هؤلاء، ليسوا جنودنا

أكثر من عشرة عسكريين، يتحلّقون حول عامل سوري. يضحكون، يسخرون.. يسألونه ماذا يفعل مع أحمد الأسير، وهل يحبه، وكم يتقاضى. أحدهم، مُعزز. يجلس على كرسي، بجدية يتحدث مع عناصره. وبجدية يتحدث مع الرجل الذليل أمامه. تنتهي الأسئلة، وجولة السخرية. يطلب مسؤول المجموعة منهم وقف التصوير، أحدهم لم يفعل. طلب وقف التصوير تبعه اعتداء وحشي على رجل أعزل. شتائم وضرب وسحل. هنا صيدا، هنا مجموعة من الجيش اللبناني، تمارس كل ما ليس له علاقة، بوظيفتها.

فيديو، أقل من 3 دقائق، كانت كفيلة بمراجعة كل أشكال التضامن الذي كان مع المؤسسة العسكرية في حربها على إرهابي اسمه أحمد الأسير. فيديو، معه تبدأ الأسئلة التي لا تنتهي. هل هؤلاء هم من المولجين حفظ أمننا؟ هل هم انفسهم ممن تعهّدوا حفظ ترابنا وصون حدودنا؟ هل هم انفسهم، من أصحاب العقيدة التي ترتكز على الإرادة الوطنية الجامعة؟ وهل هؤلاء، من ظهروا في هذا الفيديو المُخجل، ينتمون بأي شكل إلى الإنسان؟

هذا الفيديو لجيش آخر، غير الذي نعرفه أو نؤمن به وبأهميّته كآخر معقل يحمينا من الموت أو يمنعنا من الهجرة، في بلاد لم يعد فيها لا مؤسسة ولا من يمأسسون. هذا الفيديو، يُشبه ما كنا نراه في بدايات الحراك الثوري في سوريا. يُشبه ذلك الجيش الذي عذّب ونكّل، قبل أن يتحوّل إلى القتل، كآخر الدواء الكيّ. هذه المجموعة، بالتأكيد ليست لجيش له كل احترام الناس.

الأسئلة كثيرة وكبيرة. لا تجيب عنها إجراءات القيادة بحق كل من أظهره هذا الفيديو ـ الفضيحة، وفتح تحقيق يُظهر ملابسات ما حصل. حتى قبل الإجراءات، كانت قيادة الجيش مربكة، تحدثت عن تضليل وتلفيق فيديوهات. هذا أيضاً، يفعل فعله في التضامن والإنتماء والإيمان بالمؤسسة. قيادة الجيش، بغنى عن الدخول بمتاهات ضيقة. الفيديو واضح، ومن فيه تعرفهم فرداً فرداً، إلا إن كانوا سقطوا سهواً في أرض معركة ذهب ضحيتها 16 شهيداً من آخر معقل مؤسساتي في هذا البلد الكئيب.

طوينا صفحة الفيديو كي نبقي على أملنا وآمالنا. ما هي إلا دقائق حتى ظهرت صور لمخلوق، من لحم ودم، قضى تحت التعذيب. نادر عدنان البيومي، ضحية كراهية وليس ضحية أعماله، أو ما اقترفه. نعود إلى الأسئلة التي لن نجد لها أية أجوبة مُقنعة. نعود لنضيّع الأمل الذي كنّا نتمسّك به كآخر حصن، أو ملاذ، يقينا من السلاح ورجاله. كآخر شرعية تجعلنا نحيا لنحفظ ما بقي لنا من إنسانية، لا مواطنية.

عائلة البيومي، تقول إن "ابنها قضى تحت التعذيب أثناء التحقيق معه في وزارة الدفاع بعدما كان سلّم نفسه إلى الجيش"، إن صحّ هذا الكلام، فما حصل كارثة لا تُمحى، سلّم نفسه، فقُتل!. العائلة حملت نعش ابنها، ودّعته. دفنته. لكنها بالتأكيد، لا يُمكن أن تدفن معه ما خلّفه موته من مشاعر حقد ممزوج بالأسى. مشاعر عساها لا تتحوّل نقمة لديهم، ولدى من يرى نفسه مظلوماً معهم ومع ابنهم المقتول بدمٍ بارد.

الأسئلة كثيرة. المؤسسة التي حتى الأمس كانت لا تُمس، هي اليوم بما اقترفته أيادي أبنائها، عرضة لكل شيء. كل ما سبق، لا يُسقط أيضاً كمّ الحديث عن دور حزب الله في ما حصل في صيدا. وهذا كلّه، يجب أن يكون الآن في اليرزة، الشغل الشاغل لكل من فيها، من القائد إلى أصغر ضابط أو عنصر. هذا كلّه، له أن ينتهي إلى عدالة، للضحايا وذويهم. عدالة، تعيد لهم القليل مما فقدوه، وتعيد للبنانيين القليل من الأمل.

من هو في الفيديو يحاكم ذلك العامل السوري ميدانياً، ومن عذّب البيومي حتى الموت، لا يُمثّل المؤسسة العسكرية. لا يُمثّل المؤسسة العسكرية. أو على الأقل، هذا ما نريد أن نُصدقه.

السابق
حزب الله يتفهم هواجس الجنرال
التالي
العريضي:الجيش حسم مسالة الأسير واعطى للدولة مسؤولية تحمل أمن المواطنين