عيد الاب برفقة ابنتك وابنك وفي غياب الاب

غسان صليبي

أن تنعم برفقة افراد عائلتك
زوجتك وابنتك وابنك،
في رحلة سفر
وقبيل عيد الاب وخلاله،
فهي أجمل هدية
يمكنك أن تحلم بها
في العيد.

لا هدية
لا معايدة كلامية
لا تمنيات
بل رفقة اب
لولديه.

ليس سهلا
آن تتواعد
مع اولادك،
عندما يصبحون
شبابا،
ربما لأنهم
منشغلون دائما
بمشاريعهم الخاصة،
او ربما لأنهم
باتوا يفضّلون حبك
من بعيد
حفاظا
على استقلاليتهم.

وفي اوقات كثيرة
تكون انت المتقاعس،
لانشغالك الدائم
بالعام على حساب الخاص.

وإذا كنت محظوظا
وترافقت معهم بالصدفة
او لسبب وجيه
من مثل تخرج ابنك
في بلد اجنبي،
فلن تكون الرفقة
بهذه البساطة،
فستحمل معها
حساسيات قديمة
في علاقات الابوة والامومة،
وستلازمك على الدوام
صعوبة الاتفاق
على التوقيت
وعلى أولويات الانشطة
بين الاجيال،
ولن يخلو الامر
من بعض الانزعاجات
لا بل التوترات.

رغم ذلك
ستستمتع بالرفقة
وبالعناق المتواصل
وبالحوارات،
وبإكتشاف
ما لم تكتشفه بعد
في شخصية
ابنك وابنتك،
وبالشعور
بحرص
كل فرد من افراد العائلة
على سلامة وسعادة الجميع
لا سيما في الغربة،
وستتبادلون الامنيات
بضرورة تكرار التجربة الجميلة.

لكنك ستأسف
لأنك لم تحظَ بفرصة مماثلة
لمرافقة ابيك،
فقد كنت مستعجلا
لتحقيق أمانيه
في الزواج والعمل،
ولم تدرك أن أولى هذه الاماني
التي لم يفصح عنها،
هي أن تترافقا
قبل أن تصبح الرفقة
صعبة او مستحيلة،
بسبب الشيخوخة او الموت.

ابي كان يحب السفر
وانا كنت في سفر دائم
بدواعي العمل،
واذكر جيدا انه قبل وفاته
بسنوات قليلة،
كنت أكرر له
رغبتي بالسفر معه
لوحدنا،
وكان متجاوبا،
لكن تدهور صحته
مع فترات تعافٍ قصيرة،
لم يسمح لنا بتحقيق الحلم.

اما رفقتنا
على أرض الوطن
فكانت تحصل باستمرار
حتى سن المراهقة،
اما للسباحة في البحر
وإما في نزهة الى الجبل
وإما لحضور فيلم سينما.

من ثم انكفأت رفقتنا
بعد عمر العشرين،
لتقتصر على لقاءات سريعة
كل يوم أحد على الغداء
او عندما كنت ازوره في مكتبه،
فيطمئن كل واحد منا
على صحة الآخر،
ولا ينسى ابي أن يسألني
“عم تطلّع مصروفك؟”،
رغم علمه أن معاشي جيّد
ويكفي لإعالة عائلتي.

لم استغرب ولا مرة
سؤاله المتكرر
حول مدخولي،
فمهما مر الزمن
ورغم تبوئي مسؤوليات
اقليمية ودولية،
كنت لا ازال هذا الصبي
الذي يريد ابي الاطمئنان
على وضعه المادي.

في احدى المرات
وقبل سنوات قليلة من وفاته،
كان جالسا على كرسيه
فيما انا أقف امامه
فسألني:
” قديش صار عمرك يا صبي”؟،
اجبته “اقتربت من الستين”،
لم يصدّق فصرخ:
“أشو؟ ليش انا قديش عمري؟”،
انتقصتُ من عمره بضع سنوات
وقلت له: ” ٨٥ سنة”.

كان ابي محبا
كريما ومعطاء
وغير متسلط،
لكنه لم يكن يحب
النقاش والحوارات
وخاصة حول قرارات
كان يريد اتخاذها،
وكأنه كان يرى في ذلك
تدخلا في شؤونه الخاصة،
هو الحريص
على حرية واستقلالية
الآخرين.

نعم كان بودي
أن اتحاور اكثر مع ابي،
بهدف التعرف اكثر على شخصيته
وعلى افكاره،
التي كان يعبّر عنها
بالموقف وبالسلوك
وليس بالكلام.

أشعر بهذه الحاجة أيضا
مع اولادي،
فإنا احبهم أن يقرإوا نصوصي
شبه اليومية،
لنتناقش في مضمونها،
وهذا ما لا يحصل
الا نادرا،
اما لإنشغالاتهم
او لأنهم يجدون صعوبة
في قراءة النصوص الطويلة
خاصة إذا كانت بالعربية،
فما اكتسبوه
على مستوى الحرية
والفكر العلماني،
في مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية،
خسروه على مستوى اتقان اللغة العربية
لصالح الفرنسية والإنجليزية.

الحوار صعب في الأساس
بين الأهل والابناء،
فهو يتطلب مساواة
بين الطرفين
وتخلٍ عن الافكار المسبقة،
في حين أن الاهل
يشعرون عادة بأن موقعهم وتجربتهم
تسمح لهم بالنصح وب”الوعظ”،
بينما يشعر الأبناء
أن آراء أهلهم
تجاوزها الزمن،
وتحمل معها
ملامح الفرض.

ناهيك عن عقدتي
اوديب وإلكترا
اللتين يشوشان
عل النقاش الموضوعي.

في رحلة السفر
التي انتهت مع عيد الاب،
لم يدعني ابني
افتقد إبي
الذي يحمل اسمه،
فكان يقود
فريق العائلة
طيلة السفرة،
مستخدما مهاراته الالكترونية
في التواصل والحجوزات وما شابه،
ومستعينا بمعرفته السابقة
بمكان السفر،
فأشعرني
انه يمكنني
الاعتماد عليه
كما كنت في السابق
اعتمد على أبي.

ألسنا ننادي
بعضنا بعضا
“يا بيّي”،
بطريقة لاواعية؟

السابق
حتى لا تتحوّل الهوية الوطنيّة اللبنانية إلى حُلُم مستحيل !
التالي
وجيه قانصو يكتب ل«جنوبية»: لبنان بين تناقضات الداخل ومؤثرات الخارج!