حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: واشنطن لطهران.. الطريق إلى المفاوضات تمر بـ «خاركوف»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما هي التأثيرات التي عكستها التطورات الميدانية للحرب الروسية الاوكرانية، على مفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي بين السداسية الدولية وايران؟ سؤال تفرضه ما شهدته جبهة خيرسون والهجوم المضاد او المعاكس الذي شنته القوات الاوكرانية ضد القوات الروسية على هذه الجبهة، والاعتراف الروسي بتحقيق كييف تقدما عسكريا، قد يعيد قلب الموازين الميدانية، خاصة وان سيطرة الاوكرانيين على خاركوف محيطها، يقطع او يعطل خط الامداد والدعم الرئيس الذي يربط بين العمق الروسي ومنطقة الدونباس. ما يعمق الازمة الروسية ويطيل امد الحرب، وقد يحولها الى حرب استنزاف حقيقي، قد تدفع موسكو الى خيارات اكثر تشددا وتصعيدا. 

فمن ردة الفعل الاوروبية الاولى ووصف الرد الايراني حول مسودة التفاهم، وما تضمنه من ملاحظات امريكية بانه رد ايجابي، سواء على لسان منسق السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل الذي يتولى مهمة الوسيط بين واشنطن وطهران في الحوار الثنائي غير المباشر، او على لسان كبار مسؤولي الترويكا الاوروبية المعنيين بالملف التفاوضي. الى عودة دول الترويكا للتصعيد وتحذير ايران من الاصرار على مواقفها وشروطها، وامكانية ان يؤدي ذلك الى الاطاحة بكل جهود الحل، ونقل الملف الى مستويات اكثر تعقيدا وتشددا، يمكن التوقف عند عدة محطات قد تساعد في فهم هذا التحول في الانتقال من الايجابية الى السلبية. 

موقف الترويكا الاوروبية الرافض للمطلب الايراني بضرورة افقال الملف البرنامج النووي في الوكالة الدولية،جاء بعد الزيارة غير المعلنة لوزير الخارجية الامريكية انتوني بليكين الى العاصمة الاوكرانية كييف

فموقف الترويكا الاوروبية الرافض للمطلب الايراني بضرورة افقال الملف البرنامج النووي في الوكالة الدولية، جاء بعد الزيارة غير المعلنة لوزير الخارجية الامريكية انتوني بليكين الى العاصمة الاوكرانية كييف، والاعلان عن رزمة جديدة من الدعم العكسري والسياسي والاقتصادي لحكومة كييف في حربها ضد الهجوم الروسي. 

بليكين بعد كييف، عقد لقاءا مع نظرائها الاوروبيين وزراء خارجية الترويكا الاوروبية في مقر حلف النيتو في بروكسيل، لبحث اخر التطورات في ملف التفاوض مع ايران وما وصلت اليه جهود اعادة احياء الاتفاق النووي، حيث اتفق المجتمعون على موقف موحد من المطلب الايراني، وضرورة عودة طهران الى الاتفاق من دون شروط اضافية. ما يعني اجماعا اوروبيا امريكيا على موقف موحد من الشروط الايرانية، وبالتالي انتقال عواصم الترويكا من دائرة الوساطة ومحاولة تدوير الزوايا بين واشنطن وطهران، الى دائرة التشدد والحد من الابتزاز الايراني على خلفية الحاجة العالمية لمصادر طاقة بديلة عن المصادر الروسية. 

الموقف الاوروبي شكل صدمة للجانب الروسي عبر عنها مندوب روسيا في المفاوضات ميخائيل اوليانوف بوضوح في كلامه مع نظيره المفاوض الفرنسي فيليب ارورا

الموقف الاوروبي شكل صدمة للجانب الروسي، عبر عنها مندوب روسيا في المفاوضات ميخائيل اوليانوف بوضوح، في كلامه مع نظيره المفاوض الفرنسي “فيليب ارورا” واعتبر الرد الايراني “لا يشكل عائقا جديا في الوصول الى اليوم الاخير، يمكن بسهولة ايجاد طريق للحل، .. لم يعد هناك مفاوضات فعالة، وهذا خطأ نرتكبه”. 

الصدمة الروسية من الموقف الاوروبي الامريكي التصعيدي المشترك، تعود لتداعيات عدم التوافق، خاصة من بوابة رفض هذه الدول الاستجابة للمطلب الايراني المتعلق بعمل الوكالة الدولية، وامكانية ان ينتقل البحث في مسألة عدم التعاون الايراني، مع اسئلة واستفسارات الوكالة حول المواقع المشتبه باستخدامها في انشطة نووية غير مصرح عنها، الى بحث احالة هذا الملف مجددا لمجلس الامن الدولي، وما يعنيه ذلك من امكانية تفعيل “آلية الزناد”، التي تعيد وضع جميع قرارات العقوبات الصادرة عن مجلس الامن موضع التنفيذ، بما فيها البند السابع.

تدرك موسكو الاثار السلبية للاجماع الدولي في اعادة تفعيل العقوبات الدولية ضد ايران مع عدم امكانية استخدام حق الفيتو ضدها

وتدرك موسكو الاثار السلبية للاجماع الدولي في اعادة تفعيل العقوبات الدولية ضد ايران، مع عدم امكانية استخدام حق الفيتو ضدها، خاصة في ظل ما تتعرض له من عقوبات هي الاخرى نتيجة هجومها على اوكرانيا، وما ينتج عنها من عراقيل امام تطبيق سياسة الالتفاف على العقوبات عبر ايران الذي تراهن عليه مع احياء الاتفاق النووي. 

النظام الايراني، وبعد تفكيك عقد شروطه السابقة، ان كان في سحب مسألة العقوبات على مؤسسة حرس الثورة، او ما يتعلق بالضمانات الامريكية بعدم الانسحاب والحصول على عائدات تجارتها مع الاسواق العالمية، او في عودة الاستثمارات الاجنبية للعمل داخل ايران، فانها عمدت الى تقديم ضمانات تترتبط بتغيير جوهري في تعاملها مع الولايات المتحدة الامريكية، على العكس من عام 2015، باعلان رسميا عن فتح الاسواق الايرانية والمشاريع الاستثمارية امام الشركات الامريكية تحديدا، في خطوة تعتبر تطورا لافتا وتحولا غير مسبوق، في كسر الحواجز والانفتاح على نوع جديد من العلاقة مع واشنطن. 

الاصطدام بالتشدد الاوروبي الامريكي في الموقف من آليات عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتبرته طهران نتيجة لتأثيرات الدور الاسرائيلي وضغوط تل ابيب، على المفاوضين الغربيين لمنع التوقيع على الاتفاق الجديد

الاصطدام بالتشدد الاوروبي الامريكي في الموقف من آليات عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، اعتبرته طهران نتيجة لتأثيرات الدور الاسرائيلي وضغوط تل ابيب، على المفاوضين الغربيين لمنع التوقيع على الاتفاق الجديد، وان موقف الوكالة يعتمد على ما تقدمه تل ابيب من معلومات، سبق ان استولت عليها في عملية امنية من داخل ايران، وبالتالي دعت هذه الدول لعدم الوقوع تحت تأثير طرف ثالث لا يريد التوصل الى اتفاق .

في مقابل تمسك طهران بالمسار التفاوضي والوصول الى نتائج ايجابية، الا ان تزايد الحراك الاسرائيلي وما يملكه من معلومات وثائق تتعلق بالانشطة النووية غير المعلنة، شكلت الاساس الذي بنت عليه الوكالة الدولية موقفها رفض مديرها رافاييل غروسي الاتهام الايرانية بالعمل ضمن الرغبات الاسرائيلية، وتأكيده ان “لا تقدم حاليا في التحقيق الجاري في الانشطة النووية الايرانية”، الذي يرفض تقديم اجابات واضحة لاسئلة الوكالة.

هذه المواقف تبقي المفاوض الايراني في دائرة القلق، في حالة عدم توازن، ومراجعة مواقفه التي اهدرت فرصة الاستفادة من الحاجة العالمية لمصادر طاقة جديدة، فضلا عن فرصة الخروج من دوامة العقوبات، وما يعنيه ذلك من تدفقات مالية تعيد تشغيل عجلة الاقتصاد الايراني المترنح. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طهران تتشدد وواشنطن ترفض وتل ابيب تنتظر!

السابق
بعدسة «جنوبية»: المبادرة الرئاسية لقاء بين نواب «التغيير» و«الكتائب»
التالي
«قفزة» بسعر الدولار