حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طهران تتشدد وواشنطن ترفض وتل ابيب تنتظر!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما من شك ان القيادة الاسرائيلية عاشت حالة من التوتر غير المسبوقة في الاسابيع الاخيرة، خاصة مع الاجواء الايجابية التي رافقت جولات التفاوض غير المباشر بين واشنطن وطهران، والتي استطاعت تذليل الكثير من العقبات والعقد وتقريب وجهات النظر بين الطرفين، التي تساعد وتسهل عملية اعادة احياء اتفاق فيينا النووي عام 2015 او خطة العمل الشاملة المشتركة بين ايران ومجموعة السداسية الدولية 5+1. 

وجميع المتابعين والمهتمين بالمسار التفاوض، توقف عند استنفار جميع مستويات القيادة الاسرائيلية، التي رفعت الصوت محذرة واشنطن من العودة الى الاتفاق، في ظل ما يتسرب عن حجم التنازلات التي حصلت عليها ايران من المجموعة الدولية. ومروحة المواقف الاسرائيلية اصطدمت بموقف امريكي متشدد، يترجم رغبة ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن في التوصل الى هذا الاتفاق، الامر الذي دفع تل ابيب للحديث عن خطط منفصلة عن واشنطن، ستعتمدها لمواجهة تداعيات عودة طهران الى المجتمع الدولي عليها. 

دخول المفاوضات في حالة التعليق الذي يضعها على حافة الانهيار وسيسعى الطرفان الامريكي والايراني ومعهما عواصم الترويكا الاوروبية لتدوير الزوايا

ردة الفعل الامريكية المقتضبة على الرد الايراني، على المسودة التي قدمها الوسيط الاوروبي جوزيب بوريل الى القيادة الايرانية، ووصفه بانه “غير بناء”، اعاد الامور الى الدائرة الاولى ووضع امكانية التوصل الى اتفاق جديد على حافة الانهيار، نتيجة التشدد الايراني وتمسكه بالشروط التي وضعها، كمدخل لاعادة احياء الاتفاق، وهذه الشروط تتعلق بالنقاط الخاصة بالعلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومطلب انهاء ملف اسئلة الوكالة حول مصادر التلوث بيورانيوم عالي التخصيب، في ثلاثة مواقع لم يسبق لايران الاعلان عنها واخضاعها للرقابة الدولية، واعلان اقفال هذا الملف في الوكالة الدولية، ووقف المسار الذي يسمح لمجلس حكام الوكالة احالته الى مجلس الامن الدولي، وما يعنيه من امكانية تفعيل “آلية الزناد”، التي تسمح باعادة تفعيل العقوبات الدولية، من دون ان يكون لاي من اعضاء المجلس حق النقض وتعطيلها. 

وصف الخارجية الامريكية الرد الايراني بغير البناء، جاء على العكس من الاجواء الايجابية التي رافقت المفاوضات غير المباشرة بينهما في الاسابيع الاخيرة، وامكانية ان يذهب الطرفان الى التوقيع على ورقة تفاهم تفتح الطريق لاعادة احياء اتفاق فيينا 2015. وهذا يعزز الاعتقاد بان تمسك الولايات المتحدة بموقفها من الطلب الايراني، نتيجة المخاوف الدولية من امكانية ان تشكل هذه الخطوة غطاء لانشطة ايران النووية، والعمل على تطوير برنامجها العسكري بعيدا عن الرقابة الدولية، ومن دون ان تكون مجبرة على تقديم اجابات عن انشطتها السرية او غير المعلنة. 

ردة الفعل الامريكية المقتضبة على الرد الايراني على المسودة التي قدمها الوسيط الاوروبي جوزيب بوريل الى القيادة الايرانية، ووصفه بانه “غير بناء”

واشنطن استطاعت في موقفها الرافض للشروط الايرانية، ان تضع النظام في طهران بمواجهة مباشرة مع الوكالة الدولية، وتحديدا مع رئيسها رافائيل غروسي، الذي تتهمه طهران بتنفيذ اجندة اسرائيلية ضدها، على خلفية التعاون الوثيق القائم بين الوكالة والحكومة الاسرائيلية واستخدام الوثائق التي استولى عليها جهاز الموساد من منشأة طورقوزآباد والتي تتضمن ارشيفا كاملا حول الانشطة السرية لطهران. والتي على اساسها طرحت الوكالة اسئلتها الاخيرة حول المواقع الثلاثة موضوع الخلاف وشكلت الاساس الذي بنى عليه مجلس الحكام قرار الادانة واعادة فتح ملف هذه الانشطة بعد اقفاله اواخر عام 2015. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب «جنوبية»: رئيسي «يُفاوض» المرشد الإيراني..قبل الأميركي!

وعلى الرغم من المؤشرات الايجابية التي ارستلها طهران حول امكانية الاستجابة لمطالب الوكالة الدولية، والاجابة على هذه الاسئلة في المرحلة التالية لاعادة احياء الاتفاق، الا انها في المقابل طلبت الحصول من الولايات المتحدة والترويكا الاوروبية على ضمانات اكيدة، وتعهدات جدية باقفال هذا الملف وعدم العودة اليه مجددا في المستقبل، بما يضمن لها التخلص من مصادر القلق الناتج عن الوثائق، التي استولت عليها اسرائيل وتقوم بتقديمها الى رئيس الوكالة الدولية غروسي. 

دخول المفاوضات في حالة التعليق الذي يضعها على حافة الانهيار، سيسعى الطرفان الامريكي والايراني ومعهما عواصم الترويكا الاوروبية لتدوير الزوايا، والبحث عن مخارج تعيد وضع المفاوضات على سكة التوافق من جديد. خاصة وان العقبة التي ظهرت في اللحظات الاخيرة، وان كانت ذات طابع فني فيما يتعلق بالانشطة النووية، الا ان الخروج منها يحتاج الى قرار سياسي من الطرفين، يقوم على تنازلات لا تضع اي منهما في موقع الخاسر. 

تل ابيب تدرك انها ستكون حتميا في المستقبل امام اتفاق دولي مع ايران لكنها لن تكون قادرة على تعطيل هذه الارادة والمساعي

في المقابل، وحتى الرابع عشر من ايلول، الموعد الذي حدده الكونغرس لجلسة الاستماع مع مندوب الادارة الامريكية في الملف الايراني، ومسؤول الفريق التفاوضي روبرت مالي، حول اخر تطورات المفاوضات وتفاصيل الاتفاق الجديد، يبدو ان القيادة الاسرائيلية ستكون في حالة من الاسترخاء، لانها استطاعت التأثير المباشر على المسار التفاوضي، وتعطيله مرحليا، نتيجة تعاونها مع الوكالة الدولية، والوثائق التي قدمتها عن الانشطة السرية الايرانية. وهذا لا يعني انها ستتخلى عن جهودها وضعوطها لتطوير هذا الموقف، ودفع الادارة الامريكية لعدم التوافق واعادة ايران الى المجتمع الدولي، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها وتسهيل حصولها على اموالها المجمدة في البنوك الخارجية. 

واذا ما كانت تل ابيب تدرك انها ستكون حتميا في المستقبل امام اتفاق دولي مع ايران، وانها لن تكون قادرة على تعطيل هذه الارادة والمساعي، قد تعمد في المقابل لتوظيف هذه الوقفة او التعطيل، في تعزيز موقفها التفاوضي المتعلق بازمة ترسيم الحدود مع لبنان وما يرتبط به من مطالب لبنانية حول الاستكشاف والتنقيب والاستخراج، بالتزامن مع الترسيم. من دون ان تسقط الرهان على موقف تصعيدي في الكونغرس، قد يدفع الى تأجيل الاتفاق الايراني الى ما بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل. 

السابق
كُلّ شيء أو لا شيء: سياسة الطاقة الأمريكية تجاه لبنان
التالي
دار الفتوى توجه الدعوات للنواب السُنّة..واسامة سعد وحليمة القعقور يعتذران!