وحدة خليجية بطعم الكشري

أولا وقبل كل شيء وأي شيء، اعتذر للقراء الأعزاء – بافتراض وجودهم – عن غيابي يوم الأحد الماضي، و(بالمرة) أبشرهم بأنني – ولمن يهمه الأمر- قد غيرت موعد المقالة من يوم الأحد لأنه بداية الأسبوع والزحمة، ليطل عليكم بالسلامة كل يوم جمعة، فيوم الجمعة يوم عظيم وهو يوم خلق فيه البشر وهو أيضا يوم تحشرون لربكم الباري، كما أقدم اعتذاري عن المقالة السابقة، رغم انبساطكم منها وانشراحكم لها، إلا أنني اعتذر عن ورود بعض العبارات غير المفهومة. وبما أننا نلف وندور حول الاعتذار، فبالمرة باسمي وباسم زملائي الكتاب نعتذر لكم عن كل رأي يخالف آراءكم، أو شرح لا يشرح صدوركم قد يرد في مقالاتنا، فالأيام ليست كلها حلوة، والإكثار من الحلو يصيبكم بمرض السكر، وللأمانة فإن الحقيقة طعمها أمر من الحنظل، ولذلك ستجدونني أقول بعض الأحيان عبارات هي بالنسبة لكم اقرب إلى التخريف أو التجديف، بينما هي الحقيقة بعينها ولكنكم لا تعلمون، ولنأخذ الوحدة الخليجية مثلا، فلو قلت لكم انني مع الوحدة الخليجية سيفرح نصفكم وسيغضب النصف الآخر، ولو قلت العكس لن يرضى الجميع بل ستتغير مراكزكم فقط، وفي النهاية إرضاء كل الناس غواية، ولكني سأقول قولا وسطا فنحن أمة وسطا.

والحقيقة هي أن الوحدة الخليجية هي بنت الوحدة العربية – الله يرحمها ويسكنها فسيح جناته – فالشعوب العربية خرجت من الاستعمار إلى دنيا الوحدة العربية، ونظرا للتجارب المريرة المضحكة والمبكية أحيانا كثيرة، فقد تحولت إلى فولكور شعبي اسمها رقصة الوحدة ونص، وقد تعددت الوحدات بين الدول العربية والموت واحدُ، وفي نهاية كل مسرحية وحدوية يموت الأبطال من الضحك على ذقون الشعوب، لأنها مشروعات غير مدروسة، ولأن أهدافها غير واقعية وربما غير خيرية، ولأنها مشروطة ولا توجد فيها تنازلات ولأسباب كثيرة لا يتسع هذا الكون لشرحها.

والغريب أن الشعوب العربية والخليجية بالذات لا تعاني من الشعور بالفرقة ولا تحتاج للوحدة أصلا، فهي متوحدة بالفطرة لغة وثقافة وحتى في البيئة والاقتصاد، ولكن من يحول دون الوحدة هي الأنظمة، وفي هذه الحالة يجب أن تتغير هذه الأنظمة، وتصبح تحت نظام واحد وفوق الجميع وهذا مستحيل بل فوق الخيال، فلا أحد ولو كان أنا كاتب هذه السطور يريد أن يتنازل عن بعض صلاحياته وامتيازاته وهيلمانه للآخرين ولو كانوا اخوانه في الإسلام والعروبة.
ومن هنا يجب ألا نثقل على بعضنا من أجل سواد عيون الوحدة التي لا نعرف نهايتها، واطلبوا المعقول وقولوا نريد وحدة جمركية مع تنسيق اقتصادي، وشوية اتفاقيات دفاعية مشتركة ملزمة، وشوية اتفاقيات للتنسيق في أسواق النفط، ووحدوا نظم التعليم، وغضوا الطرف عن بعض الخلافات الحدودية، لنحصل على طبق من الاتفاقيات في صحن واحد، و مثل الكشري المصري فهو لا يعتبر صنفا واحدا بل يحوي جميع الأصناف وفي الوقت نفسه وجبة سهلة الإعداد ومع ذلك غنية ورخيصة وفي متناول الجميع.   

السابق
فرصة؟!
التالي
تقلا: روبي تتويج لمسيرتي التمثيلية