ماذا تفعل عندما تيأس من وطنك؟!

باعتباري طبيبا نفسيا، وفي نفس الوقت كاتبا صحافيا، ونظرا للطبيعة النقدية لما أكتبه في مقالاتي، فأنا دائما ما أُواجَه بتساؤل مشروع من قبل بعض الأصدقاء والقراء يتعلق بمدى الإحباط الذي أشعر به على المستوى الشخصي، وما الذي يجب على المرء منا عمله… عندما ييأس من وطنه!
وللأمانة، فأنا وإن تظاهرت بالتفاؤل في أوقات كثيرة، وكنت وما زلت أحاول غرس شيء من الأمل بمستقبل أفضل في نفوس من هم حولي، إلا أنني لا أستطيع نفي و
جود أوقات معينة شعرت بها بكم هائل من الاختناق المعنوي واليأس من الوضع العام في وطني ومن إمكانية الخروج من المرحلة العصيبة التي نعاني منها، والتي ملامحها ليست سوى التأخر على جميع المستويات، مع بروز ثقافة الكراهية والتطرف، في كنف مؤسسات دولة تنعم بقدر هائل… من الفساد والمفسدين!
كل هذا يضفي على السؤال أهمية وواقعية، لا باعتباري قدوة للآخرين أو رمزا من رموز المجتمع بالطبع، وإنما قد يكون ذلك لاعتبارات المهنة، وامتزاجها بالكتابة الصحافية والاهتمام بالشأن العام، لكن دوري الأخطر والأهم حسب ما أتصور يكمن في علاقتي المباشرة نتيجة لموقعي كأستاذ جامعي بشباب في عمر الزهور، يحتاجون دائما لبصيص من الأمل يدفعهم لمواصلة الطريق بما هو متوقع منهم من طموح وحماس، ولكل هذا أراني ملزما أخلاقيا ومعنويا على الأقل – بتبيان مصادر مقاومتي لليأس من أوضاع وطني، أو على أقل تقدير ما الذي يجب عمله عندما يسيطر عليك يأس من هذا النوع.

وقبل أن أجيب، أحب أن أذكر القارئ بأن إجابتي هنا هي تعبير عن تجربة شخصية، ليست معيارا للحكم على تجارب أخرى، بل إنني أدعي أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن هنالك الكثير من الطرق والأساليب المفيدة التي قد يلجأ أي منا إليها وتثبت نجاحها، فعالم التجارب الشخصية عالم رحب، تتعدد فيه الخبرات والعبر.
إن فلسفتي الخاصة في مقاومة الاحباط الناتج من أوضاع البلاد تتلخص في ضرورة المزج بين الوعي بالمسؤولية الشخصية من جهة، والمسؤولية الاجتماعية من جهة أخرى، مع ضرورة الالتفات إلى أن عمر الأفراد أقصر بكثير من عمر المجتمعات، وأن المجتمعات تمر في دورات زمنية متواترة من التقدم والتأخر النسبيين وعلى جميع المستويات تقريبا.

وللتوضيح، فإن الفرد منا يجب أن يعي حقيقة قصر فترة وجوده في الحياة بشكل عام، مع ما يستتبعه ذلك من ضرورة استغلال كل الجهد الذي نستطيع القيام به في حياتنا بأسلوب يوازن بين متطلبات الحياة الشخصية والالتزامات الاجتماعية، مع ضرورة ادراك أن اصلاح الوضع العام يبدأ بإصلاح الوضح الخاص والشخصي وليس العكس، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن إصلاح الشأن العام مرهون بعوامل كثيرة يستحيل في الغالب توافرها جميعا في متناول أي فرد على حدة، لذلك فمن الضروري استيعاب حدود الدور المنوط بكل منا شخصيا في عملية إصلاح الشأن العام، وهو الدور الذي يتناسب طرديا مع حجم الصلاحيات المتاحة للفرد منا من جهة، أو بطبيعة المواصفات النفسية التي يتمتع بها أي منا والتي تؤهله لمواجهة الإحباطات والضغوطات والتجارب السلبية بأنواعها.

أشعر أن الحديث مهم… لذلك… فللحديث بقية!

السابق
في التسوية مجدّداً..
التالي
بين السفيرين أين يقف لبنان؟