«طوفان» من الأسئلة.. بعد مفاجأة «طوفان الأقصى»!

ياسين شبلي

بعيداً عن المبالغات البلاغية والحماسية، وبعيداً عن الخلافات والحرتقات السياسية بين أطراف الصراع في المنطقة، تُعتبر عملية “طوفان الأقصى” عملية نوعية جريئة وإحترافية، ستترك آثارها على الخريطة السياسية والميدانية في المنطقة، وستُحسب لحماس في سجل الأعمال البطولية، بغض النظر عن الخلاف السياسي، الذي يبقى هو الفرع، والذي يجب أن لا يصل حد الخلاف على الجذور الوطنية والقومية للصراع، مع العدو الصهيوني . ما يميز عملية “طوفان الأقصى” أولاً، أنها بالمعنى الميداني هي أول حرب عسكرية “هجومية” فلسطينية صرفة،  تحاكي حروب الجيوش الحديثة لا حرب العصابات، وهي بهذا المعنى تُعتبر فتح جديد وتطور بالغ الأهمية، سيكون له ما بعده بالتأكيد، في تطورات الصراع في فلسطين بعد إنكفاء الطرف العربي عن خوض الحرب مع إسرائيل، بحيث كانت حرب أكتوبر 1973 قبل 50 عاماً هي فعلاً آخر الحروب العربية معها كما كان أعلن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات ، وكان توقيت عملية الأمس في ذكراها، ذو مغزىً كبير وبمثابة ضربة معلم. 

هل سينحصر رد اسرائيل في غزة وغلافها أم قد تهرب حكومة نتنياهو إلى الأمام وتعلنها حرب شاملة على حماس في الداخل والخارج؟

في المعنى السياسي، سيكون لها بلا شك تداعياتها، بدايةً على طرفي السلطة في إسرائيل وفلسطين ، وهو ما بدأت تباشيره مع إعلان زعيم المعارضة الإسرائيلية، إستعداده للدخول في حكومة وحدة وطنية لإدارة “المعركة الطويلة”، وهو ما سيترك أثره على حكومة اليمين المتطرف، التي لن يكون بإستطاعتها مواجهة تداعيات هذه الحرب وحدها، داخل المجتمع الصهيوني في ظل الخسائر الثقيلة التي منيت بها، سواء على المستوى البشري أو المعنوي أو الأمني والإستخباراتي، مقابل النجاح الذي حققته حماس في هذا المجال  والذي سيكون له أيضاً إرتداداته في الداخل الفلسطيني، خاصةً على السلطة الفلسطينية، التي تُراكم الفشل للأسف داخلياً وخارجياً، بعد أن وضعت بيضها كله في سلة أوسلو، وباتت أسيرة إتفاق ميت، بحيث تبدو وكأنها آخر من يعلم بما يدور على أرضها، ولا حول لها ولا قوة لها، إلا تصريحات نارية ومواقف، لا شك صلبة من الرئيس محمود عباس ، لكنها لا تُسمن ولا تغني من جوع. 

تساؤلات عن السقف الذي وضعته حماس لهذه المعركة لأن المعارك العسكرية عادة تكون وسيلة لتحقيق هدف سياسي ما أو مكسب ميداني على طريق التحرير

على المستوى الإستراتيجي – وهنا بيت القصيد – قد يكون من المبكر الحديث عن تأثيرات هذه المعركة، ولكن هذا لا يمنع التساؤل عن الأفق أو السقف الذي وضعته حماس لهذه المعركة، لأن المعارك العسكرية عادة تكون وسيلة لتحقيق هدف سياسي ما، أو مكسب ميداني على طريق التحرير الذي هو الهدف الأكبر، لكن ظروفه الموضوعية غير متوافرة حتى الآن على الأقل، فهل تهدف حماس مثلاً إلى وقف الإعتداءات على الأقصى فقط، أو التخفيف من معاناة الأسرى في ظل سلطة مجرمة يمثلها بن غفير، أو تسعى لكسر الحصار المفروض منذ سنوات طويلة على القطاع، أم أن الأمر لا يعدو كونه معركة في سلسلة معارك محور الممانعة، لتحريك بعض القضايا العالقة في الإقليم – وهذا ما أستبعده شخصياً ولا أتمناه طبعاً – وهو منطق له من يتبناه، ويُسقطه على كل معركة من منطلق معارضته لمحور الممانعة ، كما هناك من يؤيده ويؤمن به من منطلق ما أطلق عليه “وحدة الساحات”؟

 هذه التساؤلات مشروعة ومطلوبة، بعد التجارب المريرة التي مرت بها القضية على مدى 75 عاماً، والتي عاشها الشعب الفلسطيني ومعه شعوب المنطقة، التي عانت الأمرين – الديكتاتورية والفساد – بإسم فلسطين والقضية، وهي منها براء. على مستوى الرد الإسرائيلي، هناك أيضاً تساؤلات عن المدى، الذي يمكن لإسرائيل الوصول إليه في ردها، في ظل متغير غير مسبوق على الأرض، وهو وقوع عشرات الإسرائيليين من ضباط و”مدنيين” أسرى، في يد حماس وقوى المقاومة الفلسطينية، وهو ما قد يمثِّل ضغطاً معنوياً وإجتماعياً قاسياً على حكومتها، ربما لوقف التصعيد ، فهل ستكتفي بالرد التقليدي العدمي والعبثي القائم على التدمير والقتل العشوائي، عبر القصف بالطيران والصواريخ والمدفعية عن بُعد، أم ستلجأ للحرب البرية ولو المحدودة، لمحاولة إستعادة هيبة جيشها وقوة ردعه، التي تمرغت في تراب غلاف غزة، أم ستلجأ إلى سلاح الاغتيالات – إن إستطاعت – خاصة ضد قائد كتائب القسام محمد ضيف، وهل سينحصر ردها في غزة وغلافها، أم قد تهرب حكومة نتنياهو إلى الأمام، وتعلنها حرب شاملة على حماس في الداخل والخارج، وهو ما قد يجر المنطقة إلى آتون حرب طاحنة ومدمرة، وتكون بذلك أعطت الشرعية ل “وحدة الساحات”، التي ينادي بها خصومها؟ 

إقرأ أيضاً: «أمر عمليات» إيراني من غزة إلى مزارع شبعا..وتَرقّب لبناني لتطورات المنطقة!

كل ذلك يتوقف على موقف الولايات المتحدة الأميركية، التي إتخذت كالعادة موقف الداعم لها منذ اللحظات الأولى، بشكل ذكَّر العالم بكلام نيكسون إبان حرب 1973، عندما أمر بإرسال كل شيء يطير إلى إسرائيل، حيث أكد وزير الدفاع الأميركي إستعداد واشنطن لتزويد إسرائيل، بكل ما تحتاجه لحماية أمنها ومواطنيها، كما أكد بايدن إلتزامه بأمن إسرائيل، وإتخذ موقفاً حازماً من التطورات، بما يشبه إعطاء الضوء الأخضر لنتنياهو لشن الحرب، ولكن السؤال هل هناك من مهلة محددة لهذه العملية ، أم أنها مفتوحة وهو ما قد يُعقِّد الأمور أكثر في المنطقة وهو ما قد لا تريده إدارة بايدن الآن في ظل تركيزها على الحرب في أوكرانيا وما تسببه من تعقيدات داخلية له، وكذلك في ظل الحديث عن قرب التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟ وهذا يجرنا للتساؤل أيضاً، عن موقف محور الممانعة بقيادة إيران من هذه التطورات، هل سيطبِّق نظرية وحدة الساحات عملياً، أم أنه سيكتفي بالدعم المعنوي والإعلامي لحماس، في ظل التهدئة التي فرضها إتفاق بكين من جهة، والترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل من جهة أخرى، وهل تكون عملية “طوفان الأقصى”، بروفا موضعية مقصودة للمواجهة المقبلة، وتحذير لإسرائيل مما يمكن أن تواجهه، في حال وُضعت نظرية وحدة الساحات موضع التنفيذ؟ 

تساؤلات عن موقف محور الممانعة بقيادة إيران من هذه التطورات هل سيطبِّق نظرية وحدة الساحات عملياً أم أنه سيكتفي بالدعم المعنوي والإعلامي لحماس؟

في إنتظار ما ستؤول إليه التطورات، التي قد تجيب عن بعض هذه التساؤلات، يبقى أن نقول بأن المعركة العسكرية الناجحة، كان يجب أن تترافق مع معركة إعلامية موازية في الاحترافية، بحيث تبتعد عن الإستعراض الرخيص، وتؤكد للعالم بأن المقاومة الفلسطينية، وإن كانت هذه المرة في موقع الهجوم، إلا أنها في الحقيقة هي في موقع الدفاع عن شعبها وأرضها ومقدساتها، التي تنتهك كل يوم خاصة في الأيام الأخيرة، التي ترافقت مع الإعتداء على المسلمين والمسيحيين، وتحقير معتقداتهم ورموزهم الدينية، من قِبل عصابات المستوطنين ورجال إيتمار بن غفير، مع الحرص على عدم تصوير الأسرى من غير العسكريين، لما لهذا الأمر من حساسية لدى الرأي العام الغربي، والذي قد تستغله إسرائيل – وهي البارعة في هذا المجال – ضد الفلسطينيين.نقول هذا، مع علمنا بأن هذا العالم لا يعترف للأسف إلا بقانون القوة، وبأن القانون الإنساني غير المدعوم بقوة تحميه، لا يساوي شيء عملياً، ولكنها لعبة الإعلام وعلينا أن نلعبها ونتقنها، كما اللعبة العسكرية والأمنية التي أحسن إتقانها وأبدع فيها “شعب الجبارين”، فكانت عملية “طوفان الأقصى” مفاجأة للقاصي والداني، ستُسجَّل بحروف من نور في سجل البطولات النوعية و الإحترافية العسكرية المتميزة، وسيكون حتماً هناك تقويم جديد في فلسطين، لأن ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله بكل المقاييس، وهو ما يعترف به قادة الرأي في إسرائيل عندما يتساءلون ماذا بعد اليوم؟      

السابق
«طوفان الأقصى» يَتمدد الى الإسكندرية..شرطي مصري يقتل سائحين اسرائيليين ودليلهم!
التالي
حصيلة «طوفان الأقصى»..600 قتيل إسرائيلي و2048 جريحاً!