصير بالمكيول”. ورَدّ على سؤال عن مصير تشكيل الحكومة بالقول: “لم يعد ينفع إلا الدعاء”.
الى ذلك، استبعد مطلعون ان تولد الحكومة اليوم كما جرى الترويج اخيرا، لافتين الى انه تبين ان عملية ضخ الإيجابيات المضخمة والتي يليها تراجع في معدلات التفاؤل انما تندرج في جزء منها على الاقل ضمن لعبة المضاربة في السوق المالية والتلاعب بسعر الدولار هبوطا وصعودا لتحقيق أرباح على حساب المواطن.
إقرأ ايضاً: رفض عكاري لإختراق حزب الله «الإنساني»..و«تقطيع» وقت بين عون وميقاتي!
لكن هؤلاء المطلعين لم يستبعدوا احتمال تشكيل الحكومة في النصف الثاني من هذا الأسبوع وإن تكن التجارب المريرة لم تعد تشجّع على ضرب المواعيد مسبقا.
وعلى وقع خلط الاسماء المرشحة للتوزير وتبديلها من حين الى آخر، نُقل عن مرجع سياسي كبير قوله “ان بعض الاسماء التي يتم التداول بها في كواليس التفاوض توحي أننا سنكون أمام حكومة موظفين ومأمورين ينتظرون الحصول على رواتب آخر الشهر والتعليمات ممّن عَيّنهم”.
وتساءل المرجع عما اذا كانت حكومة من هذا النوع “ستستطيع مواجهة تحديات هذه المرحلة الصعبة”.
إتصالات ونتائج غامضة
وفي رواية أخرى ان الغموض يلف المفاوضات الجارية وما تم التوصل اليه في الايام المنصرمة وسط اجماع محيط بعبدا والبياضة من جهة ومبنى البلاتينيوم من جهة اخرى على “طلعات ونزلات” لا افق لها ولا نتيجة حاسمة حتى ساعة متأخرة من ليل امس.
وقالت مصادر قريبة من بعبدا ان الاتصالات جارية من دون اعطائها اي توصيف لهوية الوسطاء الجدد والقدامى. ومع إشارتها الى ان اللواء ابراهيم، الذي غاب امس عن بعبدا في يوم تشييع رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان، سيعود اليها اليوم للوقوف على الجديد. في وقت تحدثت المصادر عن وسيط جديد هو القنصل مصطفى الصلح من دون اي معلومات عن هويته ومهنته سوى الإشارة الى انه صديق مشترك لميقاتي وباسيل الموجود على خط الاتصالات ان لم يكن مباشرة مع ميقاتي، في ظل نفي اي اتصال او لقاء بينهما او مع من انتدبه الرئيس المكلف لهذه المهمة.
وعلى هامش الغموض المسيطر على نتائج الاتصالات ونتائجها المعلقة على هوية وزير الاقتصاد واسمه، نَفت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” ما تناولته وسائل الاعلام من اسماء مطروحة من دون نفي مقولة “اسماء تصعد وأسماء تختفي”. ولفتت الى انها لم تلاحظ وجود اسم السيدة حنين السيد التي قيل ان ميقاتي يقترحها لحقيبة الاقتصاد من بين اسماء لائحة مقترحة تضم 3 او 4 اسماء بعدما حسمت ان تكون من حصة من الطائفة السنية.
ثقة “لبنان القوي”
وفي معلومات ان إمكان إعطاء كتلة “لبنان القوي” الثقة للحكومة باتت من النقاط المطروحة في المفاوضات الجارية وسط حديث عن امكان اعادة النظر في تفاهمات سابقة، ان لم يحسم باسيل هذا الامر في وقت قريب يسبق التفاهم على التشكيلة الوزارية في صيغتها النهائية.
تزامناً، نفت مصادر واسعة الاطلاع اي حديث عن تبادل حقائب بين عون وبري تشمل وزارة الزراعة بعدما تنازل عون لميقاتي عن الاقتصاد. كما نفت المصادر اي اشارات جديدة لحسم اسم الوزيرين المسيحيين من خارج حصة عون، واللذين قد يخفيان خلفهما عقدة “الثلث المعطل” بالاستناد الى هوية الاسماء التي طرحها عون وتلك التي يقترحها ميقاتي.