فلنبسّط الأمور حفاظاً على التفاؤل

نشعر بالحماسة مطلع هذه السنة لدى رؤية فورة النشاط بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل إعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط بعدما كنّا قد اعتقدنا أنها ماتت قبل وقت طويل. فجدّية الدعوات التي يطلقها الجانبان للعودة فوراً إلى طاولة المفاوضات هي مؤشّر للمكاسب الديبلوماسية التي حقّقها الفلسطينيون على الساحة العالمية. يبدو أن الدعم الذي حصل عليه الفلسطينيون العام الماضي سيؤتى ثماره سنة 2012. ويستطيع الإسرائيليون أيضاً أن يعلنوا النصر بالقول أن الضغوط التي مارسوها على الولايات المتحدة لمعاقبة الفلسطينيين على خطواتهم الأحادية نحو إنشاء دولة مستقلّة، قد حقّقت النتائج المرجوّة لأنها وحّدت الفلسطينيين وأعادتهم إلى طاولة المفاوضات.

ولا شك في أن إدارة أوباما ترغب أيضاً في إضافة هذا الانتصار الأساسي إلى قائمة إنجازاتها في هذه السنة الانتخابية الحاسمة. فاقتراب الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من السلام والأمن سيزيد حظوظ أوباما في الفوز بولاية ثانية، إلى جانب مقتل أسامة بن لادن، وانتهاء المهمة الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، والفضل الذي ستدّعيه الإدارة الأميركية لنفسها في إطاحة الديكتاتوريين العرب.

تقف المنطقة على مشارف حقبة من المحَن والالتباسات لم تعرفها قط في تاريخها.فالبلدان أمام وقائع جديدة. وسوف يحاول الأفراد إيجاد مواقع لهم في عالمهم الجديد. سوف يسعى السياسيون، القدامى والجدد، إلى تحديد ما سيكون عليه دورهم، وما هو الموقع الذي سيشغلونه في المشهد الأكبر. في هذه السنة، سوف ترتسم معالم الدول التي ناضلت بقوة في 2011 للتخلّص من الديكتاتوريين أو الطغاة أو ببساطة من القادة الذين لم يعودوا يمثّلون تلك الشعوب أو لم يعودوا يمثّلونها كما ينبغي.
الواقع في ليبيا مختلف تماماً عنه في مصر أو تونس. فالتحدّيات تتنوع بين بلد وآخر بقدر تنوّع البلدان في ذاتها.سوف يكون على العراق أن يتعلّم كيف يتدبّر أموره بنفسه وسط مراجع إقليمية لا تكنّ له الود في معظمها. وسيكون على الأردن أن يقود ثورة فكرية حقيقية طال انتظارها.
أما البحرين وسوريا فتواجهان مستقبلاً غير واضح المعالم ومفتوحاً على مختلف الاحتمالات، فقد تخرج الأمور أكثر عن السيطرة، أو ربما سقط الزعماء، أو يمكن أن تنشب حرب أهلية شاملة. ويبدو أن العالم قرّر أن يترك الأمور تأخذ مجراها في البلدَين قبل أن يتدخّل، هذا إذا كانت لدى المجتمع الدولي نية للتدخّل.

المغرب والسعودية قنبلتان موقوتتان. قد ينقضي بعض الوقت قبل أن تنفجر أي منهما، ويمكن أن تحافظ الأوضاع على جمودها فترة طويلة إلا إذا قرّر الناس في الداخل أن يتولّوا زمام الأمور بأنفسهم كما فعل إخوانهم وجيرانهم في بلدان عربية وأفريقية أخرى.
أما لبنان، فهو لاعب أساسي لكنه لم يقم بأي خطوة بعد، والسبب أنه ليست لديه قيادة واضحة، كما أنه لا يملك سياسة واضحة يُحدّد من خلالها موقفه من الصحوة العربية. انطلاقاً من التجارب السابقة، لن يكون لديه اطلاقاً صوت موحَّد مؤيّد أو معارِض. من شأن التفكّك والانقسامات المتفشّية في لبنان أن تحول دون انتقال عدوى الانتفاضات العربية إليه. فالمعوّقات الكثيرة التي تعاني منها البلاد قد تكون نقمة ونعمة في الوقت عينه لأنها ستنقذها من السقوط من جديد في براثن حرب أهلية طويلة. وإلا ستكون للنزاع في لبنان عواقب تذهب أبعد بكثير من حدود البلد الصغير.

حفاظاً على التبسيط كي نبقى متفائلين، من شأن التركيز على الجهود التي يبذلها الفلسطينيون والإسرائيليون لإعادة إطلاق المفاوضات ان يبثّ الإيجابية في المنطقة. الوقت مناسب للتوصّل إلى اتفاق سلمي وعادل وشامل وحقيقي على تلك الجبهة. وإذا تكلّلت هذه الجهود بالنجاح، فقد تنعكس أجواءً إيجابية من حولها، بدءاً من سوريا ولبنان والأردن ومصر. والبقية تأتي.  

السابق
لا خطوط حمراء أمام القانون في الضاحية
التالي
الاحتلال يزيل معبر المنطار ليزيد من حصار غزة