خطاب الإخوان؟

خطاب "الانتصار" الذي ألقاه الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، فيه تطمينات إلى حد يثير التوجّس!
التشديد على الدولة المدنية الديموقراطية السلمية التي لا تفرّق بين مواطنيها ولا يضع أقطابها القانون تحت إبطهم، وما إلى ذلك من مصطلحات كبيرة، تجعل الخطاب يبدو وكأنه وليد اللحظة وليس وليد القناعة.. واللحظة متوترة ومتوجّسة وقلقة من تكرار تجارب إقصائية وفَرَضية، فيما القناعة (اليقينية) تستند إلى نصّ آخر اعتمده "الاخوان" في سياقهم التاريخي وحملوه في أسوأ الأوقات، بالنسبة إليهم، فكيف الحال في أحسنها؟.
طبعاً روما من فوق غير روما من تحت.. والإقامة في المعارضة على مدى ستة عقود، غير الإقامة في الحكم، وبالتالي فإن الطمأنة الإضافية الدّالة إلى تنقية الأداء من أدران الممارسة المستندة إلى التباس التفسير وليس إلى أساس النص، تستدعي خطاباً مثل الذي ألقاه (ويلقيه) الرئيس المصري المنتخب، وكأنه يحكي بلغة عربية خطاباً تركياً أكثر مما يحكي خطاباً غزّاوياً.

تجربة "العدالة والتنمية" في الأناضول ناجحة محلياً، مقبولة أوروبياً وغربياً. فيما تجربة "حماس" في غزّة حمّالة أوجه والتباسات داخلية، ومعارضة دولية.. والفارق الأبعد مدى بين التجربتين ينطلق من الأساس: وصلت جماعة رجب طيب أردوغان إلى السلطة بالانتخابات مرة واثنتين. فيما "حماس" وصلت مرّة بالانتخاب ثم رمت صناديق الاقتراع في البحر. ولا تزال هناك تنتظر من ينتشلها ويعيد ترميم الوحدة الوطنية الفلسطينية من أساسها!
.. مصر الآتي إلى حكمها أهل "الإخوان" تبدو عصية، أكبر وأعقد بما لا يُقاس من مثال غزّة، لكنها وإلى حد بعيد ومدهش، تشبه المثال التركي في بداياته، وخصوصاً (أو تحديداً) لجهة ثنائية الجيش في جانب، والإدارة السياسية المدنية "الطارئة" على "المؤسسة" الرسمية في جانب آخر.. ثنائية مصر الراهنة لا تزال محكومة بالتوتر وبلغة الشارع أكثر من لغة الدستور والقانون والعرف المؤسساتي. كما لا تزال أسيرة "تراث" من العلاقة الملتبسة حيناً والعدائية في أكثر الأحيان بين الطرفين، لكنها أكثر من ذلك، لا تزال محكومة بنبض الثورة ومفاجآتها أكثر من أي شيء آخر.

وربما بذلك المعنى، قدّم الرئيس المصري المنتخب خطاب الالتزام بالدولة المدنية الديموقراطية إلى الشارع المصري أولاً، وإلى الخارج الإقليمي والدولي ثانياً.. لكن ولأن الشارع متحرّك، تبدو الطمأنة متحركة بدورها. ولا يزال التوجّس في أعلى مراتبه من محاولة اعتماد مثال آخر غير التركي البنّاء والغزّاوي المثير.. مثال يشبه ذاك المعتمد في إيران، حيث الثنائية تنحصر بعنصرين لا علاقة لهما بأي دستور أو قانون: عنصر القيادة الدينية العليا من جهة وعنصر "الحرس الثوري" من جهة ثانية؟!.. وفي ذلك تحتاج الطمأنة التامة إلى أكثر بكثير من خطاب انتصاري لحظوي وعابر!
  

السابق
الناس بالناس والقطة بالنفاس
التالي
بركة شقراء.. منفذ الاهالي الوحيد في زمن الغلاء