بعد ٨٣ عاما على وفاته.. سيرة «علامة جبل عامل» الشيخ حسين مغنيه في كتاب لحسن حمود

انقضى على وفاة المرجع الشيخ حسين مغنيه ، او ما كان يطلق عليه “علامة جبل عامل” نحو ٨٣ عاما، ومنذ ذلك الحين، بقيت هذه المدة الطويلة، دون أي أضاءة مكتوبة حول حياته وموقعه، في واحدة من أهم المراحل الانتقالية، بالنسبة للطائفة الشيعية على وجه الخصوص، إلى جانب دوره الأساسي في مؤتمر وادي الحجير ١٩٢٠ وتخليه عن المناصب، التي عرضت عليه من أعلى الرئاسات في الجمهورية اللبنانية.
وفي خطوة ،كثيرة الدلالة ، لإعطاء هذه الشخصية حقها، “نبش”الشيخ حسن حمود مسيرة الشيخ حسين مغنية، أبن بلدة طيردبا الجنوبية، متناولا في كتابه ، الذي حمل عنوان “علامة جبل عامل الشهير الشيخ حسين مغنيه”، الصادر عن دار المحجة البيضاء ، عقودا من العطاء والسلوكيات الإنسانية والتبحر العلمي والفقهي للشيخ مغنيه ، الذي توفي بعد معاناة مع المرض العام ١٩٤٠.

في مدخل كتابه ، يتناول الشيخ حمود ، أبرز المحطات والمواقف للعلامة مغنيه ، حيت انعقدت له الزعامة الدينية في جبل عامل ، واختير رئيسا لعلماء جبل عامل ، في ظل وجود اعلام كبار من طراز السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين ، وايضا اختياره من قبل المؤتمرين في وادي الحجير سنة ١٩٢٠ للذهاب وحده إلى دمشق ومقابلة الملك فيصل الأول رئيس الحكومة العربية وتسليمه وثيقة مقررات المؤتمر.
ويضيف ، ترأس الشيخ حسين مغنيه سنة ١٩٣٠ جمعية علماء جبل عامل ، وقد عرفه السيد محسن الأمين: بشيخ الطائفة والقدوة الفقيه ، كذلك عرفه السيد عبد الحسين شرف الدين بكبير العلماء الشرعيين وحجة الإسلام، وايضا الشيخ إبراهيم سليمان ، الذي قال : فيه دقيق النظر في معضلات الأمور وتعقيداتها ، لا يجاريه احد من معاصريه .

يرفض قرار تعيينه على رأس محكمة التمييز

وينقل الكاتب أنه حينما حملوا إلى الشيخ حسين مغنيه مرسوم من رئيس الجمهورية شارل دباس ، يقضي بتعيينه رئيس محكمة التمييز الجعفرية العليا في لبنان ، رفض المنصب معللا :أنا موظف عند الله، والذي يتوظف عند الله لا يتوظف عند أحد ، وأن مرجع الطائفة الشيعية في النجف- العراق الشيخ محمد حسين النائيني ، كان يوجه ابناء جبل عامل إلى الشيخ حسين مغنيه ويقول لهم : قوله قولي ، ورأيه رأيي .
وأيضا يقول : الشيخ محمد جواد مغنيه ، صاحب ال٦٣ مؤلفا ، كانت دارة الشيخ حسين مغنيه تعج بالناس من الصبيحة حتى الغروب ، والصلاة عنده تشهد زحاما كثيفا ، حتى لقبت بلدة طيردبا ( بكعبة الوافدين )
ويردف حمود في متن الكتاب، أن الشيخ مغنيه كان من الداعمين والمؤيدين لمقاومة الانتداب الفرنسي ، وكان له ملاحظات أثناء انعقاد مؤتمر وادي الحجير ، وعندما زاره المفوض السامي الفرنسي في بلدة طيردبا استقبله على ( المصطبة) وأجلسه على الأرائك .
ويتابع ، هناك مثلا اخر على تصرف الشيخ مغنيه ، وهو أنه دعا الى زفاف ابنه المجتهد الشيخ خليل ، الذي عقد قرانه على على كريمة السيد محسن الأمين، كبار البلاد وعامتها ، لكنه لم يدع ( كامل بك الاسعد)زعيم جبل عامل في حينها ، فسأله الناس عن الأمر ، خصوصا وان الاسعد كان يزور شيخ الطائفة في كل الأعياد والمناسبات وكان على علاقة جيدة به ، فأجاب الشيخ مغنيه أن (ال الاسعد ) كرماء في مثل هذه المناسبات ، ولم يدع حتى لا ينفق البيك ويبذخ في عرس ابنه .
وفي مكان آخر من الكتاب يقول : الشيخ حمود في منتصف عشرينيات القرن الماضي ، عرضت قضية اساسية بالنسبة للطائفة الشيعية في لبنان ، وهي قضية الاعتراف بالمذهب الشيعي الجعفري وتكريسه رسميا ، بعد أن كانت الطائفة تعود في احوالها الشخصية إلى المحاكم السنية منذ الحكم العثماني، وقد كانت الحكومة الفرنسية ، ترغب بالتقرب من الطائفة الشيعية،
وبتاريخ ١٧ كانون الثاني سنة ١٩٢٦ ، أصدر اول رئيس جمهورية ( شارل دباس ) قرارا يقضي بأن يؤلف المسلمون الشيعيون قي دولة لبنان الكبير طائفة دينية مستقلة ، ويحاكمون في مواد الأحوال الشخصية بموجب المذهب المعروف بالمذهب الجعفري ، وانشاء محاكم شرعية ومحكمة تمييز جعفرية مؤلفة جميعها من علماء الشيعة . ولكن المشكلة كانت في إيجاد علماء من الطائفة الشيعية الذين يقبلون هذا المنصب ، ثم عرضت اسماء على رأسها الشيخ مغنيه ، لتولي رئاسة محكمة التمييز العليا ، وهو أعلى منصب روحي للطائفة الشيعية ، وقد تم تعيين الشيخ مغنيه رئيسا لمحكمة التمييز بمرسوم بتاريخ ١٧ شباط ١٩٢٦ ، الا انه استقال على الفور ، وفي شباط ١٩٣٣ ، اتفق ثمانون عالما ووجيها في اجتماع دعا إليه النائبان نجيب بك عسيران
وفضل بك الفضل ، في صيدا بمنزل عسيران ، على أن يطلبوا تعيين رئيس ديني لهم ، على غرار الطوائف الاخرى، فكان المرشح الاوفر مجددا الشيخ مغنيه ، ولهذه الغاية ارسل رئيس الجمهورية موفدين إلى الشيخ حسين مغنيه في دارته في طيردبا هما نجيب بك عسيران وفضل بك الفضل ، حاملين معهما رسالة شخصية متضمنة مرسوم تعيينه لرئاسة المحاكم ، وبعد أن قرأ قرار التعيين ، ارسل للرئيس دباس، رسالة ودية جوابية ، يشكره على تلك الالتفاتة ، مع اعتذاره قبول المنصب ، وطلب منه أن يعين الشيخ منير عسيران على رأس هذه المحكمة ، وهذا ما حصل حينها .

حوزة طيردبا

ويشير معد الكتاب ، أن بلدة طيردبا ، كانت من البلدات العاملية ، التي تبوأت مركزا مهما ، على المستوى العلمي ، بفضل وجود علماء الدين من ال ( مغنيه ) على امتداد حقبة طويلة من الزمن ، حيث برز من رجالاتها عدد من العلماء الذين الفوا الكتب العلمية وبلغوا مرحلة الاجتهاد في الفقه ، وما يدل على قدم المدارس العلمية – الدينية ، يذكر صاحب كتاب جواهر الحكم الشيخ محمد مهدي مغنيه ، جد الشيخ حسين ، قائلا عزمنا على فتح مدرسة ابائنا على يد عوائدنا ، وكذلك فعلنا ، وكان ذلك سنة ١٢٧٠ هجرية وازداد عدد طلابها ١٢٧٢ ، وعندما حضر الشيخ حسين مغنيه من النجف إلى بلدته طيردبا احيا مدرسة آبائه واجداده ، فانشأ حوزة علمية تولى مهمة التدريس الديني فيها معتمدا مواد ( أصول الدين ، الرسائل العلمية والادبية)
وتتلمذ على يديه في هذه الحوزة ، منهم الشيخ إبراهيم سليمان ، الشيخ حسين معتوق ، الشيخ محمد جواد مغنيه ، الشيخ محمد عسيلي ، الشيخ عبد الكريم مغنيه ونجليه الشيخين خليل وعلي مغنيه ، والشيخ خليل ياسين والسيد عباس ابو الحسن وآخرين.
ويفرد الكتاب حيزا كبيرا ، لجنازة تشييع الشيخ مغنيه الضخمة في مسقط راسه في طيردبا ، العام ١٩٤٠ ، وعددا من القصائد لكبار الشعراء قيلت فيه قبل وبعد وفاته .

ولادته

ولد الشيخ حسين مغنيه ، في النجف الاشرف من ابوين لبنانيين ، والده الشيخ علي مغنيه، وأمه كريمة العلامة السيد كاظم الأمين ، كان عمره ثلاث سنوات حين توفي والده ، فنشأ يتيم الاب ، كما نشأ والده .
بقي في النجف عند جده لامه حتى صار عمره ثماني سنوات ، بعدها اصطحبته والدته من النجف إلى طيردبا ، حيث لازم خاله السيد أحمد، وبينما كانوا في طريقهم إلى لبنان ، خرج عليهم مجموعة من اللصوص الفارين قصد السلب ، فتصدى لهم خاله ، الذي قتل حينها .
ويصف الشيخ مغنيه يتمه بابيات من الشعر فيقول :

رأيت اليتم في سن الطفولة
يسير باهله نحو الرجولة
فذاك نبينا أمسى شجاعا
يهل ابدا ولا ترى افوله
أضاء المشرقين علا بشمسه
هي الإسلام في دنيا مهوله
فليت اليتم يجعلني فداه
لاجعل يتمه نهج البطولة

السابق
جنبلاط: متى سيخرج حبيب الجماهير من صندوق الاقتراع؟
التالي
سنة أولى «تغيير» و«لا من يغيرون».. النواب ال13 بين الخطأ والصواب والإستقالة!