حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: عبد اللهيان يفتح حواراً «أحادياً» مع الرياض!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كان لافتا الهدوء والتروي، الذي اتسمت به كلمة وزير الخارجية السعودي الامير فرحان بن صالح، في قمة بغداد 2 التي استضافها الاردن يوم الثلاثاء الفائت 20.12.2022، والتي لم تخرج عن الهدف المرسوم لها، في رسم الموقف الرسمي للحكومة السعودية في التعامل مع العراق، والتأكيد على استمرار الدعم والتعاون والسير في المشاريع المشتركة، لتحقيق تنمية حقيقية تساعد هذا البلد على استعادة عافيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتفتح الطريق امام عودته للعب دوره الفاعل والمتعادل والمعتدل، داخل العالمين العربي والاسلامي وعلى الساحة الدولية. 

لم تخرج ابعاد المواقف التي اطلقها الوزير الايراني عن النظرة والرؤية الايرانية التي ترى ان العراق ساحة لتوجيه الرسائل الاقليمية والدولية

في مقابل هذا الموقف، كانت كلمة وزير الخارجية الايرانية حسين اميرعبداللهيان تذهب باتجاه اخر، اكثر انغماسا في الجانب السياسي والامني في التعامل مع المسألة العراقية، بحيث لم تخرج ابعاد المواقف التي اطلقها الوزير الايراني عن النظرة والرؤية الايرانية، التي ترى ان العراق ساحة لتوجيه الرسائل الاقليمية والدولية. والتركيز على الدور المحوري الذي يلعبه العراق في الاستقرار الامني الاقليمي، لا يخرج عن الهدف الايراني، في السعي لتحييد مصادر الخطر التي تهدد استقراره وامنه الداخلي، خاصة بعد الاحداث الاخيرة، والاتهامات التي وجهتها القيادة العسكرية الايرانية لقيادة اقليم كردستان العراقي، بلعب دور مساعد وداعم وحاضن للاحزاب الكردية الايرانية الانفصالية، التي استثمرت في الاحتجاجات الاخيرة ومقتل مهسا اميني الكردية، لفتح جبهة عسكرية ضد النظام، في اطار مشروعها الانفصالي وبناء كردستان الكبرى. 

التركيز على الدور المحوري الذي يلعبه العراق في الاستقرار الامني الاقليمي لا يخرج عن الهدف الايراني في السعي لتحييد مصادر الخطر التي تهدد استقراره وامنه الداخلي

وفي الوقت الذي كان الوزير السعودي وامام الدول المشاركة في مؤتمر البحر الميت، يعبر بوضوح عن رؤية الحكومة السعودية، ويؤكد على موقف موحد لكل مفاصل القيادة السعودية، كان نظيره الايراني يبدو في مواقفه يعبر عن انقسام واضح في الموقف والرؤية الايرانية، من الازمات والمشاكل التي تواجهها ايران على المستوى الاقليمي. بحيث كان عبداللهيان في عمان يسير في واد، والقيادة العسكرية في طهران تسير في واد مختلف، في خطين موازيين من الصعب ان يلتقيان، الا اذا استحال موقف عبداللهيان باتجاه موقف هذه المؤسسة، او ان يتخلى العسكر عن موقفهم الفوقي والصدامي والاتهامي، وينتقلون لاعتماد الدبلوماسية ومبدأ الحوار. 

التخبط في موقف عبداللهيان، في الموقف الذي عبر عنه بالرغبة الجدية بالحوار مع السعودية، وتطبيع العلاقات معها واعادة العلاقات الدبلوماسية، فضحه الكلام الذي صدر عن قائد قوة القدس في حرس الثورة الجنرال اسماعيل قاآني، الذي شن هجوما قاسيا على السعودية، واقذع في القول وخرج عن لياقات الادب في التخاطب بين الدول، يصعب على متابع ان يعيد استخدامه، ومارس عنجهية لا تعبر عن الاخلاق الاسلامية التي يدافع عنها ويدعي الانتماء لها، بالقول ان “السعودية لا تستحق ان تكون خصما لنا”. 

هذه الثنائية في المواقف داخل المنظومة الايرانية تكشف عن وجود اتجاهين داخل السلطة متناقضين الى حد كبير

هذه الثنائية في المواقف داخل المنظومة الايرانية، تكشف عن وجود اتجاهين داخل السلطة، متناقضين الى حد كبير، واحد لا يريد التهدئة مع المحيط ويسعى لاعتبار نفوذها الاقليمي “خطا احمر”، لا يمكن السماح بالمساس به تحت اي ذريعة كانت، حتى ولو كان الهدف منها استيعاب التهديدات الجدية التي يعترض لها النظام والحكومة الدينية، وبالتالي يحاول فرض ارادته ورؤيته على السلطة، في ادارة الملفات والعلاقات الداخلية والخارجية. واتجاه اخر، يدرك حجم التحديات التي تواجهها ايران واستقرار واستمرار السلطة كمنظومة حكم، وترى ضرورة التوصل الى حلول للعديد من الملفات العالقة، والتي تشكل مصدر تهديد وارباك لمشروع النظام الداخلي والخارجي، خاصة ما يتعلق بأزمة المفاوضات النووية والعلاقات الاقليمية، التي تحتل فيها ازمة الثقة مع السعودية وتطبيع العلاقة معها، اهمية كبيرة لما لها من انعكاس سلبي على الداخل الايراني، لجهة التأثير الكبير للعقوبات الاقتصادية على الاستقرار الداخل، وتهدئة الشارع الشعبي المعترض والاحتجاجات الحاصلة والتي قد تحصل في المستقبل، وايضا في التوصل الى تفاهمات تساعد على تثبيت الدور والنفوذ الايراني في الاقليم، الذي يتحقق عن طريق الاعتراف والقبول بدور الشركاء الاخيرين، وما يمثلونه على المستويين العربي والاقليمي والدولي . 

من هنا يكمن فهم حالة “التوسل”، التي ظهر بها الوزير الايراني في مؤتمر بغداد 2، في تحويل مشاركته الى فرصة لتوجيه رسالة، فيها الكثير من “التمني” للقيادة السعودية للعودة الى الحوار الثنائي وفتح باب تطبيع العلاقات، من باب التركيز على استعداد بلاده للتعاون في الجانب الامني، ومعالجة مصادر قلق الدول العربية والسعودية تحديدا، وان المدخل لذلك يبدأ من التعاون في التفاهم على اهمية الساحة العراقية، في التخفيف مصادر القلق وتلبية ضرورات الاقليم، من خلال اشارته الى سعي بلاده لمواجهة اي جهود، تسعى لتحويل العراق الى مصدر تهديد لامن ايران وامن المنطقة، وان امن ايران من امن المنطقة، وان الاستقرار في الاقليم يحتاج الى عمل جماعي بين بلاده والدول الخليجية، لانشاء نظام امني مشترك يكون بديلا عن اللجوء الى قوى من خارج المنطقة. 

الحاجة الايرانية لتطبيع العلاقة مع السعودية تصبح اكثر الحاحا في ظل ما وصلت اليه المفاوضات النووية من طريق مسدود

والحاجة الايرانية لتطبيع العلاقة مع السعودية، تصبح اكثر الحاحا في ظل ما وصلت اليه المفاوضات النووية من طريق مسدود، وان شروط اعادة تفعيل المسار التفاوضي الذي سعى لاحيائه الوزير الايراني مع مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل على هامش مؤتمر بغداد، لم يعد مرتبطا فقط بالموقف وشروط الادارة الامريكية، بل ايضا اصبح الموقف الاقليمي مؤثرا عليه، وان السعودية تملك مفتاح المساعدة في تسهيل الاتفاق النووي، وقد شكل بيان القمة السعودية الصينية والقمة الخليجية الصينية مؤخرا، مؤشرا واضحا على حجم ودور هذا التأثير في مسار المفاوضات. ولم يعد الامر مقتصرا على الازمات اليمنية او اللبنانية او العراقية، والتي ادردجت كل منها في سياقها الخاص وما تفرضه التطورات فيها، في سياسة سعودية تعتمد بوضوح مبدأ فصل المسارات.

السابق
تراجع بأسعار المحروقات.. كيف اصبحت؟
التالي
صور تهنئة بعيد الميلاد المجيد لعام 2023