الشاعر الراحل حسن العبدالله يتحدث من عليائه الى الشاعر أسعد الجبوري!

خص الشاعر أسعد الجبوري “جنوبية” بجزء من حوار (افتراضي) مع الشاعر الراحل حسن العبدالله:
(ضيف الليلة
الشاعر اللبناني حسن العبد الله
في بريد السماء الافتراضي)
“س:هل للقصيدةِ قميصٌ بأزرار .ومنْ قاطفها يا حسن؟
ج/ليس لها من الثياب القمصان فقط،هي تملك السراويل وحمالات الجبال بالتأكيد.وإما القاطفون فهم أولئك الذين أخذتهم غوايةُ قطف الفواكه والورد والخضروات،خاصة بعدما تخلّت النساء عن قطفنا أو عن فتح بابٍ من الأبواب التي منحها اللهُ لجسد الشاعر.
س:هل كان القطفُ بهدفِ فتح طريق إلى ما وراء قماش القميص؟
ج/لا أظن إن امرأةً أرادت يوماً فتحي على الرغم من قلبي الذي كان مفتوحاً دون عمل جراحي .
س:لِمَ تقولُ ذلك .هل كانت أوزان أقفالك ثقيلةً يا حسن ؟
ج/ربما. فوزني لا ينتمي لوزن الريشة أو الذبابة أو وزن سيف خالد بن الوليد ،إنما بقي بحدود وزن الطفولة.
س:ألا ترى أن ( تطفيل) الشعر ،يُفقدهُ القصيدة بعدها البلاغي العميق؟
ج/ومن قال بأنني ضفدعٌ يحاولُ رمي نقيقهِ ببئر البلاغة العميق؟ لقد عشتُ فلسفتي الناقصة بطريقتي ،وقفزتُ على الموانع الفلسفية في ماراتون البهلوانات والسادة الأكابر ومعلمي العاصفة والمطر والغرام الأعرج،فكنتُ شاعراً زراعياً في حقول المألوف المنتوف الملهوف بألبان البراري وبأصوات الرّيح المخزونة في بواطن المشمش والعصافير والتفاح والفجل والأرانب والبندورة ورصانة الجبن ورائحة النعنع والهجرة والتبغ.
س:ألا تعتقد بأن تعلقك بالطفولة ،كان مرضاً لفراغ عضال يا حسن ؟
س:أجل. لكن ذلك أحب لقلبي من أمراض حمى الحكم والأحلام المُولِدة للقهر وتجميع الدموع في عيون الورق أو في الطشوت.
س:أأنتَ طفلٌ في دفتر أم في رحلة أم في كأس؟
ج/أنا من براغيث اللغة. تعلمتُ ديالكتيك الكتابة في البراري الموحشة الممطرة واللادينية ،دون التخلي عن أغاني الباطن التي كانت تنقلني بسيرفسات الخيام بيروت.تلك الأغاني التي طالما استمعتُ إليها مَبثوثةً من مُرسلّات آتيةٍ من الغيب.
س:هل كانت الطفولةُ نوعاً من العرفان برأيك يا حسن ؟
ج/لا أظن ذلك.ربما لأنني اعتبرتُ العرفان حبلاً لغسيل ثياب الأطفال.وأظنُ أن الحياةَ لم تمنحني ولو دمية بعير ،يمكن أن أرتمي على ظهره وألعبُ بسنامه فاجْذلَ نفسي لساعات أو دقائق.
س:هل تحبُ الإبلُ؟
ج/نعم.فثمة شبه كبير ما بين القصائد وبين الإبل،تارة نجدهُ بالأسْنِمة لحفظ الدهون الطاقة ،تقابلها في الشعر المخيّلة بمخزونها التصويري.أو بتحمل الإبل للحرارة والتكيف مع العواصف الرملية دون الإضرار بالرؤية.والأهم من كل هذا وذاك إرادة الجمل بغلق فتحات أنفه لحماية نفسه من الاختناق.
س:لمْ تذكر الحُداءَ يا حسن؟!!
ج/ الحُداء لنا فقط. فطالما وجدتُ حنجرتي مُثمرةً بالغناءُ العميق لتلك الأباعير التائهة في تيه الصحارى الوعرة بداخلي.أضف إلى ذلك صفات الجمل الأخرى كحيوان صبور حقود لا ينسى الإهانات وقوي الذاكرة.
س:إزاء هذا التشابك ما بين البعير والشعر،كيف يكون صبر القصائد على الشعراء .وهل مررت بتلك التجربة شخصياً يا حسن؟
ج/الذي حدث لي في قصيدة (الدردارة ) هو انتقام شعري من جسد الكسل.
س:هل لأن الشعر كان صبوراً عليكَ أم العكس كان صحيحاً ؟
ج/أعتقد بأن زمني فاض بتربةِ الدردارة،دون أن أتمكن من التحكم بمجرياته الشاقة بكلّ ما حملت من كلماتها من أحلام وطقوس ونباتات.
س:كأنك كنت بقصيدة الدردارة جامعاً للعناصر الأربعة في خلايا لغوية متعدّدة .واحدة تنزل ماء في التراب،فيتبعها الهواءُ لاستكمال التكوين بالنار.هل تشعر بصحة فكرة مثل هذه؟
ج/بالتأكيد نعم. فقد قابلتُ صبر الشعر بالصبر العضوي ، فكنت مُطيعاً الأرضَ ونازلاً بالماء في الخلايا الأرضية وكاتباً بيد الهواء صفحات الوجود بالنار ،حيث التكوين غوصاً على غرار التركيب الضوئي للنباتات كي تبرز الطاقةُ بكلّ تجلياتها الكيماوية البيولوجية الفيزيولوجية .
س:طاقة لتغذية كائنات الأرض أم كائنات اللغة ؟
ج/أنا لا أفرق ما بين ماعز الجنوب وبين عضلات الجرجاني اللغوية.كلاهما خلايا حية بالتأكيد.
س:هل أردت أسطرت نبع الخيام (الدردارة) البسيط ،وإغراق القارئ بمحمولات لغوية تقطعُ الأنفاس،علماً بأن الدردارة يمكن أن يكون كيس ماء بإحدى رئتيك ولا يحتاج إلا لعمل جراحي بسيط ؟
ج/يمكنك التفكير بما تشاء.فأنا ماركسي يساري يؤمن بالحرية، وربما يأكلها نيئة مع العظام .إلا أنني أسألك عن ذلك الكيس المائي ،ومن أفشى لك سرّهُ ؟!!
س:هل كان الكيس حقيقياً، لترّد على سؤالي بسؤال .أم هي طريقة للتحايل والاحتيال في بناء قصة خادعة يا حسن؟
ج/ دعني أخبركَ بسر غريب تجلّى بعثوري على كيس ماء برئتي اليسرى .لم يخيفني ذلك الأمر.فقد كتمتُ بنفسي عليه،متوخياً أن يرزقني الباري كيس ماء آخر يملأ رئتي اليمنى،فأحفر للاثنين مجرى أطلق فيه مياه الكيسين ليصيرا نهراً ينزلُ من صدري لتراب الأرض.لكن تلك المعجزة باءت بالفشل،لتبقى الدردارة مسيطرة على أرض الخيام ورأسي.
س:ألا ترى أن فطريتك الجغرافية المتطرفة،قد لعبت بالنصوص لعبةً سلبية؟
ج/أنا أبن الفطرة التي استيقظت من نومها لتفلح بالأرض مبكراً.كان بعضي من طينٍ.وبعضٌ آخر شعري.وجغرافية الطين عندي أهم من طوبوغرافيات الورق.
س:وماذا عن بقية متفرقاتك يا حسن؟
ج/إذا كنت تقصد خُرْدَواتي، فأنا تركتها للنسوان.ذلك ما يجعلني مُطمئناً لمشاعر قلبي الطيني بعد الموت”.

إقرأ أيضاً : الشاعر حسن عبدالله «يعتذر».. عن الغياب!

السابق
بيان لـ «المالية» بشأن سعر الصرف الرسمي!
التالي
استقبلت آلاف الزوار على مدار العام.. نافذة على آثار صور في اليوم العالمي للسياحة