حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: السعودية وطهران.. «جلسات» تحت الطاولة لعلاج «الايرانوفوبيا»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

بغض النظر عن حصول اللقاء بين وفدين سعودي وايراني على الاراضي العراقية مطلع هذا الشهر (9 ابريل/ نيسان الجاري) او عدمه، الا ان ما تكشفه التسريبات غير الرسمية عن كلا الطرفين او عن مصادر عراقية او غربية مواكبة لهذه الاتصالات، تؤكد ان المستوى الذي يتعامل به الطرفان مع الامر هو مسار يسيطر عليه البعد الامني، لجهة ان المعلومات الاولية غير الرسمية تفيد بان رئاسة الوفد السعودي كانت في عهدة رئيس جهاز الاستخبارات اللواء خالد بن علي الحميدان الى جانب شخصية تمثل الديوان الملكي، في حين ان رئاسة الوفد الايراني مازال يكتنفها الغموض، الا ان المعلومات تشير بان الجهة التي تولت مهمة اختيار رئاسة الوفد الايراني كانت الادميرال علي شمخاني، الذي يشغل منصب امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني.

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «حرس الثورة» يُضرب «من بيت أبيه»!

الطابع الامني الاستخباراتي، يعني ان الطرفين مازالا في مرحلة اختبار نوايا، وان الجهة المبادرة لمثل هذا الانفتاح او اللقاء تضع الجانب الامني في مقدمة اهتماماتها، وتبحث عن حلول عملية له قبل الانتقال الى توسيع دائرة الحوار، لتشمل الجانبين السياسي والدبلوماسي والتمهيد لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين.

مصادر تؤكد ان المستوى الذي يتعامل به كل من السعودية – ايران مع الامر هو مسار يسيطر عليه البعد الامني

التواصل السعودي – الايراني

الحقيقة الكامنة وراء هذه الاتصالات – ان حصلت او انها مازالت في مرحلة التحضيرات، هي حاجة الطرفين لبعضهما من اجل التفاهم على الكثير من الملفات الاقليمية، التي تشكل مساحة اشتباك وتداخل مصالح بينهما، من الساحة اليمينة مرورا بالعراقية وصولا الى لبنان، من دون اغفال ما يمكن تفرضه التطورات التي تشهدها الساحة السورية، وضرورة العودة الى التعاون الدولي والاقليمي للتعامل مع مسجدات هذه الازمة.

الاصرار الايراني على فتح قناة تواصل وحوار مع الجانب السعودي، حتى ولو كانت من نافذة اليمن، تؤكد الحاجة الايرانية لهذه العلاقة مع الرياض، خصوصا في مرحلة ما بعد التفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية واعادة احياء الاتفاق النووي، خصوصا وان القيادة الايرانية تدرك جيدا صعوبة الحصول على مكاسب في الاقليم والحفاظ على ما حققته من نفوذ في المنطقة، من دون التفاهم مع القيادة السعودية. اذ تعتقد طهران بان مفتاح الحل، والمدخل لعودة النظام السوري الى الجامعة العربية والمجتمع العربي، لا بد ان يمر عبر البوابة السعودية، خاصة وان كل محاولات الانفتاح التي صدرت عن بعض الدول العربية (الامارات العربية المتحدة والبحرين تحديدا) باتجاه دمشق، مازالت غير فاعلة بانتظار تبلور موقف واضح من الرياض. وبالتالي الموقف السعودي من الازمة السورية يساهم في تحريك الموقف الايجابي الدولي، ويساعد في اطلاق عملية اعادة البناء والاعمار الاقتصادي والسياسي والدبوماسي والتنموي.

الاصرار الايراني على الحوار مع السعودية، تؤكد حاجتها لهذه العلاقة، لاسيما في مرحلة ما بعد التفاهم مع واشنطن واعادة احياء الاتفاق النووي

فمن جهة، تعتقد ايران ان التفاهم مع الرياض يساعد في تسهيل عملية اطلاق مسار السلام والحوار في الازمة اليمينة، لان اي حل لهذه الازمة، حتى وان استطاعت طهران فرض شروطها على اللاعبين اليمنيين، لا يمكن ان تنتقل الى المرحلة العملية وان يكتب لها النجاح من دون التفاهم مع السعودية. اي ان طهران ستكون على استعداد لممارسة ضغوطها على حلفائها اليمنيين، من اجل الجلوس الى طاولة التفاوض والتعامل بايجابية مع المباردة السعودية ومبادرة الامم المتحدة للحل، مقابل ان تعمل السعودية على القبول بالمخاوف الحوثية، المتعلقة بمستقبل العملية السياسية في هذا البلد، وحجم الدور والشراكة في السلطة التي يمكن ان ينتهي اليها الحل السياسي.

تعتقد ايران ان التفاهم مع الرياض يساعد في تسهيل عملية اطلاق مسار السلام والحوار في الازمة اليمينة

الدور العراقي

الحوار السعودي الايراني، يعتبر ايضا حاجة عراقية اكثر مما هو حاجة الاطراف الاخرى، ويشكل اعترافا ايرانيا بالدور الذي تلعبه السعودية في هذا البلد، وان هذا الحوار يصبح ضرورة لطهران في ظل الجهود التي تبذلها على مسار التفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية، وبعد تفاهم غير معلن بين طهران وواشنطن على تحييد الساحة العراقية عن توتر العلاقة بينهما، وهذا الامر برز من خلال الجهود التي تبذلها ايران، لضبط بعض الجماعات المسلحة العراقية المحسوبة عليها، التي تستهدف قواعد القوات الامريكية او تسعى لاضعاف الحكومة العراقية، من خلال فرض هيمنة السلاح المتفلت وغير الشرعي على حساب سيادة الدولة ومؤسساتها الامنية.

يعتبر الدور اللوجستي الذي اعطي للجانب العراقي محطة من محطات كثيرة جرت بين طهران والرياض على الارض العراقية

ويعتبر الدور اللوجستي الذي اعطي للجانب العراقي في ترتيب اللقاء بين الطرفين ( على الرغم من عدم اعتراف الطرفين به) لا يعتبر الاول من نوعه، اذ يمكن اعتباره محطة من محطات كثيرة جرت بين طهران والرياض على الارض العراقية، ولا شك ان الطرفين استغلا العلاقة الجيدة التي تربط بين مصطفى الكاظمي قبل و بعد توليه رئاسة الوزراء مع القيادة السعودية، بالاضافة الى الرضا الايراني لتسهيل هذا الدور الذي بدأه الكاظمي، عندما تولى رئاسة جهاز الاستخبارات في عهد رئيس الورزاء السابق حيدر العبادي واستمر به في عهد سلفه عادل عبدالمهدي.

وعلى الرغم من حالة التنافس المسيطرة على العلاقة بين الرياض وطهران، الا ان الاخيرة و في اطار رؤيتها الاستراتيجية لدورها في الشرق الاوسط خاصة ومنطقة غرب آسيا عموما، تبدو الحاجة لمثل هذه العلاقة اكثر وضوحا في مجالين اساسيين:

  • الاول؛ ان طهران تدرك عدم قدرتها على قيادة العالم الاسلامي وحصر هذه القيادة بها، وبالتالي فانها بحاجة الى الرياض لتنهض معها بجناجي هذا العالم بشقيه السني والشيعي، وان التفاهم مع السعودية يعتبر في صلب الرؤية الاستراتيجية واعترافا واضحا وصريحا بالدور الذي تلعبه السعودية في هذا الاطار، باعتبارها الاقدر على التصدي لقيادة العالم الاسلامي في بعده السني، وبالتالي فان التفاهم معها وبناء علاقات جيدة وودية وعميقة، يساعد في كبح الطموحات التركية الساعية والمتحفزة، لفرض نفسها على زعامة العالم السني على حساب الدور والموقع السعودية، وبالتالي يسهل على ايران تحجيم الطموحات العثمانية للقيادة التركية، والتي تسعى لفرض نفسها شريكا في رسم معالم منطقة غرب آسيا والشرق الاوسط المستقبلية.

عودة العلاقات بين طهران والرياض، ييساعد في تأخير الطموحات الاسرائيلية، باستكمال محاصرة ايران باجتذاب الدول العربية الى جانبها

  • الثاني؛ ان عودة العلاقات بين طهران والرياض، يشكل عاملا مساعدا في تأخير الطموحات الاسرائيلية، باستكمال محاصرة ايران باجتذاب الدول العربية الى جانبها. مع ضرورة التوقف عند حقيقة ان العلاقات العربية الاسرائيلية لا تشكل هاجسا لدى النظام الايراني، وهي لا تعارض قيام مثل هذه العلاقات، على غرار ما هو قائم بين الدولة المصرية والمملكة الاردنية، شرط ان لا تتحول هذه العلاقات الى مصدر تهديد لامنها واستقرارها ومشروعها الاقليمي. وان عودة العلاقة بين الطرفين (طهران والرياض) يشكل عامل دعم للجانب السعودي في تصليب موقفه في اي حوار او اتفاق مع تل ابيب، خصوصا وان عودة العلاقات ستسحب ورقة “الايرانوفوبيا” من اليد الاسرائيلية التي تحاول تضخيمها لتحقيق اهدفها.
السابق
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الجمعة في 23 نيسان 2021
التالي
صفقة قرن جديدة.. جنبلاط يحذر القاضية عون من الفخ المنصوب من اقرب الناس!