حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «حرس الثورة» يُضرب «من بيت أبيه»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ليس مستغربا ان يعمد القائد الاسبق لحرس الثورة، امين مجتمع تشخيص مصلحة النظام والمرشح للانتخابات الرئاسية الجنرال محسن رضائي للقول، بان الاجهزة الامنية الايرانية متهالكة وينخرها الترهل وتدني الكفاءة، وذلك بعد الكشف عن استهداف درة البرنامج النووي منشآة نطنز لتخصيب اليورانيوم. وان يتهم المؤسسة العسكرية والامنية، بانها لم تقم باي عملية اعادة هيكلة وتأهيل، وتجديد لصفوفها وادواتها واساليبها منذ 30 عاما، الامر الذي سمح بحدوث خروقات امنية، لم تقف عند الاعتداء الاخير الذي استهدف منظومة الكهربائية للمنشآة وادى الى تدمير آلاف اجهزة الطرد المركزي. وان هذا الاهتراء سمح بحصول خروقات سابقة مثل التفجير الذي وقع في حزيران العام الماضي 2020 في صالة تصنيع وتجميع اجهزة طرد متطورة، فضلا عن حصول اختراق كبير مكّن اجهزة المخابرات الاسرائيلية “الموساد”، من سرقة آلاف الوثائق السرية الخاصة بالبرنامج والنشاطات النووية الايرانية، وكانت السبب في وصول مجموعة الاغتيال الى هدفها، والقيام باغتيال “ابو البرنامج النووي” الجنرال محسن فخري زاده في نوفمبر 2020.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الحرس الثوري يصعد الى هاوية الاستحقاق الرئاسي!

ترهل أمني

هذا الترهل الامني، وما ظهر من نتائجه فيما يتعلق بالاستهدافات التي اعلن عنها، وتلك التي جرت من خلال حرب سيبرانية طالت العديد من المنشآت العسكرية والمدنية، من الصعب ان تصرف الانظار عنه مسارعة المسؤولين عن البرنامج النووي، بالاعلان عن البدء بعملية استبدال الاجهزة المتضررة، باجهزة اخرى من الجيل الجديد الاكثر تطورا، فضلا عن خطوة رفع مستوى تخصيب اليورانيوم الى نسبة 60 في المئة. خصوصا وان الاعلان عن هذه الخطوات جاءت مترافقة مع “دموع” وبكاء، عدد من النواب اعضاء لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية، الذين زاروا موقع التفجير الذي جرى على عمق 50 مترا تحت الارض في منشآة نطنز، ومشاهدتهم لحجم الاضرار والخسائر التي لحقت بالاف الاجهزة المدمرة.  

قد تكون خطوة تركيب اجهزة طرد مركزي متطورة، ورفع مستوى التخصيب من ضمن الاستراتيجية الايرانية، التي ارادت استخدام هاتين الورقتين على طاولة المفاوضات، للضغط على الجانب الامريكي للحصول منه على تنازلات، فيما يتعلق بحسم موقفه من قرار الغاء العقوبات الاقتصادية، قبل اعلان العودة الى الاتفاق النووي وعضوية مجموعة 5+1. وهذا ما ظهر واضحا من خلال الموقف، الذي اعلنه مسؤول ملف التفاوض مساعد وزير الخارجية عباس عراقتشي، الذي ذهب الى فيينا عشية الاعتداء على نظنز، وفي جعبته رسالة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعلمها بالقرار الايراني، محاولا وضع  مسألة التعامل مع الخرق الامني والاعتداء على نطنز، خارج اطار التأثير على المسار التفاوضي الذي وضعته طهران، في سياق المحاولات الاسرائيلية لعرقلة اي امكانية، في التوصل الى تفاهم بين طهران وواشنطن على رفع العقوبات واعادة تفعيل الاتفاق النووي.

الحقيقة التي تكشفها هذه الخروقات، تدور حول مؤسسة حرس الثورة وجهازها الامني

الردّ الايراني

بغض النظر عن الكيفية والالية التي سترد بها ايران على تكرار الخروقات الامنية، والتي تستهدف مفاصل رئيسة في البرنامج النووي، والتي تكشف عن اتساع الخرق الامني الذي يسمح ويسهل عملية استهداف المؤسسات الاستراتيجية الحيوية، فان الحقيقة التي تكشفها هذه الخروقات والاعتداء، تدور حول مؤسسة حرس الثورة وجهازها الامني، الذي يتولى مسؤولية توفير الحماية، ليس فقط للمنشآت النووية والعسكرية والصناعية والصاروخية، بل حتى الحماية الشخصية لمسؤولي النظام ومؤسسات الدولة على اختلافها. وان حديث رضائي عن الترهل، يستهدف المؤسسة التي سبق ان تولى رئاستها، والتي صادرت الى حد كبير مهام ومسؤوليات وزارة الامن، وقامت بانشاء جهاز مواز لها، ما ادى الى تضارب في المهمات وصراعات مفتوحة بينهما على الصلاحيات ودوائر العمل، وتحويل معظم اهتمامات هذه الاجهزة لرصد التهديدات الامنية الاتية من الجماعات “الارهابية”، التي تعمل على استهداف الداخل الايراني، وكذلك جماعات المعارضة الداخلية التي ترفع مطالب سياسية او اجتماعية او معيشية، الامر الذي ساهم في خلق اجواء امنية في المجتمع الايراني. لكنها في المقابل اهملت الى حد كبير رصد خروقات، تقوم بها اجهزة امنية خارجية، من المفترض ان تكون على رأس الاولويات الامنية الايرانية، خاصة وانها تعتبر نفسها في معركة مفتوحة معها، ما سمح لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، ان يقف قبل عامين في مؤتمر صحفي، متباهيا بقدرة جهاز الموساد في الحصول على كنز من الوثائق حول البرنامج النووي، تخضع لاعلى مستويات الحراسة، وبتهريبها من الداخل الايراني الى اسرائيل من دون خوف، وان يرسل اشارة واضحة الى الهدف المقبل للعمليات الخارجية بالتركيز على اسم فخري زاده.

عملية التخفي خلف تفسيرات لا يخفف من حجم الخرق والترهل الذي تعاني منه هذه الاجهزة الايرانية

لا شك ان العمليات الامنية هي عمليات معقدة ومحسوبة بدقة، وقد يكون من غير السهل على الجهات المُستهدَفة ان تمنع تنفيذ العملية، الا ان ذلك لا يسوغ في المقابل عدم قدرة هذه الاجهزة الكشف عن خيوط تؤدي الى معرفة الجهة الفاعلة او الشبكات الداخلية التي تتعامل معها، وان عملية التخفي خلف تفسيرات لا يخفف من حجم الخرق والترهل الذي تعاني منه هذه الاجهزة، فاتهام متعهد بناء صالة انتاج اجهزة الطرد، التي تفجرت في حزيران العام الماضي، واتهام الاقمار الاصطناعية بعملية اغتيال فخري زاده، واتهام جهات دولية بالمسؤولية عن التفجير الاخير في نطنز، نتيجة زراعة متفجرات في معدات ارسلت الى الخارج لصيانتها ولم تكشفها الجهات الامنية المكلفة، كل ذلك يعزز عجز هذه الاجهزة الامنية عن فهم ما يحصل داخل المجتمع الايراني، من تحولات نتيجة الاثار السلبية لتراجع الثقة بمؤسسات الدولة والنظام، وحجم الازمات الاجتماعية والمعيشية والضائقة الاقتصادية، التي تشكل العامل الاهم في تسهيل عمل اجهزة الاستخبارات الاجنبية،  في اختراق صفوف مختلف الطبقات الاجتماعية، في اي دولة، وليس في ايران حصرا، ما يسمح بحصول هذه الخروقات والتي من المتوقع ان لا تقف عند هذه الحدود في المستقبل. 

السابق
عون عن الحريري: «يشمّ الهوا»… ورئيس الجمهورية لا يستقيل!
التالي
المهر الحكومي ارتفع.. لا أحد يريد التشكيل!