مقتطفات من آراء الراحل السيد محمد حسن الأمين في الاجتماع الإسلامي.. «المواءمة» بين الغربي المادي والديني

السيد محمد حسن الامين
كتب المفكر الاسلامي الراحل العلامة السيد محمد حسن الأمين عدة مقالات وابحاث في الاجتماع الاسلامي، وكانه هاجسه المواءمة بين الاجتماع الغربي المادي الذي يمتلك التقدم العلمي، والاجتماع الديني الاسلامي الذي يمتلك الغاية الروحية الالهية للحياة البشري، ويُعيد "جنوبية" نشر مقتطفات من أرشيفه القيم والغني.

يمكن وضع مفهوم الاجتماع الديني في مقابل مفهوم الاجتماع المادي.. ويمكن التمييز بين كل من هذين المفهومين، بأن الأول هو الاجتماع البشري الذي يستمد قيمه وقوانينه وأنماط سلوكه من الدين مغلّباً الاعتبارات الدينية على ما عداها، فيكون الدين هو مصدر الفكر والسلوك والعادات والتقاليد وبالتالي هو مصدر شرعية الانتماء إلى المجتمع.أما الاجتماع المادي فهو اجتماع بشري لا يلتزم الدين بوصفه مصدراً وحيداً أو أساسياً لتوليد قيمه وأنماط سلوكه وتقاليده، وإن شئنا أن نحدد تحديداً دقيقاً المفصل الأساسي بين كل من الاجتماعيين لقلنا: إن الاجتماع الديني هو الاجتماع البشري الي يسعى إلى هدف لا يوجد في هذه الدنيا وإن هذه الدنيا ليست سوى وسيلة لتحقيق هذا الهدف الذي هو الحياة الآخرة، فيما الاجتماع المادي يرى في الحياة الدنيا هدفاً وغاية للاجتماع البشري وموضوعاً له في الآن نفسه.

إن خلوّ العقيدة الاجتماعية في الغرب من الهدف الأخروي – الديني جرّد الكفاية المادية التي حققها الفرد من آثارها الروحية السامية التي ترتقي بالإنسان


اشكال فكري هذا التمييز بين المفهومين نريده مدخلاً للخوض في إشكال كبير كان وما يزال مطروحاً في وجه الفكر الديني بصورة عامة وفي رؤيته للعالم والمجتمع والوجود الإنساني بصورة خاصة.. وقد تعاظم هذا الإشكال بعد قيام مجتمعات إنسانية متقدمة فصلت بين الدين والدنيا وتمكنت من أن تحقق تقدماً مادياً مبهراً.. ومجتمعات الغرب هي نماذجها الحياة الراهنة.هذا الإشكال يقول:

إن الإنسان – فرداً أو مجتمعاً – لا يحقق ذاته خارج هذا العالم وكل محاولة لتحقيق الذات الإنسانية خارج هذا العالم وبعد الموت هي في جوهرها نزعة إلى الهروب من مسؤولية الإنسان عن وجوده ومحاولة للتعويض عن العجز والفشل اللذين يصيبان الإنسان أمام تحديات الوجود والحياة والطبيعة، ووفق هذا الإشكال فليس أمام الإنسان سوى مواجهة وجوده بوصفه وجوداً نهائياً في هذه الحياة التي هي فرصته الوحيدة لتحقيق هذا الوجود.

كان أبرز من عبر عن هذا المنحى الشامل في فلسفة الغرب وأدبه تيار الفلسفة الوجودية والفيلسوف الألماني “نيتشه”، على أننا لسنا في مجال رصد التجليات الشاملة لهذا المنحى في الفكر الغربي وفي إطلاق المحطة الكبرى في تاريخ الغرب – وباتت محطة كبرى في تاريخ العالم – وهي عصر النهضة الغربية التي يشكل الفكر والمجتمع الغربيان امتداداً لها.إن ما نهدف إليه هو الإقرار:

1 – إن هذا المنحى الفكري الفلسفي قد أحدث نقلة نوعية كبرى ليس في التاريخ الغربي الأوروبي فحسب وإنما في تاريخ العالم كله.. وفي المجتمع الغربي وسائر المجتمعات أيضاً.

2 – إن هذا المنحى – متمثلاً بعصر النهضة الأوروبي – انتهى إلى تأسيس اجتماع بشري ومنظومة قيم ومفاهيم اجتماعية متجانسة إلى حد بعيد مع فلسفته القائلة بأن الإنسان لا يحقق ذاته خارج هذا العالم وإنما في هذا العالم أي في هذه الحياة الدنيا حصراً.

3 – إن هذا المنحى استطاع عبر المجتمعات التي صاغها أن يحقق تقدماً مادياً هائلاً وانتصارات كبيرة على تحديات الطبيعة والحياة.. ودرجة عاليه من شعور الذات بتحققها.. وتفوقاً بارزاً على مستوى اجتراح النظم المتقدمة في توفير فرص الحرية وبالعدل النسبيين لتلك المجتمعات.

إن هذا الحد السلبي من فصل الدين عن المجتمع لم يحرر ذلك الاجتماع الإنساني من الضرورة الإلهية ولكنه أقام الإنسان مكان الله بما ينطبق مع فكرة (موت الله) التي أطلقها “نيتشه”

 وهذه حقائق موضوعة وساطعة لا بد من الاعتراف بها لدى النظر في أحوال المجتمع الغربي على أن هذه الحقائق الساطعة لا تحجب حقائق أخرى ليست أقل سطوعاً منها نوجزها بما يلي:

1 – إن التقدم المادي وكذلك التقدم على صعيد حقوق الفرد والجماعات في المجتمعات الغربية لم يحققا تقدماً موازياً على مستوى الشعور بالأمن والطمأنينة والرضا والتوازن الروحي والنفسي التي لا يستطيع أحد أن يدعى أنها لم تكن هدفاً لهذه المجتمعات.

2 – إن خلوّ العقيدة الاجتماعية في الغرب من الهدف الأخروي – الديني جرّد الكفاية المادية التي حققها الفرد من آثارها الروحية السامية التي ترتقي بالإنسان من مجرد كائن يحتاج إلى الاشباع المادي إلى كائن يتجاوز هذه الحاجة بحثاً عن السمو وعن التحقق خارج شروطه المادية المباشرة، فبات المزيد من التحقق المادي هو الهاجس الذي يكبر دون أن ينتهي إلى الاشباع، وهذا طبيعي ما دامت الحياة هي الفرصة الوحيدة للإشباع (كما هو الشأن في فلسفة الاجتماع المادي).

3 – تكرست النزعة النفعية في العلاقة مع القيم الرفيعة للمجتمع السياسي الغربي وهي قيم الحرية والديموقراطية، ونجم عن العلاقة النفعية مع هذه القيم أن المجتمع الغربي وافق على احتكارها عملياً رغم تأكيده عليها وترويجها على الصعيد النظري.

4 – سقطت مقولة الاعتراف بالآخر كما هو وحقه في الاختلاف وهي أبرز مقولات فلسفة النهضة الغربية، سقطت تحت نزعة الطغيان التي ولدتها انتصارات الغرب المادية وبات النموذج الغربي هو النموذج الوحيد الذي لا نموذج سواه أمام شعوب العالم وإلا تعرضت للقمع والمصادرة (وما تجربة الاستعمار الغربي سوى تجسيد لهذه النزعة وتبشير بها عن طريق القوة والقهر).

خلوّ العقيدة الاجتماعية في الغرب من الهدف الأخروي – الديني جرّد الكفاية المادية التي حققها الفرد من آثارها الروحية السامية

فصل الدين عن المجتمع!

وفي الخلاصة يمكن القول أن الاجتماع المادي متمثلاً بصيغة الاجتماع الغربي قد حقق النموذج الذي سعى إلى تحقيقه.. وهو النموذج الذي يخلو تقريباً من البعد الديني – الغيبي – الإلهي.أنجز الاجتماع المادي صورته المبهرة وذلك في حدود الفلسفة التي قام عليها هذا الاجتماع والمنطقة من نهائية الإنسان وغائيته في هذا الوجود.

والحق أن هذا النموذج من الاجتماع الإنساني أسهم في تحرير الفرد والمجتمع من كل أشكال الاستلاب التي كانت في جوهر الاجتماع الديني السابق لها.

إن فصل الدين عن المجتمع في تجربة المجتمع المادي الغربي كان فصلاً ذا حدين: الحد الذي حرر المجتمع من المصادرة والاستلاب اللاإنسانيين اللذين مارستهما المؤسسة الدينية (الكنيسة) والسلطة السياسية والاجتماعية المستبدة بإسم الدين، والحد الذي حرم نموذج الاجتماع الغربي من عنصر الغاية الإلهية وجعل من المادة غاية بذاتها.

إن هذا الحد السلبي من فصل الدين عن المجتمع لم يحرر ذلك الاجتماع الإنساني من الضرورة الإلهية ولكنه أقام الإنسان مكان الله بما ينطبق مع فكرة (موت الله) التي أطلقها “نيتشه” والتي لم تنته إلى موت الله فعلاً وإنما انتهت إلى تأليه (الإنسان).لقد أفضت انتصارات الاجتماع المادي في مجال الحرية والتنمية والاشباع المادي بمعزل عن الغاية الإلهية أفضت بالمجتمع الغربي إلى المعادلة الموضوعية التي أشار إليها القرآن الكريم: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} سورة العلق، الآيتان: 6 و7.

فصل الدين عن المجتمع في تجربة المجتمع المادي الغربي كان فصلاً ذا حدين: الحد الذي حرر المجتمع من المصادرة والاستلاب اللاإنسانيين اللذين مارستهما المؤسسة الدينية (الكنيسة) والسلطة السياسية والاجتماعية المستبدة بإسم الدين

وليس منحى المجتمع الغربي في تعميم نسقه الحضاري على المجتمعات الإنسانية الأخرى بكل الوسائل بما فيها الاستعمار نفسه سوى مظهر من مظاهر هذا الطغيان، ولكن رب قائل إن هذا المنحى هو مظهر من مظاهر الدعوى والتبشير وليس طغياناً. وربما يستطرد البعض قائلاً: إن الطغيان الذي عانت منه المجتمعات الإنسانية من جراء الاستعمار الغربي لم يكن طغياناً للمجتمعات الغربية وإنما هو طغيان الأنظمة والحكومات الغربية ومن الظلم أن ننسبه إلى تلك المجتمعات التي تطبق مبادئ الحرية والعدل وتكافح في سبيلها وتدعو الشعوب الأخرى إلى التزامها!

والجواب عن هذا القول له شقان:

الشق الأول: هو أن تجربة الاستعمار الغربي أثبتت في جميع البلدان التي خضعت له، إن الاستعمار ونهب الثروات كانا هما الهدف الأساسي لهذا الاستعمار وكذلك فرض التبعية على الشعوب المستعمرة تبعية الأطراف للمركز. وهذا يتنافى مع مبدأ الدعوة والتبشير وما يستلزم من احترام الشعوب وقيمها وثرواتها.

الشق الثاني: وهو أن المجتمعات الغربية ليس صحيحاً أنها بريئة مما قامت به أنظمتها وجيوشها بل كانت وما زالت تنعم بمكتسبات عظيمة بسبب الثروات التي وفّرها هذا الاستعمار، وبالتالي فإن هذه الشعوب – المجتمعات الغربية كانت تمارس اختيار حكوماتها على نحو يغدو الفصل فيه بين إرادة الشعوب وإرادة الحكومات فصلاً مفتعلاً.. فمثل هذا الفصل يصحُّ بين الأنظمة المستبدة وشعوبها ولا تصح نسبته إلى الدول التي تنتخب فيه السلطات السياسية انتخاباً حراً كما هو الشأن في أغلب الدول الأوروبية والغربية التي مارست الاستعمار وما زال بعضها يمارس الاستتباع والهيمنة على الشعوب الأخرى.

وبالعودة إلى صلب موضوعنا فإننا نرى أن اكتمال نموذج الاجتماع المادي ممثلاً بنماذجه الغربية بات يشكل حافراً جديداً لاستحضار فكرة الاجتماع الديني وهي فكرة غيَّبتها إلى حد بعيد انتصارات الاجتماع المادي.. ولكن بعد أن تراجع بريق هذه الانتصارات وبرزت – بوضوح – الأزمات الروحية والنفسية والمادية وبرزت معها نزعة الطغيان التي ذكرنا، وبرز – وهذا هو الأهم – أن تجربة الاجتماع المادي الغربي هي تجربة خاصة وليست مطلقة وهي نسبية ولا يمكن تعميمها بما يلغي خصوصيات المجتمعات الأخرى.. أقول بعد ذلك كله مضافاً إلى كل أشكال التعبير التي يزخر بها الاجتماع الغربي عن الرغبة في استعادة الدين وقيمه – تبدو فكرة العودة إلى الاجتماع الديني مرة أخرى أمراً يطرح نفسه بقوة…

وليس منحى المجتمع الغربي في تعميم نسقه الحضاري على المجتمعات الإنسانية الأخرى بكل الوسائل بما فيها الاستعمار نفسه سوى مظهر من مظاهر هذا الطغيان

ويبدو الفكر الديني بصورة عامة والإسلامي منه بصورة خاصة مسؤولاً عن تقديم رؤيته – وأحياناً عن تقديم نموذجه للاجتماع الديني، على أن تقديم نموذج جاذب وسمتقطب للاجتماع الديني في دائرة من دوائر المجتمع الإسلامي هو أمر لا يكفي لاجتراحه أن تكون تجربة الاجتماع المادي الغربي قد أفسحت في المجال الاجتماع الديني بالبروز مرة جديدة.

الاسلام والبعد الروحي

إن حاجة الاجتماع المادي إلى التحرر من أزماته الناجمة عن تغييب البعد الديني عن المجالات الحيوية في هذا الاجتماع لن تأخذ – من وجهة نظرنا – شكل الانقلاب والثورة على نسق الاجتماعي المادي.. فهذه الصورة الانقلابية اعتمدها الغرب في الانتقال من النسق الديني إلى النسق المادي وقد أخذت شكل ثورة على الدين ومؤسساته الاجتماعية.. وهو – أي الغرب – لا يريد الآن أن يخسر الإنجازات الهائلة التي حققتها هذه النقلة، ولا يوجد لديه حنين إلى استعادة نسق الاجتماع الديني بصورة السابقة التي ثار عليها، ولكن ما هو بحاجة إليه بالتأكيد هو المصالحة مع الدين مصالحة ليست نمطية أعني لا يوجد لها نمط جاهز ولم يسبق أن وجد لها نموذج تاريخي.. مصالحة لا تطيح منجزات الاجتماع المادي وإنما تطلق في شرايينها المتصلبة جرعة من اللين والحيوية والروحية تزدحم كثير من الأدبيات الغربية في التعبير عن الحاجة إليها ولكن دون أن تصل هذه الأدبيات إلى تحديد صيغة واضحة لاستحضار ذلك البعد الديني المفقود.

إن أزمة الاجتماع المادي من خلال نسقه الغربي الراهن تكمن – من وجهة نظرنا – لا في التقدم المادي نفسه ولكن في عقيدة التقدم المادي أي في الإيديولوجيا المادية التي لا تستطيع أن تنسب التقدم المادي إلا إلى معاداة الدين أو على الأقل إلى استبعاده؛ الأمر الذي يحرم الاجتماع المادي الغربي من فرص حقيقية لمواجهة أزمته.

أزمة الاجتماع المادي من خلال نسقه الغربي الراهن تكمن – من وجهة نظرنا – لا في التقدم المادي نفسه ولكن في عقيدة التقدم المادي أي في الإيديولوجيا المادية

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو:

إلى أي مدى بإمكان الاجتماع الإسلامي الديني أن يسهم في إحياء الجذور الدينية للتقدم الدنيوي المادي؟إن استنطاق العقيدة الدينية الإسلامية {وسخَّر لكم ما في الأرض جميعاً} سورة الجاثية، الآية 13، لا يوقفنا على معنى إباحة التقدم المادي بل يوقفنا على اعتماد هذا التقدم شرطاً لامتلاك الوصول إلى معرفة الكون والإنسان، وخصوصاً لمعرفة الغاية الإلهية من خلال الإنسان.

إن اعتبار الكون والكون المادي محراباً لعبادة الله وفق النظرية الدينية الإسلامية. يجعلنا نكتشف في العالم المادي أروع تجليات البعد الروحي لذلك التقدم المادي؛ الأمر الذي لا بد منه لتوفير أعمق الحوافز وأنشطها في سبيل إنتاج التقدم الإسلامي المادي.

ولكن الاجتماع الديني الإسلامي – بالرغم مما ذكرنا – لم يذهب عميقاً في بلورة البعد الروحي لعلاقته بالمادة.. بل وجدت نزعة احتقار المادي سبيلاً عميقاً إلى التجذر في الوجدان الديني الإسلام ساهمت فيه كثير من حركات التصوف متأثرة بالنزعات التطهرية القادمة من خارج الإسلامي وعقيدته.

لذا فإن الاجتماع الديني الإسلامي لكي يسهم في تقديم نموذجه المميز في مجال المصالحة بين التقدم المادي والدين.. يتعين عليه – باختصار – أن ينجز تقدمه المادي وذلك غير ممكن إلا بالتوفُّر على شحذ كل الحوافز الروحية وتوجيهها نحو هذه المهمة (مهمة إنجاز التقدم المادي).

إذ ذاك.. أي حين يتم إنجاز التقدم المادي بحوافز روحية يكون النموذج المنشود للاجتماع الإنساني قد ولد.

الاجتماع الديني الإسلامي لكي يسهم في تقديم نموذجه المميز في مجال المصالحة بين التقدم المادي والدين.. يتعين عليه باختصار أن ينجز تقدمه المادي وذلك غير ممكن إلا بالتوفُّر على شحذ كل الحوافز الروحية وتوجيهها نحو هذه المهمة

وهذا النموذج المنشود لا بد من أن يأتي ثمرة لقصور نمطين أساسيين من أنماط الاجتماع هما:

1 – النمط المادي الغربي ويتجلى قصوره في الافتقار إلى عنصر الغاية الإلهية.

2 – النمط الديني الإسلامي وقصوره يتجلى في افتقاره إلى التقدم المادي.إن الاجتماع الإنساني المنشود في تكامل هذين النمطين القاصرين أي حيث تتوفر في المجتمع الواحد عناصر التقدم المادي إلى جانب عنصر الغاية الإلهية.. وهذا التكامل لا يأتي إلا ثمرة حوار عميق تستبعد فيه وسائل الإلغاء والنفي المتبادلين التي كانت وما تزال سمة العلاقة بين هذين النمطين من الاجتماع.

إن الثقافة الإسلامية مؤهلة لأن تقدم اللمجتمعات الغربية عنصر الغاية الإلهية أي عنصر الخلاص من أزاتها الروحية التي تعدد انتصاراتها وإنجازاتها الضخمة على صعيد التفوق التقني والعلمي المادي.والعقيدة الإسلامية بشأن الاجتماع البشري هي عقيدة تعدد وتنوع وإقرار بحق الاختلاف وحق الحرية وإلى ما هنالك من حقوق عرف الاجتماع الغربي كثيراً منها ولكن في سياق نهضته التي تأسست على قاعدة استبعاد الدين.

إذن ما هو الشرط الذي ما يزال عصياً على التحقق من أجل أن يقوم هذا التكامل الضروري بين نمطي الاجتماع الغربي المادي والديني الإسلامي وفقاً لقاعدة (التعارف) القرآنية الإسلامية {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} سورة الحجرات، الآية 13.

قيام نموذج للاجتماع الديني الإسلامي تتوفر فيه شروط التعدد والتنوع والتقدم المادي.. نموذج يزاوج بين اهتمامه بالمادي واهتمامه بالإلهي ولا يعادي بينهما

الجواب: إنه بكل بساطة عجز الغرب عن تجاوز عقدة التفوق على الآخر (ومنه المسلمون) وعدم قدرته على استيعاب حق الاختلاف على مستوى العلاقة بين الحضارات والشعوب، وإصراره على تعميم نمطه الخاص والنظر إليه بوصفه نموذجاً مطلقاً.

في كل الأحوال فإن قيام نموذج للاجتماع الديني الإسلامي تتوفر فيه شروط التعدد والتنوع والتقدم المادي.. نموذج يزاوج بين اهتمامه بالمادي واهتمامه بالإلهي ولا يعادي بينهما.. وقيام نموذج كهذا قد يكون أقرب الوسائل لتسهيل مهمة التكامل بين هذين النمطين المركزيين من الاجتماع الإنساني: النمط الديني الإسلامي والنمط المادي الغربي.

العلامة السيد محمد حسن الأمين(المنطلق – العدد118 – ربيع – صيف 1997)

السابق
جمعية الشعب يريد اصلاح النظام تقدمت بدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز: لن نتراجع عن المواجهة
التالي
٨ آذار.. نحو تطوير مشاركة المرأة في المجالس البلدية