فرصة؟!

بصخب يصمّ الاذان والرؤى تدقّ أجراس الاحتراب الوطني والأهلي، ويعيش اللبنانيون في مناخ مليء بغبار توقعات أحسنها يشبه الزفت والبصل المعفّن، وأسوأها يشبه ذاك الذي جرى في العراق في السنوات القليلة الماضية، أي ما هو أسوأ وأمرّ وأزنخ وأفظع من حروب لبنان التي بدأت في العام 1975.
والحاصل هو أنّ كثيرين اليوم، يحمّلون السلطة الاسدية مسؤولية ذلك المناخ، والدفع الحثيث باتجاه الانفجار الكبير، وهم في ذلك لا يجانبون الصواب ولا يحيدون عن جادّته. لكن في موازاة ذلك الضخّ التخويني والفتنوي المألوف من قِبَل تلك السلطة، فإنّ موجبات الضمير ودواعي العدل، تستدعي الإشارة إلى الأدوار الصاخبة للممانعين المحليين، في الوصول إلى ذلك الدرك، والإقامة بالتالي، في بنيان من القلق غير المسبوق في حدّته.
ولا يخفي ذلك القلق مرادفاته الإيجابية. هو يعني أوّل ما يعني، أنه صنو للخوف، العام والخاص، من إعادة فتح حقول القتل على مداها، وتعطيل الدنيا وأسباب استمرارها.. والخوف هنا، يا اخوان، مكرمة فُضلى إذا كانت الشجاعة تعني التدمير والإفناء والإمحاء.

.. لا يعترف أهل الممانعة، وعلى رأسهم وأساسهم "حزب الله"، بأنّ جلّ ما يجري اليوم ليس سوى حصاد زرعهم للشوك والبلاّن على مرّ السنوات السبع الماضيات، لكن تلك هي الحقيقة التامّة: الضخ التوتيري المستمر على مدار الساعة، والتعبئة التي لا تعرف الاسترخاء، ولا تضع سقوفاً لحكيها ولا تميّز في شعارها ولا في خطابها ولا في نبرتها بين الأساسي والثانوي والرئيسي والفرعي، ثم ذلك الخلط الخطير بين الشعار المتعلق بالنزاع مع إسرائيل، واستخداماته المحلية على كل المستويات وفي كل المحطات وكلّما عنّ على بال أصحابه.. ثم تتويج كل تلك المذمّات، بتنكيس وتبخيس وتفطيس فكرة الدولة وسلطاتها وهيبتها، وإشاعة ثقافة الازدواجية السلطوية في السلاح وفي غيره.. كل ذلك أنتج في محصلته حالة تفلّت فظيعة، بدأ أصحابها يخافون منها، أكثر مما يخاف منها الآخرون، "الأغيار"!
.. ثقافة قطع الطرق بدأت تحت تلك الخيمة الممانعة أولاً وأساساً، وثقافة الازدواجية المتصلة بالسلطة والسلاح أنتجت الشفرات المزدوجة للسيوف التي رُفعت بالأمس! هذه بنت تلك، ولا يكفي إبداء الذعر وإطلاق السب والشتم، في تبرئة ثقافة الممانعة والممانعين من أبوّتها التامّة!

ومع ذلك، ومرّة أخرى، ولأنّ الخوف الجميل صار هواية وطنية عامة موازية لهواية وثقافة قطع الطرقات والأوصال والوشائج.. ولأن صكوك الضخ التوتيري استحقت الدفع، أخيراً فإنّ فرصة النجاة التي تلوح من خلف غيوم التيه في بحور القتل، يُفترض أن لا تضيع من جديد. وشرط ذلك، أن يتواضع قليلا المتجبّرون والمتكبّرون والدائخون بصواريخهم وحديدهم وآلتهم التنظيمية ومشاريعهم الامبراطورية! وأن يقطعوا النصف الآخر من الطريق لملاقاة الآخرين في وسطها.. طاولة حوار؟ حكومة حيادية؟ أي شيء آخر، يكون كافياً وكفيلاً بقطع الطريق فعلياً أمام الجحيم المطلوب أن يحترق فيه الجميع من دون استثناء!
 

السابق
محادثات بغداد تنتهي باختلافات جوهرية بين إيران والدول الست
التالي
وحدة خليجية بطعم الكشري