سنة أولى «تغيير» و«لا من يغيرون».. النواب ال13 بين الخطأ والصواب والإستقالة!

يمكن اعتبار أداء المجلس النيابي بأكمله فاشلاً في سنته الأولى، فهو لم يقم بدوره كمراقب للحكومة في الأزمات المعيشية التي تسببت بها، بتعميق جراح الناس وبإرهاقهم بزيادة الضرائب والتعرفات، من دون أدنى تحسين في حياتهم! وكذلك فشل حتى الآن بانتخاب رئيس للجمهورية. أما التعطيل، الذي مارسه البعض، فهو حالة شاذة، وليس حقاً دستورياً!

كان إطلاق تسمية “التغييريون” على مجموعة ال 13 نائباً (ثم 12) وزراً ثقيلاً فاق طاقتهم فهم لم ينجحوا بتحقيق أي تغيير في حياة اللبنانيين اليومية!

التغيير الأساسي للبنانيين هو أنهم أصبحوا أكثر فقراً كما إنهم لم يطبقوا مبدأ التشاركية مع ناشطي 17 تشرين في مواقفهم في “التغيير” المنشود

ينتقد ناشطون في 17 تشرين، كما كثير من الرأي العام نواب التغيير بقسوة، بعد أن أعطوهم صوتهم التفضيلي في الانتخابات النيابية. انتقاد من الأرجح أن يتحول لاحقاً الى معاقبة انتخابية لمعظمهم، ومع ذلك، فقد قدم نواب التغيير أداءًا مختلفاً في الجلسات النيابية. ونجحوا في تغيير بعض “العادات السيئة” في النقاش. وهم لم ينجحوا في مقاربة انتخابات المجلس النيابي وانتخابات لجانه.

إن الفشل النيابي يعود بالأساس لكوادر 17 تشرين من المرشحين، الذين حولوا 472.000 صوت تفضيلي الى 13 ثم الى 12 نائباً بسبب تشتت الأصوات وتعدد اللوائح، في حين نجح التيار الوطني الحر، على سبيل المثال، بحوالى 125.000 صوت بتشكيل كتلة من 18 نائباً! الخيبة إذن هي في عدم إيصال 30 الى 40 نائباً الى الندوة البرلمانية، وهو أمر كان بمتناول يد ثورة 17 تشرين، وهو ما كان غيّر المقاربات السياسية في المجلس النيابي، ولكن ذلك لم يحصل، وعاش بعض نواب “التغيير” حالة إنكار لهذا الواقع!

أ – تنظيمياً:

1 – فشلت مجموعة نواب “التغيير” بإنشاء الأساس، وهو أمانة سر مركزية قادرة على التنسيق بين النواب بين بعضهم من جهة، ومع كوادر ثورة 17 تشرين من جهة أخرى… وفشل “الدعسة الأولى” كان مؤشراً فورياً لفشلهم الجماعي!

2 – فشلت مجموعة ال 13 بالتحول الى كتلة نيابية، أو الى مجموعة متناسقة. لا بل تحولت الى 13 رأياً منقسماً في مجموعات من 2 و3…

3 – لم تنجح مجموعة ال 13 بتأسيس كتلة كبيرة تضمها مع نواب مستقلين آخرين. وأضاعت فرصة تكوين المجموعة الأكبر في المجلس النيابي!

4 – غاب التنسيق بالكامل بين التغييرين وبين كوادر 17 تشرين. لا بل افترض عدد من نواب ال 13 أنهم انتخبوا بقواهم الذاتية ليعبروا عن أفكارهم الشخصية! وهم تجاهلوا الجهود الجبارة التي بذلها الكثير من الناشطين لإيصالهم، واعتبر كثير من الناشطين أنه تمّ التنكر لهم، وهو ما جعل نواب التغيير يخسرون دعم ناشطي 17 تشرين ومشاركتهم في نشاطاتهم!

ب – في الأمور المعيشية:

لم يتدخل نواب التغيير في أي قضية معيشية جدية، وان حاولوا فمن دون أي نتيجة تذكر! فقد نجحت الحكومة في “عهدهم” في رفع تسعيرة رغيف الخبز، وتسعيرة الكهرباء، وتسعيرة الاتصالات، وفي سرقة الدولارات من هواتف الناس الجوالة، وفي رفع الدولار الجمركي، وفي فلتان تسعير المحروقات، وفي ترك أسعار السلع الغذائية ترتفع في السوبرماركت (حتى بعد دولرتها)… (والجديد هو تسعير البنزين بالدولار)… لم ينجح نواب التغيير في عملهم الرقابي المجلسي في وقف أي من أضرارها، لم ينجحوا في وقف التغيير السلبي الذي حصل ويحصل كل يوم في حياة الناس!

ج – في موضوع استرداد أموال المودعين:

1 – لم يعمل نواب التغيير لا بالمواقف ولا بالتشريع على وقف جريمة “الفريش دولار”، لا بل يجري العمل على تكريس وتشريع “الفريش” دولار والدولار “البايت” والدولار “الطازه”، وذلك بالتعميم 165 الذي لم تتم مواجهته! وبالتالي ساهموا بالاهمال، بالسماح باستمرار المصارف بسرقة أموال المودعين وجنى عمرهم!

2 – لم يعمل نواب التغيير أي شيء لوقف التعميم 158، الذي يشرع سرقة 373 دولاراً في كل عملية سحب مودع لمبلغ 800 دولار من حسابه، ويعطيه فقط 427 دولاراً منها! ولم يعملوا لتحصيل الناس أموالهم بالعملة المناسبة، وهو تقصير فادح!

أحبط نواب التغيير بأنفسهم مبادرتهم الرئاسية وكان قد أيدها كثير من الناشطين…ثم تضعضعوا

3 – لم يحاول نواب التغيير وقف منصة “صيرفة” وعمليات المتاجرة وتبديل الأموال، التي تسمح بالاستمرار في سرقة أموال المودعين. (“الربح” في صيرفة هو من أموال المودعين فقط)!

4 – لم تتمّ أي عملية ملاحقة “مجلسية” في اللجان النيابية لإدارات المصارف، ولا أي إقتراح قانوني جدي لمحاولة استرداد الأموال المنهوبة، ولاستعادة الأموال التي تمّ تهريبها الى الخارج. (ينقل بعض الناشطين أن آراء بعض نواب التغيير تشمل تحميل المودعين قسماً من الخسائر)!

د – في الانتخابات الرئاسية:

1 – أحبط نواب التغيير بأنفسهم مبادرتهم الرئاسية، وكان قد أيدها كثير من الناشطين…ثم تضعضعوا!

2 – قام بعض نواب التغيير بالتصويت ل 4 أو 5 أسماء (أو شعارات) مختلفة في 5 جلسات انتخاب رئاسية متتالية، وهو رقم قياسي في “التقلب” في الرأي في التصويت في المجلس النيابي!

3 – لم ينضم سوى 4 من نواب التغيير لدعم مرشح معارضي حزب الله ميشال معوض، فيما اعتبر البعض إن عدم الاصطفاف هو موقف جيد، من دون العمل على أي آلية للتعاون مع المعارضة، علماً أن أي مرشح يريده “التغييريون” يحتاج حكماً لأصوات المعارضة للوصول. أي أن قسماً منهم قام بتهميش نفسه بنفسه!

4 – لم ينجح رافضو ترشيح ميشال معوض من “التغييريين”، بتقديم مرشح آخر يحظى بأكثر من 12 صوتاً (وصلت أصواتهم لمرشحهم الى 4 فقط في إحدى الجلسات). ولم ينجحوا بإقناع أي كتلة نيابية أخرى بالسير بخياراتهم، وهو دليل إضافي لعدم تعاون جدي مع الآخرين في الستة الأشهر الأولى للفراغ الرئاسي!

5 – يشكل اعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا نقطة إيجابية، باتجاه تشجيع الاستمرار في جلسات انتخاب الرئيس، لكن الاعتصام واجه أفقاً مقفلاً، لم يؤدِ الى نتيجته المرجوة. وهو خسر دعم الناشطين ودعم الرأي العام له، على الرغم من أهمية منطلقاته!

ه – في ملف النازحين السوريين:

يقف نواب التغيير من الملف من دون مواقف فاعلة تُذكر، ومن دون سعي جدي لحل الملف!

و – في ملف تفجير بيروت:

تحرك نواب التغيير بشكل جدي مع نواب معارضي حزب الله في هذا الملف، الى جانب الأهالي والناشطين، حتى ولو لم تصل الأمور الى استمرار التحقيق بعد.

ز – في ملف ترسيم الحدود البحرية:

نجح نواب التغيير بتسليط الضوء على دراسات الدكتور عصام خليفه وبالمطالبة بالخط 29. ولكنهم لم ينجحوا بتجيير مطالبهم لا الى مطالب أممية ولا بالحصول على الدعم النيابي المطلوب. ومع ذلك، فهم حاولوا جاهدين ولم ينجحوا!

ح – في الموقف السيادي:

أخذ بعض نواب التغيير موقفاً واضحاً رافضاً لبقاء سلاح حزب الله خارج الدولة، في حين تجنب آخرون التطرق للموضوع بعدم اعتباره أولية… برأيهم!

ك – في النشاطات التشريعية:

يمكن اعتبار كل نشاط تشريعي من تقديم مسودات قوانين وطعون، في خانة النشاطات الجيدة. لكنها لم تصب بالإجمال حاجات الناس، ولم تخفف من أوجاعهم!

يدعو كثيرون من ناشطي 17 تشرين نواب التغيير الى الاستقالة. ولكن استقالتهم اليوم لن تغير الواقع السياسي بشيء. ووجودهم في البرلمان أفضل من عدمه. أما نقطة الانطلاق حالياً ل”تغيير” المشهد السياسي فهي في انتخاب رئيس للجمهورية لا يوافق على بقاء أحد خارج “بناء الدولة”، وهذا ما لن يحدث للأسف، فالإقامة في جهنم مستمرة.. و”التغيير” مستمر للأسوأ!

السابق
بعد ٨٣ عاما على وفاته.. سيرة «علامة جبل عامل» الشيخ حسين مغنيه في كتاب لحسن حمود
التالي
العقل الديني: في نقد الناقد والمنقود