السفير: كارثة الأشرفية: الموت يكبر والدولة تصغر

تعددت الأسباب والمسؤوليات والنتائج ولكن الحقيقة القاسية أن كارثة إنسانية ـ اجتماعية وقعت وذهب ضحيتها كوكبة من القاطنين في مبنى قديم في محلة فسوح في الاشرفية، انهار على رؤوس قاطنيه.
إنها كارثة إنسانية ـ اجتماعية، وكل الدولة مسؤولة من رأس الهرم الى المجلس النيابي الى الحكومة الى كل المستويات البلدية والرسمية والأمنية والمحلية المعنية.
نعم لا يمكن أحداً أن يتهرب من تحمل المسؤولية، مسؤولية التقصير، غض النظر، التقاعس، الإهمال، التجاهل.. والعجز عن درء مثل هذه الكارثة، التي لا تتبدى فقط في الحجم المأساوي للضحايا الأبرياء، والتي لم تفرق بين جنسية لبنانية أو سودانية أو مصرية أو فيليبينية، حملت الحاجة أصحابها على البحث عن لقمة العيش في هذا البلد الصغير، فلاقوا حتفهم مجتمعين تحت الركام في ليلة شتوية قاسية.

إنها كارثة إنسانية ـ اجتماعية، كشفت عن فضيحة، لا بل عن فضائح متعددة الأشكال والألوان، ليس أقلها فضيحة ان الدولة مع الأسف، لا تشعر بالمأساة إلا بعد وقوعها، والامثلة لا تعد ولا تحصى في هذا السياق، وليس أقلها ايضا ان بعض تجار البناء أصبحوا، بقوة نفوذهم ومنظومة الفساد والرشوة والتغطية السياسية أو البلدية أو الامنية الرسمية التي يحظون بها، بلا رادع أو وازع برغم كل المحاذير، ولا همّ إن سقط مبنى على رؤوس قاطنيه نتيجة الجشع، وغياب الحد الأدنى من تدابير الأمان في بعض العقارات المشيدة حديثا، كما حصل في الأشرفية… حيث دفع الثمن الفقراء.
الكل شريك، فلا يكفي أن تقدم الدولة 30 مليون ليرة لتعويض عائلة كل ضحية من الضحايا التي زهقت أرواحها، ولا يكفي أن يقوم المسؤولون بزيارات للموقع هي أقل واجباتهم البديهية، ولا يكفي أن تستنفر الدولة بكل أجهزتها، ثم تذهب جهوزيتها والحدث نفسه أدراج النسيان وفي حلقة الدوران في تأليف لجنة من هنا ولجان من هناك.  
ولعل ما حصل في محلة فسوح نموذج لكارثة أو كوارث مماثلة في أبنية مماثلة تتعالى صرخات أهلها في وجه من يعنيهم الأمر في الدولة فيأتي الجواب بتشخيص الداء، وبإطلاق التحذيرات من أن كثيرا من الابنية القديمة والحديثة تقريبا، هي بمثابة قنابل موقوتة آيلة للانفجار، ولكن من دون تقديم العلاج ولا الدواء ولا تحديد كيفية نزع صواعق تلك القنابل العقارية.
إنها كارثة أظهرت مجددا انكشاف الأمن العقاري في لبنان، فانهيار بناية هزّ أركان دولة وجدت صعوبة حتى في مواكبة هذا الانهيار أو التصدي له أو مواجهته، والعورة الكبرى تجلت في فقدان المرجعية الرسمية التي يمكن الركون اليها في حالات من هذا النوع، أو في حالة الكوارث الطبيعية أو غير الطبيعية، والتي تشعر المواطن بشيء من الأمان المفقود، ولعل السؤال هنا أكثر من ملح عن تلك الاتفاقات المعقودة بين لبنان والأمم المتحدة وعدد كبير من المؤسسات الحكومة الدولية والمنظمات غير الحكومية حول إدارة الكوارث.

والسؤال الكبير: أين هي هذه هيئة إدارة الكوارث الموعودة منذ سنوات طويلة ومن يمنع قيامها، وألم يحن الوقت لإخراجها الى حيز الوجود، وألم ير الناس بأم أعينهم امس، ان عمليات رفع أنقاض المبنى وهي تتم بجرافة من هذه الوزارة، وبرافعة من البلدية، وبآليات مستعارة من هذا المتعهد أو ذاك، انها فضيحة موصوفة؟
مع سقوط بناية فسوح ينبغي رفع الصوت قبل سقوط الهيكل على من فيه في لبنان. فكل شيء بات قابلا للسقوط، والكل مسؤول، ولعل هذه الكارثة الجديدة تجلب الدولة، كل الدولة، الى مدار الاهتمام الاستثنائي بمسألة سلامة الابنية والمنشآت، والذهاب فورا الى تطبيق مرسوم السلامة العامة أو تعديله، ورسم خريطة طريق هذه السلامة وتحديد دور وزارات الاشغال والداخلية والثقافة والتنظيم المدني والبلديات ونقابة المهندسين والدفاع المدني وكل من له علاقة بهذا الأمر.
ولعل المسؤولية الكبرى هنا تقع على مجلس النواب في تشريع قوانين السلامة ومراجعتها ومراقبة حسن تطبيقها، وفي وضع حد لتأرجح قانون الايجارات من تمديد الى تمديد، خاصة أن النزاعات الدائمة بين المستأجرين والمالكين تكاد تصل الى مرحلة انتهاء عمر البناء قبل ان تنتهي تلك النزاعات.

ولمواجهة هذه الكارثة ونتائجها، قرر مجلس الوزراء في الجلسة التي عقدها في القصر الجمهوري في بعبدا امس، تكليف الهيئة العليا للاغاثة مساعدة عائلات ضحايا المبنى المنهار والجرحى اللبنانيين وغير اللبنانيين. وتشكيل لجنة لإجراء التحقيق لتبيان الاسباب التي أدت الى انهيار المبنى، وتقديم الاقتراحات اللازمة بشأن وضعية الابنية القديمة التي قد تكون معرضة للانهيار، ودراسة الإجراءات القانونية الواجب اتخاذها بحق المسؤولين عن هذه الحادثة وتقديم الاقتراحات لتزويد الدفاع المدني بالمعدات والآليات والتجهيزات الخاصة لمعالجة انهيارات المباني والهزات الارضية والزلازل، وتكليف البلديات وخاصة بلدية بيروت إجراء كشف فني فوري على الابنية القديمة للتثبت من سلامتها وأهليتها للسكن وكل الاجراءات التي تمنع تكرار مثل هذه الحادثة.
الى ذلك، أعلن الصليب الاحمر اللبناني أنه أحصى انتشال 27 جثة و12 مصابا من الضحايا من تحت الركام ونقلهم جميعا الى مستشفيات الروم، الجعيتاوي، رزق الجامعي، اوتيل ديو، بعبدا الحكومي وبيروت الجامعي، وأحدهم تم إسعافه في المكان لان حالته لم تستدع نقله الى المستشفى 

السابق
اللواء: أهالي فسوح يُلملِمون آلامهم من رُكام المبنى المِنهار
التالي
النهار: مجلس الوزراء كلّف هيئة الإغاثة مساعدة ذوي الضحايا وتوفير مسكن موقت لقاطني المبنيين المنهار والمجاور