العنف ضد المرأة..عنف ضد الوطن!

حقوق المرأة

مثلت المرأة بحدّ ذاتها، مفارقة طرحت الكثير من المسائل الاستفهامية، التي تجاوزت الناحية الاجتماعية من الحياة، لتنسحب على النواحي كافة، الاقتصادية والتربوية و أيضاً السياسية.

وتأتي هذه المفارقة، لتترجم إزدواجية متمثلة، في دونية تمّ “صبغ” المرأة بها، والحكم عليها من خلالها من جهة، ومن جهة أخرى في قوة، شكّلت مفصلاً أساسياً من شخصيتها. لقد سعت المرأة جاهدةً إلى كسر صورتها النمطية، التي تجلّت في النقص و الدونية و الضعف، وما إلى هنالك من قيم تبدو سلبية، سيما في المجتمعات النامية، ومنها اللبناني.

إقرأ ايضاً: «قَتَلَةُ زَهرةِ القَمَر»..وقائع إِبادَة الهنود الحُمر «الأوساج» وولادةِ مكتب التحقيقات الفِدرالي

وكان من الطبيعي، أن تؤدي انتفاضة المرأة ضد واقعها، إلى استهدافها من قبل المجتمعات الذكورية، والأنظمة الدين-سياسية الاستبدادية، التي تعمد إلى إسقاط ضعفها عليها. بمعنى آخر، في كل مرة تسعى المرأة، إلى الإنطلاقة في حياة حرة، وتخطو خطوتها الأولى نحوها، يستيقظ مجتمعها من كبوته، ليمارس ضدها ما استطاع من تعنيف وقتل وابتزاز، وكل ما من شأنه أن يعيدها إلى خانة البداية.

و يسهم تناول التعنيف، الذي تنتهجه الأنظمة الاستبدادية تجاه المرأة، من زاوية تحليلية في ملاحظة القلق، من عقدة الخصاء الذي يشكّل بدوره، نواة أساسية للسلوك العدواني المُمارَس.

شكّلت انتفاضة المرأة الإيرانية نموذجاً مثالياً عن خوف النظام من تحرّر المرأة لأنه يوقظ لديه الشعور بالعجز


لقد شكّلت انتفاضة المرأة الإيرانية، نموذجاً مثالياً عن خوف النظام، من تحرّر المرأة لأنه يوقظ لديه الشعور بالعجز. ويتجلّى ذلك في لجوء السلطة إلى التعنيف، في كلّ مرة تمتلئ الساحات فيها، بالنساء الساعيات إلى الحرية.
ولقد ترجم موت مهسى أميني و أرميتا غراوند، وغيرهما من الشابات اللواتي قضَين بالتعذيب أو الرصاص، أو فقدن إحدى عينيهنّ، أو تم ضربهنّ وسحلهنّ، من قبل ما يسمى بشرطة الأخلاق أو الحجاب …. دليلاً على الخوف من انتفاضة، لم تهدّد هوية النظام الذكورية فقط، وإنما أيضاً السياسية. وتجدر الإشارة، إلى أنه لا يمكن الفصل بين ذكورية النظام و سياسته الاستبدادية!..

وإذا ما قاربنا أكثر، ممارسة النظام الدين-سياسي الذكوري، تجاه المرأة من منظور تحليلي، لوجدنا أن شرطة الحجاب تعدّ ضمانة لتماسكه. كما تؤدي دورها كأوالية دفاعية، يتم استخدامها من قبل النظام، في سبيل حماية نفسه من قلق الشعور بالخصاء. ولقد عكست ملاحقة النساء اللواتي خلعن الحجاب، دليلاً على خوف النظام من تحرر المرأة، باعتباره يغذّي شعوره بالعجز، الذي يعكس بدوره القلق من عقدة الخصاء.
وأما بالنسبة إلى واقع المرأة اللبنانية، فمن الملاحظ أنه بالرغم من تشريع القوانين المنصفة للمرأة، والتي “يفترض” أن تحميها من التعنيف، إلا أنها مازالت عاجزة، إلى حدّ كبير، عن بلوغ غايتها. و ما استمرار قتل النساء، إلا دليلاً على الاستخفاف والتساهل في تطبيقها.

المرأة ما زالت حتى يومنا تمثل في صورتها النمطية “مستودعاً” يُلقي فيه مجتمعها كل ما يرفض في نفسه من شعور بضعف و دونية و اضطهاد ….


و يعود السبب، إلى أن المرأة ما زالت حتى يومنا، تمثل في صورتها النمطية، “مستودعاً” يُلقي فيه مجتمعها كل ما يرفض في نفسه، من شعور بضعف و دونية و اضطهاد ….


بتعبير أدق، لم يكن العنف الممارَس ضد المرأة، إلا نتاجاً لاسقاط المجتمع لضعفه عليها. فبادر إلى استضعافها، والنيل منها، ليحمي أولاً ذكورية هويته، وثانياً استبدادية نظامه السياسي .

لذلك سعى هذا المجتمع الذكوري، إلى تحطيمها عبر ترسيخه لنظام قيم، أو ثقافة “جيّرت” القوة لصالح الرجل، قبل أن تستخدمها سلاحاً في وجه المرأة الساعية إلى حريتها. ومما لا شك فيه أن كل مجتمع ذكوري، لا يمكن أن يزاوج نظاماً سياسياً ديمقراطياً، بل استبدادياً. وكيف إذا كان هذا النظام ذات نكهة دينية؟!
أخيراً، في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، لا يسعنا سوى القول أن العنف ضد المرأة، ما هو إلا عنفاً ضد للوطن.

وإلى متى، سيبقى النيل من حياة المرأة سهل المنال؟!

السابق
بعد الترنح الامني والعسكري والسياسي..3 هزات ارضية خفيفة تضرب لبنان!
التالي
إنجاز المرحلة الثانية من تبادل الأسرى بين «حماس» وإسرائيل