حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: إيران«تفاوض» نفسها!

يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

هل حسم النظام الايراني امره، وقرر العودة الى طاولة التفاوض والقبول بما هو مطروح من قبل الادارة الامريكية؟ ام ان الانقسام الداخلي بين فريق مؤيد للتفاوض واخر معارض سيبقى مسيطرا على صناع القرار، ويمنعه من اتخاذ خطوة حاسمة تضع حدا لحالة انعدام الوزن والمرواحة في المفاوضات، وان يحدد خياراته بين اعادة احياء الاتفاق او اعلان وفاته؟ 

لم يكن المتحدث باسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني قادرا على اعلان عودة بلاده الى طاولة المفاوضات، ما لم يكن هذا القرار صادرا عن الجهة المعنية او المكلفة بملف التفاوض والازمة النووية وجهود اعادة احياء اتفاق فيينا بين ايران والسداسية الدولية. 

العودة الى التفاوض يأتي بالتزامن مع الخطوات التصعيدية التي لجأت لها طهران في موضوع التخصيب، وتركيب اجهزة طرد مركزي متطورة من نوع IR6

الموقف الذي اعلنه كنعاني لم يكن قرارا صادرا عن وزارة الخارجية، بل جاء نتيجة وخلاصة مناقشات شارك فيها، شهدتها اورقة المجلس الاعلى للامن القومي في الايام الاخيرة، خاصة بعد الورقة التي قدمها مفوض السياسات الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل، لطرفي التفاوض في طهران وواشنطن. وان قرار العودة الى طاولة التفاوض غير المباشر مع الولايات المتحدة الامريكية، هو قرار صادر عن المرشد الاعلى الذي يعتبر اعلى سلطة قرار في النظام، بالتنسيق مع ممثله في المجلس الاعلى وسكرتيره والمسؤول عن ملف التفاوض والاتفاق النووي علي شمخاني. 

العودة الى التفاوض يأتي بالتزامن مع الخطوات التصعيدية التي لجأت لها طهران في موضوع التخصيب، وتركيب اجهزة طرد مركزي متطورة من نوع IR6 والتي قد تستخدم في انتاج يورانيوم بدرجة 20 او 60 في المئة، الهدف منها تحسين شروطها التفاوضية، والضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاقفال النقاش حول اتهامها بخرق التزاماتها وقطع الطريق على احالة الملف على مجلس الامن الدولي من جديد. مع الاصرار على عدم تفعيل كاميرات المراقبة الخاضعة لبنود الاتفاق، الى جانب الاستمرار بتعليق عمليات التفتيش المباغت وغير الروتينية. 

عودة طهران الى التفاوض يأتي بعد تقديمها لتنازلات اساسية لا تنسجم مع السقف العالي الذي وضعته في الجولات السابقة

وعلى الرغم من لجوء الادارة الامريكية عشية عودة الطرفين الى طاولة التفاوض، الى اعلان سلة جديدة من العقوبات على عدد من الشركات الايرانية او المتعاملة مع ايران في قطاع النفط، يحمل رسالة امريكية واضحة للقيادة الايرانية، بان التفاوض لن يكون بالشروط الايرانية، وتعبير عن عدم الثقة الامريكية بقدرة المفاوض الايراني على احداث فرق جوهري في هذه الجولة عن سابقاتها، وان المفاوض الايراني سيعيد طرح المطالب الايرانية بلغة مختلفة. 

في المقابل، فان عودة طهران الى التفاوض، يأتي بعد تقديمها لتنازلات اساسية لا تنسجم مع السقف العالي الذي وضعته في الجولات السابقة. فالجلسة المرتقبة بين علي باقري كني والمبعوث الامريكي روبرت مالي في فيينا، ستجري بعد ان تخلت طهران عن شرط رفع العقوبات عن قوات حرس الثورة الاسلامية، مقابل الحصول على وعد امريكي باخراج الشركات الاقتصادية التابعة لهذه المؤسسة عن لائحة العقوبات. 

اما فيما يتعلق بالضمانات الاقتصادية، ومطلب الحصول على العائدات المالية لنشاطاتها التجارية والاقتصادية، ومبيع النفط والغاز في الاسواق الدولية، وما يعنيه ذلك من عودة ايران الى نظام الدولي للتحويل المالي “سويفت”، فان المخرج الذي اقترحته واشنطن وقبلت به طهران، هو السماح لعدد من البنوك الدولية المحددة والتي ترغب في التعامل مع ايران، باجراء عمليات التحويل من دون التعرض لاي عقوبة. بانتظار حسم النظام موقفه من مسألة الانضمام الى معاهدة FATF لمحاربة تمويل الارهاب وتبييض الاموال ودعم الجماعات الارهابية. خاصة وان ايران سبق ان ادرجت على اللائحة السوداء لهذه المعاهدة. 

وفي موضوع الضمانات السياسية وعدم انسحاب واشنطن مستقبلا من الاتفاق، وتكرار ما قام به الرئيس السابق دونالد ترمب، فان ادارة الرئيس جو بايدن، لم تقدم اي التزام في هذا الاطار، يلزم اي رئيس مقبل او ادارة جديدة، وان الضمانة السياسية الوحيدة التي قد تحصل عليها طهران، هي التزام هذه الادارة بالاتفاق حتى نهاية ولايتها بعد سنتين. 

امكانية التوصل الى نتائج ايجابية في جولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن ستضع النظام والمنظومة الحاكمة في مواجهة مأزق

امكانية التوصل الى نتائج ايجابية في جولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، ستضع النظام والمنظومة الحاكمة في مواجهة مأزق التعامل مع القانون الذي دفعت لاقراره بالبرلمان في نوفمبر 2020، تحت عنوان استراتيجية الحفاظ على الحقوق النووية والدفاع عن المصالح في الاتفاق، والذي اقر حينها لقطع الطريق على الرئيس السابق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، ومنعه من احياء الاتفاق من جديد، بانتظار حصول التغيير في السلطة التنفيذية واستلامها من قبل ابراهيم رئيس بعد انتخابه رئيسا للجمهورية. 

امام هذه المعضلة، قد يكون تدخل المرشد الاعلى بصفته وليا للفقيه، والجهة التي تشخص وتحدد المصالح الاسترايتيجية للنظام والدولة، المدخل الذي يسمح بالالتفاف على هذا القانون، وان يعمد لاستخدام صلاحياته بتعطيل القوانين بما فيها هذا القانون، وبالتالي يفتح الطريق امام اعادة احياء الاتفاق والقبول بما جاء فيه من شروط والتزامات قديمة وجديدة. 

لا شك ان النظام الايراني يرى ان العودة الى الاتفاق النووي، تنسجم مع تمسكه بالمفاوضات وعدم اقفال باب التفاوض مع الجهات الدولية، في استراتيجية تتجاوز الازمة النووية، وان النجاح في هذه الخطوة سيسمح لطهران بالتفرع لمعالجة ملفاتها المتوترة في منطقة غرب آسيا، وصولا الى ما تواجهه من تحديات في اقليم الشرق الاوسط، بالاضافة الى تفعيل التفاهمات والاتفاقيات التي عقدتها مع حلفيها الشرقيين الروسي والصيني، والتعاون بينهم لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية. 

السابق
تاريخ النهضة في جبل عامل(4): «العرفان» تنقل ثقافة العامليين الى بلاد العرب 
التالي
خطوة تُثير تساؤلات «مريبة».. المصارف تُضرب على مين؟!