لا خطوط حمراء أمام القانون في الضاحية

تشهد الضاحية الجنوبية منذ فترة خطوات متدرجة تصب في خانة تنشيط الحضور الأمني الرسمي وتفعيل نشاط قوى الأمن الداخلي على مختلف المستويات المتصلة بحفظ النظام العام، إضافة الى تزخيم دور الجيش اللبناني في الحالات التي تتطلب تدخلا مباشرا منه. ولعل المشهد الأكثر رمزية في التعبير عن هذا التوجه الآخذ في التنامي عكسته الجولة التي قام بها وزير الداخلية العميد مروان شربل في بعض أحياء الضاحية، في إطار تفقده للعديد من المناطق عشية عيد رأس السنة، يرافقه المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي.

ويبدو أن هناك قرارا متخذا من الجهات الرسمية المختصة، بالتنسيق مع حزب الله، يقضي بتفعيل التدابير الهادفة الى مكافحة كل أنواع المخالفات والجرائم في الضاحية، وملاحقة المخالفين والمرتكبين أيا تكن هوياتهم، على ان يتم تنفيذ هذا القرار بوتيرة تصاعدية يفترض ان تصل الى ذروتها في 15كانون الثاني الجاري، وهو تاريخ انتهاء المهلة التي حددها الوزير شربل لأصحاب الدراجات النارية واللوحات الإعلانية وسيارات الزجاج الداكن (فيميه) كي ينظموا أوضاعهم، بما يتماشى مع القوانين المرعية الإجراء، تحت طائلة قمع أي مخالفة ترتكب بعد هذا التاريخ.

ومن الواضح ان هذا التوجه المشترك لدى السلطة والقوى الفاعلة في الضاحية (حزب الله ـ حركة أمل ـ اتحاد البلديات) لرفع منسوب الإجراءات الامنـية إنما يحـمل رسائل عدة، لا يمكن فصلها عن الخصوصية التي تتسم بها تلك المنطقة. بالنسبة الى الحزب، هو يريد ان يثبت ان لا صحة للمقولة «الموجهة سياسيا» وفـحواها ان الضاحية تحـولت الى ملاذ للفـارين من وجه العـدالة وأنها تشـكل مربعا أمنيـا متـمردا على الدولة، كما ان الحـزب يريد بطبيعة الحال ان يتخفف من أعباء التجـاوزات التي ترتكب في بعض الأزقة والأحياء، لا سيما أن هناك من يحمله المسؤولية عن «الأمن الجنائي» في الضاحية، من دون أن يكون معنيا به. أما السلطة، فهي تريد ان تؤكد لمن يتربص بها من الخصوم في 14 آذار انها تستطيع الوصول الى حيث تشاء، وإن لا صحة للادعاء القائل بأن هناك مناطق ممنوعة على الدولة، وأن حزب الله لا يسمح لها بأن تقوم بواجباتها في نطاق انتشاره ويغطي هذا او ذاك من «المدعومين»، وبالتالي فإن الحواجز المتحركة لقوى الامن في قلب الضاحية وعملية توقيف عصابة خطيرة في أحد أحيائها (تبين انها ليست مشتقة من نسيج المنطقة) إنما أتت لتعزز موقع حكومة الاكثرية الحالية ـ المصنفة من خصومها بأنها حكومة حزب الله ـ في مواجهة الاتهامات الموجهة اليها بمسايرة «الدويلة على حساب الدولة»، وباعتماد معايير أمنية مزدوجة، تميز بين مكان وآخر.

ويؤكد المقربون من حزب الله أن قيادته ترفض ان تكون هناك أي خطوط حمراء أمام تطــبيق القانون في الضاحية التي ينبغي ان ينطبق عليها ما ينطبق على الأماكن الأخرى، في ما خص إجراءات الحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة والسرقة والفوضى ومخالفات السير والبناء، وبالتالي لا استثناءات ولا حصانات من أي نوع، لأي كان، انسجاما مع الحملة التي كان قد أطلقها الحزب بمشاركة شخصية من أمينه العام السيد حسن نصر الله تحت شعار «النظام من الإيمان»، علما ان هناك تعميما داخليا موجها الى العناصر الحزبية يشدد على «وجوب احترام النظام العام وعدم مخالفته».

وبهذا المعنى، يشير المـقربون من الحزب الى ان قراره بتقديم كل التسهيلات الممكـنة الى الأجـهزة الرسمية لتؤدي دورها في صون النــظام العام ليس موقفا جديدا او غريبا، وقد سبق له ان ألح على الجهات المسؤولة، لمرات عدة، ان تمارس واجبها على هذا الصعيد، ولكنها هي التي كانت في السابق تمتنع عن القيام بمهامها.
ولعله يمكن اختصار موقف الحزب بالعبارة التي خاطب بها السيد حسن نصر الله وزير الداخلية مروان شربل، خلال استقباله له قبل مدة غير بعيدة، حيث خاطبه قائلا: أتمنى عليك، يا معالي الوزير، ان تطبق القانون وتبسط الامن في الضاحية الجنوبية قبل غيرها..

ويؤكد شربل لزواره أن من يفترض ان الضاحية خارجة عن القانون هو مخطئ جدا، لافتا الانتباه الى ان 90بالمئة من أبنائها هم «أوادم»، وأي صورة أخرى يجري الترويج لها هي ظالمة. ويشــدد على ان هناك قرارا بـ«ملاحقة الزعران ووضع حد لهم، وما من مظلة فوق رأس أحد»، موضحا ان « قوى الامن لا تجد أي صعوبة في أداء مهامها داخل الضاحية خلافا لما يعتقده البعض، وبالتالي أجزم بأنه ما من قيود على نشاطها العملاني الذي سيشهد المزيد من الفاعلية في المرحلة المقبلة».

ويشير شربل الى ان حزب الله متعاون حتى أقصى الحدود، «ولم يحصل يوما أن أحدا من أعضائه أو قيادييه طلب مني شيئا مخالفا للقانون، وحتى زجاج الـ«فيميه» العائد الى سيارات يستخدمها الحزب، طلبوا ترخيصا رسميا له من وزارة الداخلية، وأنا أقول لكل من يحمل أفكارا مسبقة عن الضاحية: ان هذه المنطقة هي من أكثر البيئات اللبنانية احتضانا للدولة، ولم يسبق لي أن رأيت انتشارا مسلحا فيها، مع الأخذ بالاعتبار ان هناك خصوصية أمنية لقادة المقاومة، من واجبنا مراعاتها وتفهمها».
ويعتبر شربل ان تحصين النظام العام في الضاحية ينطوي على حماية غير مباشرة للمقاومة ولمجتمعها، ومن هنا، فإن «كل أزعر يمكن ان يؤذي او يخدش البيئة الحاضنة لها سيدفع الثمن وسنضع حدا له». 

السابق
رسالة مفتوحة إلى المراقبين العرب
التالي
فلنبسّط الأمور حفاظاً على التفاؤل