نعم… لندع الشباب يقودون ويبدعون

أخذت حملة «إسقاط النظام الطائفي» خلال الأيام الماضية أبعاداً جديدة واستطاعت أخذ مساحة واسعة من الإهتمام في وسائل الإعلام المختلفة المرئية والمسموعة والمكتوبة أكدت في الدرجة الأولى، على أهمية هذه الحملة الشبابية ـ الشعبية وبالتالي على كونها المحاولة الشعبية الأكثر فعالية منذ نشؤ هذا النظام الطائفي، الذي يجد جذوره خلال الاستعمار العثماني وتبلورت قوانينه وأسسه في ظل الانتداب وتكرست مع «دولة الاستقلال» وتطورت خلالها بحيث اصبح وجودها ومصدر قوتها ربط وحتى دمج «النظام بالكيان» وبالتالي جعل القوى المستفيدة من هذا النظام وتعطي أولوية له على بقاء الكيان الوطني ووحدته وسيادته وحريته.
وإذا كان بيان الاستقلال الأول أعطى طابعا انتقالياً  للنظام الطائفي، وتعهد بالانتقال الى دولة المواطنة، فقد اتضح أن هذه الصيغة من التبرير، إنما كانت للتعمية بانتظار ما يجعل من هذا المؤقت دائماً وبالتالي تحولت المعادلة من «الوطن الدائم والنظام المؤقت»، الى تمسك القوى التي ربطت مصالحها بالنظام الى معادلة جديدة وخطيرة هي «النظام دائم والوطن مؤقت». وفي سبيل تكريس المعادلة الثانية عمدت القوى المسيطرةعلى إدارة البلد منذ الاستقلال حتى الآن وتحت مسميات مختلفة الى التمسك بآليات سياسية واقتصادية واجتماعية تضمن استمرارية هذه المعادلة.

وكمثال على هذه الآليات يمكننا الإشارة الى أبرزها… الأول، هو قانون الانتخاب، الذي اعتمد منذ الاستقلال نماذج أكثر تخلفاً وأصبحت منقرضة في كل العالم اي نموذج (اللائحة والأكثرية). الثابت في كل القوانين مع مرونة تحريك الدوائر الانتخابية بما يضمن مصالح القوى الطائفية ويعكس التغييرات الكمية في موازين القوى داخل التركيبة ذاتها…
المثال الثاني، هو ذاك المتعلق بقانون (قوانين) الأحوال الشخصية، الذي يمزق المواطن اللبناني الى 36 نوعاً من المواطنين والحقوق والواجبات. فإذا كان هنالك 18 طائفة (معترف بها) ففي ظل التمييز بين المرأة والرجل في قوانين الأحوال الشخصية، يصبح في لبنان 36 نموذجاً من المواطنين.

إضافة الى هذين المثالين من القوانين، تأتي آليات المحاصصة التي في تزاوجها مع نظام الاقتصاد الحر والتبعية الاقتصادية للنظام النيوليبرالي لتعطي الخلفية الاقتصادية ـ الاجتماعية لهذا النظام.
وإذا كانت هذه الآليات تحقق إعادة إنتاج النظام نفسه وتكريس مبدأ التوريث بكل أشكاله والفساد بأسوأ أبعاده فإن آليات النظام على المستوى السياسي والأمني هي الأخطر.
إن «المحاصصة» بمضمونها السياسي والاقتصادي، لم تقتصر على الإدارة والوظيفة والمال العام، بل هي طالت القضايا الوطنية الكبرى خصوصاً في مرحلة ما بعد الطائف، طالت المقاومة والسيادة والعروبة والاقتصاد، وكونها طالت القضايا الكبرى كان طبيعياً، أن تكون للبنان «سياسات خارجية» وليس سياسة واحدة وان تمارس «الطوائف» سياساتها وعلاقاتها الخاصة بما في ذلك وبمراحل متعددة إعطاء الحق بالصلة مع العدو وتبرير هذه الصلة تحت عبارة مصلحة الطوائف وكذلك اعتبار الحلول الخارجية هي الأساس لمشاكل البلد بحيث لم يأت أي حل للمشكلات الأمنية والحروب الأهلية التي ولدها النظام الطائفي إلاّ تحت عباءة الدول الخارجية وفي ظل توازنات دولية، اقليمية… وليست فضائح «ويكليكس» الأخيرة هي الشكل الوحيد ولا الأول للاستقواء بالخارج على الوطن والشعب من قبل اطراف هذا النظام…

الأخطر في هذا الموضوع، أن القوى الأخرى تستقوي بهذه الفضائح ليس للإطاحة بالممارسات غير الوطنية ومرتكبيها باسلوب سياسي وقضائي، بل لإعادة تجديد النظام بموازين قوى مختلفة مكررين اختيارهم أولوية انقاذ النظام على الأولويات الوطنية الأخرى.

واليوم بعد سلسلة التحركات الشبابية وخصوصاً بعد 20 آذار، ماهي آفاق هذا التحرك وتحدياته؟
أولى هذه الملاحظات تنطلق من طبيعة هذا التحرك والظروف التي جاء فيها. فهو أولاً جاء في ظروف الحراك الجماهيري العربي وثانياً في ظل ازدياد درجة العفونة في النظام السياسي وبدء ظواهر الشيخوخة في قدرته على تجديد ذاته وما دراما تشكيل الحكومات إلاّ نموذج من هذه الظواهر، ولذلك فالاستنتاج الأول أن هذا التحرك يملك قدراً مهماً من امكانيات النجاح لم يتوافر للمحاولات السابقة.
ثاني هذه الملاحظات هو دعوتنا لعدم تحميل قيادة التحرك وشعاراته اكثر من مسؤوليتها. بعض المثقفين والاعلاميين والسياسيين، يحاكمون التحرك محاكمتهم لتاريخ المواجهة مع النظام الطائفي وبالتالي تحميلهم مسؤولية غياب حالة سياسية جبهوية للقوى العلمانية والديموقراطية تبلور الشعارات وتضع لها أولويات سياسية. إن مسؤولية غياب مثل هذه الجبهة لا تقع على قيادة الحراك الشبابية، بل على القوى العلمانية والديموقراطية (ونحن منها) التي وبعد انهيار الحركة الوطنية واغتيال مؤسسها (دون انتفاء اهمية مشروعها)، لم تستطع لأسباب موضوعية وذاتية إقامة اي شكل من أشكال الجبهة ولم تستطع تجديد المشروع الوطني الديموقراطي…

ثالث هذه الملاحظات، هو إشارة البعض للتنوع في شعارات التحرك وتعدد المجموعات المنظمة له كأنه سلبية… من دون شك هنالك جانب سلبي ولكن الأساس الى أن غياب «القوة الحاسمة» في هذا التحرك، هو احدى إيجابياته، لأن الحراك في الشارع هو الأقدر في التجارب السابقة والراهنة على بلورة هذه «القوة الحاسمة» والتي لا بد أن تتمتع بقدر كبير من التنوع والفعالية والقدرة على تحديد الخروقات المطلوبة في جدار هذا النظام من اجل اسقاطه.
رابع هذه الملاحظات هو اننا نوافق على ان هذا الحراك قد وصل بعد 20 آذار الى مفترق يجب ان لا تتأخر القوى المنظمة عن التدقيق في نمط التحرك وطبيعة الشعارات المقبلة، فالتحرك يتعرض لعدة مخاطر أهمها ان قوى النظام، بدأت تتنبه لجدية هذا الحراك وآفاقه في الظروف الاقليمية والداخلية الراهنة وبالتالي سيتعرض لضغط مزدوج في الشكل وواحد في المضمون، فالبعض سيحاول استثارة الغرائز الطائفية والمذهبية لمحاصرته والبعض الآخر سيحاول احتواءه وإغراقه بمجموعة واسعة من الشعارات تضعه في مجال بعيد عن مضمون الحراك السياسي اي اسقاط النظام الطائفي كخطوة لا بد منها لبناء الوطن الديموقراطي.

أما أخطر الملاحظات وآخرها (مؤقتاً)، هو عدم الدفع بهذا التحرك باتجاه جعله قادراً، مضموناً وشكلاً، على إحداث اختراق حقيقي يؤسس لإسقاط النظام والغرق بسلسلة من النقاشات الفكرية حول مضامين، كتلك التي تجري حول العلمنة والدولة المدنية وغيرها من الشعارات فالأولوية التي ذكرناها في تثبيت وتجديد النظام كانت القانون المشوه للانتخابات وقانون الأحوال الشخصية المانع لتكوين مفهوم واحد للمواطنية وإضافة لهما قضايا التربية والاعلام و… وهذه جميعاً تؤدي الى السياسة الوطنية المطلوبة. ولأن أولوية التثبيت كانت هذه الآليات وبشكل خاص قانون الانتخاب والأحوال الشخصية فهل تستطيع قيادة الحراك وضع الشعارات والآليات وأشكال التحرك التي تركز على هاتين الآليتين كمدخلين قابلين للتحقيق في الظروف الحالية لوطننا؟
وفي النهاية نعم هو بوضوح شعار «اسقاط النظام الطائفي». فلندع الشباب وقيادة التحرك يبدعون.

السابق
تنظيم قطاع الزيتون بعد فضيحة “الجفت”
التالي
“الرعاية” تطلق مناهج التأخر العقلي