حزب الله يتفهم هواجس الجنرال

تمر العلاقة بين «حزب الله» والعماد ميشال عون هذه الأيام في واحدة من أكثر المراحل حساسية وحراجة. وإذا كان مسار هذه العلاقة قد شهد في فترات سابقة بعض الاهتزاز المتصل بتباينات موضعية حول أمور إجرائية (قضية مياومي مؤسسة الكهرباء مثالا)، إلا ان الاختبار الراهن الذي يواجهه التحالف بين الطرفين يبدو الأصعب والأدق، منذ توقيع ورقة التفاهم في شباط 2006.

بعد التمايز العوني في النظرة الى مشاركة «حزب الله» في الحرب داخل سوريا وإعلانه عن جهوزيته للمساعدة في فتح جبهة الجولان، جاء التمديد لمجلس النواب ليساهم في تمدد البنود الخلافية على طريق حارة حريك – الرابية، ثم جاء التعارض في مقاربة اقتراح التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي ليكرس حالة التباعد التي عكستها بوضوح المواقف الأخيرة الصادرة عن عون والوزير جبران باسيل، الى حد أن «الجنرال» لم يتردد في القول ان هناك طاقة على الاحتمال، لا بد بعدها من «إعادة نظر».

ومن الواضح ان ترتيب الاولويات فعل فعله في توسيع رقعة الخلاف. ولعل المأزق يكمن في أن كلا من حزب الله وعون يبدو محقا في طرحه، تبعا للمكان الذي يقف فيه ولزاوية الرؤية التي يطل منها.

بالنسبة الى الحزب، ما يجري في سوريا والساحة الاقليمية مصيري الى درجة تجعله يكتسب الأهمية الأكبر وتمنحه التفوق على أي ملف محلي، وهذا ما يفسر رغبة الحزب في الحفاظ على «الستاتيكو» الداخلي عبر التمديد لمجلس النواب ومن ثم لقائد الجيش الى حين تبدد الغبار الاقليمي.

في المقابل، يعطي عون الأولوية لمعركته السياسية التي لا تعترف بنظرية «الظروف الاستثنائية». لا مبرر من وجهة نظره لأي تمديد في أي مؤسسة، ويجب احترام مبدأ تداول السلطة وفقا للروزنامة التي حددها الدستور، أما مقولة «الظروف الاستثنائية» فليست سوى قنبلة دخانية لتمرير الأمر الواقع. ولـ«الجنرال» حساباته أيضا في السياسة. التسليم بالتمديد لمجلس النواب يؤدي تلقائيا الى التسليم بالتمديد لقائد الجيش، الامر الذي يقود بدوره الى واحد من احتمالين: إما سريان مفعول التمديد على ولاية الرئيس ميشال سليمان وإما حصول قهوجي على أفضلية الوصول الى رئاسة الجمهورية، وكلتا الفرضيتين مرفوض في الرابية.

يحاول «حزب الله» استيعاب غضب عون، مستخدما أفضل أنواع «الإسفنج» لديه، لكنه يدرك ان المهمة باتت أصعب من أي وقت مضى. ولئن كان الحزب يتفهم هواجس «الجنرال» واعتباراته، إلا انه لا يبدو مستعدا لمجاراتها. بهذا المعنى، هو مقتنع بالأسباب الموجبة التي أملت التمديد للمجلس، تماما كما هو مقتنع بضرورة التمديد لقهوجي «الذي نجح في الحفاظ على تماسك الجيش ومواجهة بؤر الفتنة، برغم تواضع الإمكانيات والنقص في التغطية السياسية».

صحيح، ان «حزب الله» كان يفضل عدم طرح مسألة التمديد لقائد الجيش في هذا التوقيت بالذات، ما دام هناك متسع من الوقت قبل ان تنتهي خدمة قهوجي في أيلول المقبل، لكن أما وان الرئيس نبيه بري دعا الى عقد جلسة عامة تتضمن بند التمديد، فإن الحزب سيصوّت موافقا، من دون أن يكون هذا الموقف مرتبطا بمعركة عبرا حصرا، بل هو سابق لها، وإن كانت شجاعة الجيش في الحسم ضد مجموعة أحمد الأسير قد عززت بطبيعة الحال ثقة الحزب بقهوجي.

ولا تخفي بعض الاوساط القريبة من «حزب الله» صدمتها بالتصعيد العوني لأنه سبق للحزب أن أبلغ «الجنرال» منذ فترة طويلة بقراره دعم التمديد لقهوجي، وبالتالي فالأمر ليس مستجدا ولا يستوجب رد الفعل الذي بدر من الرابية.

ومع تراكم التباينات على خط الرابية – حارة حريك، بات جليا ان ورقة التفاهم الشهيرة لم تتمكن من تغطية كل مساحات العلاقة بين الجانبين، وان هناك «مشاعات» تشغلها مواد خلافية آخذة في التكاثر، ما يستدعي المبادرة الى إجراء مراجعة، لإعادة صيانة التحالف ومعالجة ما أصابه من عوارض مرضية، كما تقول الاوساط القريبة من الحزب.

لا يرى «حزب الله» أن العمق الاستراتيجي لعلاقته بـ«التيار الوطني الحر» بات مهددا بخطر حقيقي وداهم، ولا يعني ذلك التقليل من شأن الخلافات المتزايدة التي «تستوجب تفعيل التواصل الثنائي والحوار الصريح لتطويقها ومنع تمدد آثارها نحو أعمدة التفاهم».

السابق
هيومان رايتس: قوى الأمن الداخلي تغتصب النساء وتعنف الرجال في السجون
التالي
هؤلاء، ليسوا جنودنا