أميركا مثقلة بعبء «الثأر» لجنودها.. هل تغرق في «بحر الحرب» مع إيران؟!

لن يكون إيقاع "المشاغلة" بين طهران وواشنطن في المنطقة، بعد إراقة دماء جنود إميركيين ب"توقيع إيراني"، كما قبله، كونه رفع مستوى التحدي العسكري، وأدخل "بلاد العم سام"، في مرحلة جدية ومحرجة، تستوجب رداً ثأرياُ مباشراً، يخفف من وقع فشلها وتخبطها في إدارة الحرب في غزة، تحت سقف عدم الإنغماس بالحرب مع إيران، أو نسف التفاهمات "الواعدة" معها او مع السعودية.

ربما تفاجأ الكثيرون باعلان المقاومة الاسلامية، عن عدد العمليات العسكرية التي قامت بها الفصائل العراقية، ضد القواعد الاميركية في العراق وسوريا، خلال الاشهر الثلاثة الماضية.

البيان الذي صدر اثر العملية، التي استهدفت قاعدة اميركية في المثلث الاردني-العراقي-السوري امس (الاحد)، كان يمهد لاعلان المقاومة نفسها، مسؤوليتها عن العملية التي تمت عبر طائرة مسيرة، أدت الى مقتل ثلاثة جنود اميركيين وجرح ٣٤ جنديا، بحسب البنتاغون.

ثمة دماء اميركية على الارض، ما يجعل التحدي مختلفا عما سبق، ويفرض على الادارة الاميركية فعلاً انتقامياً

منشأ المفاجأة، ان كل هذه العمليات في حال صحّ عددها، لم تظهر ردّ فعل اميركي يتناسب مع حجم التعرض والتهديد لقواعدها، وان قامت واشنطن بقتل احد مسؤولي الفصائل في العراق قبل نحو شهر، لكن ما يمكن استنتاجه، ان “المشاغلة” التي قامت بها الفصائل العراقية ضد القواعد الاميركية، لم تصل الى الحد الذي يثير استفزاز الاميركيين واحراجهم، الى حد القيام برد فعل قوي، بسبب عدم سقوط قتلى اميركيين، لكن حدث الامس يختلف تماما، ثمة دماء اميركية على الارض، ما يجعل التحدي مختلفا عما سبق، ويفرض على الادارة الاميركية فعلاً انتقامياً، سعيا لترميم قدرة الردع، التي انتهكت في المواجهة مع الحوثيين في اليمن.

لا يمكن للأميركيين ولا للمراقبين، فصل عملية قتل الأميركيين عن قرار ايراني، دفع نحو نقل المواجهة من مرحلة مشاغلة الفصائل العراقية، الى مستوى التحدي الايراني المباشر لواشنطن، وهذا الانتقال نحو حافة الهاوية، لا يمكن ان يكون نتاج عمل فردي من فصيل عراقي، بل هو نتاج قرار ايراني صادر عن المرشد علي خامنئي نفسه، فالانتقال الى هذه المرحلة الخطيرة، تتطلب قرارا من اعلى المستويات القيادية، لأنها قد تستدرج حربا بين واشنطن وطهران، تأتي كردّ محتمل، بسبب هكذا استهداف صريح للوجود العسكري الاميركي.
لذا، السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا اتخذت ايران هذا القرار، وما الغاية التي تسعى الى تحقيقه، من عملية تستفز واشنطن وتحرج ادارة جو بايدن في مرحلة دقيقة وحساسة داخلياً، وعلى مستوى سياسة اميركا الشرق اوسطية؟

طهران التي راهنت على عقد تفاهمات مع بايدن، تستكمل حلقات الاتفاق مع ادارة باراك اوباما، بعد انقطاع سببته ادارة الجمهوريين مع رئاسة دونالد ترامب، تتحسس مخاطر وصول ترامب مجددا الى الرئاسة، بل تبدو شبه متيقنة ان بايدن لن يكون رئيسا لولاية ثانية، وهذا بحد ذاته يعني تقويض كل ما انجز من تفاهمات، بين الديمقراطيين والقيادة الايرانية، ولكل ما كانت ايران تستعجل انجازه قبل ٧ اكتوبر.

القيادة الايرانية تدرك ان وصول ترامب الى الرئاسة، سيعني في الحد الادنى مرحلة انتظار جديدة، لم تعد ايران قادرة على تحمل اعبائها

القيادة الايرانية تدرك ان وصول ترامب الى الرئاسة، سيعني في الحد الادنى مرحلة انتظار جديدة، لم تعد ايران قادرة على تحمل اعبائها، فسياسة رمي ازماتها الداخلية نحو الخارج استنفدت، في ظل الاتفاقات التي تنسجها مع دول عربية وعلى راسها السعودية، وحجم التحديات الداخلية بات يفترض توفير استقرار يساهم في بناء تفاهمات واتفاقيات مع الخارج، يعيد الاعتبار لمعالجة الازمات الداخلية الاقتصادية والسياسية في مرحلة انتقالية، على مستوى السلطة بعد خامنئي.

كانت ايران تسعى من خلال المفاوضات غير المباشرة مع ادارة بايدن، وقبل “طوفان الأقصى”، الى تثبيت جملة اتفاقات مع وشنطن، يمكن ان تحققها في ظل الادارة الديمقراطية، منها ما هو متصل بتشريع نفوذها في المنطقة اميركياً، ومنها ما يتصل برفع العقوبات عنها، وانجاز ما تبقى من بنود الملف النووي.

كل ذلك اصبح اليوم في مهب “طوفان الاقصى”، والمهلة المتبقية امام اي تفاهمات، لا تتجاوز الاشهر القليلة حتى منتصف الصيف المقبل، لذا فان خطوة التحدي الايراني لبايدن، غايتها المزيد من دفع الادارة الاميركية لتسريع التفاهمات، وعدم الرضوخ الكامل لحكومة بنيامين نتنياهو.

اذا كانت هذه اسباب التصعيد الايراني، فكيف ستتعامل واشنطن مع هذا التحدي؟

واشنطن ستقوم بعملية عسكرية، تتعدد احتمالاتها ومستوياتها، من الضربة داخل ايران، الى عمليات اغتيال لقيادات نافذة ومهمة عراقية

لاشك ان ادارة بايدن في وضع حرج داخلياً بسبب الانتخابات الرئاسية، وقلقة من الحرب الاقليمية التي عملت على لجمها منذ “طوفان الأقصى”، وهي ايضا ملزمة برد على الضربة التي تلقاها جيشها، تقنع الجمهور الاميركي بعدم تآكل قدرته على الردع، وفي الوقت نفسه فان ادارة بايدن ليست في وارد الذهاب الى حرب مع ايران، لذا فان واشنطن ستقوم بعملية عسكرية، تتعدد احتمالاتها ومستوياتها، من الضربة داخل ايران، الى عمليات اغتيال لقيادات نافذة ومهمة عراقية، او سواها غير العراقية، فضلا عن ذلك القيام بموجة ردود، تطال مختلف مناطق النفوذ الايراني، في سوريا والعراق واليمن وربما ايران، لكن سيلي هذه الضربة رسائل الى ايران من قبل بايدن، بأن قنوات الحوار والتواصل ليست مغلقة وجاهزة لاعادة تنشيطها.

بايدن لا يريد تقويض ما انجز اقليميا مع الايرانيين

عدم رغبة واشنطن بالقطيعة مع ايران، ناشئة عن حجم الملفات المشتركة بينهما في المنطقة، وعلى رغم كل المناوشات الجارية، فان بايدن لا يريد تقويض ما انجز اقليميا مع الايرانيين، في اكثر من ملف وعلى رأسها العراق، لكن ذلك لن يحول دون خوض واشنطن مواجهة مع الحلقة الأضعف للنفوذ الايراني، اي سوريا، فقيام واشنطن بعمليات تستهدف النفوذ الايراني غير المستفز لروسيا، او الذي يدغدغ مصالحها، بعدما تقدمت ايران في هذا البلد، اثر انغماس موسكو في الحرب الاوكرانية، وتؤدي هذه المناورات كذلك الى جعل القيادة الأسدية تقدم ما يناسب واشنطن على هذا الصعيد طالما انها لن تدفع من رصيدها، بل من رصيد ايران، مع ضمان الحماية الروسية والغطاء الاميركي، فضلا عن الاسرائيلي.. وسواه.

السابق
بالصورة: فاجعة تهزّ الاغتراب اللبناني.. حادث مروع يقتل مهدي وبلال!
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الثلثاء في 30 كانون الثاني 2024