حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الحوار مع النظام الإيراني «المعصوم».. «ردة إلهية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

مع استمرار الحراك الاعتراضي في ايران، بدأ يتصاعد الحديث عن امكانية حصول تواصل بين بعض مواقع القرار في النظام، وقوى سياسية ذات تأثير في الشارع، او تحظى بشيء من القبول الاجتماعي والسياسي لدى الايرانيين في الداخل، من اجل اطلاق حوار وطني يساعد في التوصل الى تسوية بين المنظومة الحاكمة والمعترضين والمحتجين. 

بدأ يتصاعد الحديث عن امكانية حصول تواصل بين بعض مواقع القرار في النظام وقوى سياسية ذات تأثير في الشارع

هذه الخطوة ان حصلت، ومن المستبعد ان تحصل، لن تكون امرا سهلا على نظام شمولي يستمد سلطته من منظومة الهية، ويضع قائده او زعميه في سياق ديني يجعله مطلق الصلاحية وبعيدا عن المساءلة، باعتباره في المثال الايراني امتدادا لسلطة ائمة اهل البيت “المعصومين” عن الخطأ، والذين انتقلت اليهم السلطة المعنوية والسياسية والدينية من النبي الرسول، الذي وصلت اليه ونزلت عليه من رب العالمين، ما يجعله ممثلا لله على الارض والحاكم باسمه والممسك بمصير العباد، بتفويض الهي مطلق الامر ومتحكم بارواحهم واموالهم واعراضهم، من دون ان يكون للطرف الاخر، الانسان او العبد الذي سلم بعبوديته او لم يسلم، حق الاعتراض او العصيان. لانه في حال الاعتراض فانه سيكون ردا على الولاية الالهية التي للحاكم، وبالتالي سيكون رادا على الله ورسوله وائمته. 

هذه الخطوة ان حصلت ومن المستبعد ان تحصل،لن تكون امرا سهلا على نظام شمولي يستمد سلطته من منظومة الهية

 

يقول مؤسس وزعيم الثورة الايرانية السيد روح الله الخميني في كتابه “الحكومة الاسلامية”، الذي أسس فيه لنظرية ولاية الفقيه والدولة او السلطة الدينية “ان نفس الولاية التي كان يملكها رسول الله والامام في تأسيس الحكومة وتلي ادارته، يملكها الفقيه”، ويضيف مؤكدا على هذا المفهوم لا يساور احد اي شك بالقول “هذا التوهم بان صلاحيات النبي في مجال الحكم كانت اكثر من صلاحيات الامام علي، او صلاحيات الامام علي في مجال الحكومة اكثر من الفقيه، فهو خطأ وباطل”. ليحسم الجدل ويقفل باب النقاش بالقول والتقرير بان “ولاية الفقيه المطلقة فهي الولاية في الامور العامة المطلقة، تثبت في جميع ما ثبت للمعصوم من السلطة على الامة الا ما استثناه الدليل”، وما استثناه الدليل هنا، يقصد منه ما قيل في عصمة الرسول والائمة، وهي عصمة عن الخطأ والباطل لا تكون لولي الفقيه.

هذه السلطة الكلية والفوقية التي يتمتع وتكون لولي الفقيه، و”العصمة” التي يكتسبها نتيجة سلوكياته وسلطته الفردانية والمتفردة والمطلقة التي تهيمن وتمنع الاعتراض، لان التابع مجبر على التقليد والتبعية من منطلق الولاء والانصياع واطاعة للامر الالهي، دفعت بعض المنظرين والمتحمسين لولاية الفقيه المطلقة، ما بعد الخميني ومن الذين عارضوه بداية، مثل رجل الدين الاشكالي والمتشدد محمد تقي مصباح يزدي، للقول بعصمة ولي الفقيه، وان البشر لا دور لهم في انتخابه او اختياره، وان الامر في صورته الحالية، ليس سوى مجرد مهمة وتوجيه الهي، انيط بالجماعة للكشف عن ولي الفقيه المطلق وليس انتخابه. كما يذهب لذلك ايضا امام جمعة طهران ورئيس جهاز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر محمد صديقي. 

هذه السلطة الكلية والفوقية التي يتمتع وتكون لولي الفقيه و”العصمة” التي يكتسبها نتيجة سلوكياته وسلطته الفردانية والمتفردة والمطلقة التي تهيمن وتمنع الاعتراض لان التابع مجبر على التقليد والتبعية

حتى الامس القريب، وبعيدا عن العشرية الاولى من عمر النظام الايراني في ثمانينيات القرن الماضي، وهو استثناء يعود لخصوصية وجود المؤسس، يمكن القول ان المرشد الاعلى وولي الفقيه المطلق السيد علي خامنئي مارس هذا الدور بكل حزم، واوضاع سمحت له بفرض رؤيته وقراره من دون الاخذ بعين الاعتبار كل الاصوات المعارضة سواء من داخل النظام او من خارجه، مستفيدا بذلك من الزخم التجربة التي بدأت مع المؤسس، ولم تكن القوى المعارضة قادرة على بناء قاعدة شعبية، او تأطير حالة الاعتراض بحيث تكون قادرة على فرض موقفها ورأيها.

من هنا نرى ان ولي الفقيه او المرشد ،كان يختار اللحظة الحاسمة للتدخل ليفرض المسار الذي يريده، في مواجهة الانتفاضات او الاعتراضات، سواء تلك التي قام بها الطلاب وانتهت بفاجعة جامعة طهران عام 1998، او تفريغ التجربة الاصلاحية ونافذة الحريات الاعلامية والسياسية والاجتماعية التي فتحتها رئاسة محمد خاتمي من مضمونها، وصولا الى الحركة الخضراء عام 2009، بحيث كان قادرا على اتخاذ قرار بوضع مير حسين موسوي ومهدي كروبي في الاقامة الاجبارية، ضاربا بعرض الحائط كل الاصوات التي دعت الى اعادة النظر بهذه القرار من داخل التيار الموالي للولي الفقيه “المحافظ” او القوى الاصلاحية والمدنية، وصولا الى الذهاب الى استخدام العنف في التصدي للحركات المطلبية عام 2016 و2019، في رئاسة حسن روحاني على خلفية الازمة الاقتصادية. 

المرشد في العقود الماضية الى ما قبل الاشهر الثلاثة الماضية، لم يكن يواجه اي صعوبة في دفع اجهزة النظام والمنظومة الحاكمة، لتنفيذ توجيهاته واوامره. ولم يكن يدخل على خط اي ازمة، الا عندما تجتمع في يده كل خيوط الموقف، ليكون خطابه او اوامره بمثابة “فصل الخطاب” كما دأب مناصروه على وصف ذلك، وعندها يأتي موقفه او تدخله، بمثابة نقطة النهاية لاي حركة احتجاج او تظاهرة مطلبية، وبعد ان تكون الاجهزة قد انتهت من قمع هذه التحركات و”أطفأت غائلة الفتنة والمؤامرة”. 

المرشد في العقود الماضية الى ما قبل الاشهر الثلاثة الماضية لم يكن يواجه اي صعوبة في دفع اجهزة النظام والمنظومة الحاكمة لتنفيذ توجيهاته واوامره

لكن ما يختلف عن الاحداث الحالية وما كان يواجهه النظام من اضطرابات سابقة، ان القوى التي كانت تخرج معترضة في المحطات الماضية، لم تكن مختلفة في جوهرها في العلن على الاقل مع ماهية النظام، وكانت ترفع شعار الاصلاح من داخل النظام وتعترض على جزء من المنظومة الحاكمة وتحت سقف الدستور، ولم تستهدف المنظومة عامة في في مبانيها الثقافية والسياسية والفكرية والعقائدية،  التي واجهها النظام. وحتى احداث عام 2019 يمكن ادراجها في هذا التصنيف.

الشارع الايراني الداخلي في حركته الاعتراضية وضع النظام وسلطته الحاكمة امام تحد لم يمر فيه من قبل

المختلف في الاحداث والاحتجاجات التي تعيشها ايران منذ اكثر 70 يوما، وبعيدا عن الخطاب الصادر عن اطراف واحزاب وجماعات المعارضة في الخارج، التي لم تستطع التلاقي على خطاب مستقبلي حتى الان، لشكل وطبيعة النظام الذي تريده بديلا عن النظام القائم، فان الشارع الايراني الداخلي في حركته الاعتراضية، وضع النظام وسلطته الحاكمة امام تحد، لم يمر فيه من قبل. فطبيعة الاحتجاجات هذه المرة تختلف عن سابقاتها، والقوى الاصلاحية او التي تقبل العمل تحت هامش محدود من الحرية، وفي ظل الاصول الدستورية لا وجود لها في الشارع، وهي غير قادرة ايضا على التواصل مع الشريحة الشبابية التي تمسك بعصب الاحتجاجات، وترسم خارطة الاعتراض وشعاراتها واهدافها، ما جعل النظام ينظر على هذه التحركات باعتبارها نقضيا وتهديدا لماهيته الدينية والولائية وآلياتها السلطوية، وان اي خطوة تراجعية او اعترافية بهذه التحركات، وقبول الحوار حول الشعارات التي ترفعها، هو بمثابة انتحار، لان اي تنازل في هذا الاطار سيجر النظام الى تنازلات اخرى، لا تعرف حدودها واين ستقف، لذلك تجد المنظومة الحاكمة نفسها مجبرة على الذهاب الى اقسى حدود القمع والعنف، دفاعا عن نفسها ومكتسباتها ومصالحها، وتغليف هذا الخيار بالبعد العقائدي والتأمر، او المؤامرة المركبة التي تسير باتجاهين، التخريب العقائدي والثقافي لهوية النظام الاسلامية من ناحية، والعمل على اضعاف قدراته والدفع باتجاه تقسيم ايران من ناحية اخرى، بما يساعد اعداء النظام، وهنا العدو لم يتغير اسمه الامريكي والاسرائيلي والبريطاني والسعودي، بتقليم اظافر النفوذ والدور الاقليمي. 

السابق
«طحين مشبوه».. تجمع «الأفران الصغيرة» يرفع الصوت ويُناشد القضاء!
التالي
بيليه «الأسطورة البرازيلية» بخير.. ويرفع كأس العالم-البرازيل السادس!