حسن فحص يكتب «جنوبية»: رئيسي «يُفاوض» المرشد الإيراني..قبل الأميركي!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما يجمع بين الرئيس الايراني السابق حسن روحاني مع خلفه الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي، ان عهديهما في الرئاسة، وخلال السنة الثانية من توليهما للسلطة التنفيذية، شهد مع روحاني وسيشهد مع رئيسي في الايام القليلة المقبلة، التوقيع على اتفاق مع السداسية الدولية لحل ازمة البرنامج النووي والانشطة المرتبطة به، خاصة ما يتعلق بمسألة الانشطة التي توصل او تحمل طابعا عسكريا.

الا ان ما يميز بينهما كثير، سواء لجهة الصراع الداخلي بين القوى السياسية حول تداعيات الاتفاق والخروج من دائرة العقوبات ، والعودة الى تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي والتزاماته، وانعكاسها على معادلة السلطة وتوزيع موازين القوة بين الاطراف المتنافسة على مستقبل النظام، او لجهة البنية النفسية لشخصية كلا الرئيسين، وكيفية تعاملهما مع التحديات التي تعترضهما في تسويق انجازات ادارتيهما. 

اسباب احباط جهود روحاني في قطف ثمار الاتفاق النووي سياسيا واقتصاديا انه خاض معركة متشعبة شارك فيها الداخل والخارج على حد سواء

تصدي روحاني للمسار التفاوضي مع السداسية الدولية، كان نتيجة تلقفه للحظة التاريخية التي بدأها النظام في التفاوض السري مع الولايات المتحدة الامريكية في سلطنة عمان.

وراهن على نتائج هذه المفاوضات في قلب المعادلة الداخلية، وقدرته على حل الازمات الاقتصادية، وعودة التدفقات المالية التي تساعده على فرض نفسه وفريقه السياسي، شريكا في السلطة لا يمكن تجاوزه. 

وعلى الرغم من ان قرار التوقيع على الاتفاق لم يكن في نطاق صلاحيات روحاني، ومن غير الممكن ان يقدم على هذه الخطوة من دون موافقة وقبول المرشد الاعلى للنظام الذي يملك صلاحية القرار الاستراتيجي، الا ان السلوك السياسي والتفاوضي الذي اعتمده روحاني، اوحى وكأنه المسؤول الاول والاخير عن هذا القرار وما نتج عنه من اتفاق، وفتح الباب امام الفريق المعارض للاتفاق، لشن حرب متشعبة ومعقدة، سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية ومعيشية، لافشاله وعرقلة مساعيه لتكريس نفسه “المنقذ” والقادر على قيادة ايران، واخراجها من ازماتها المتعددة والمتراكمة وتمهيد الارضية للتصالح مع المجتمع الدولي. 

شكل قرار ترمب الانسحاب من الاتفاق والعودة الى سياسة العقوبات المشددة والخانقة ضربة قاضية لما تبقى من نافذة امل لدى روحاني وفريقه لاعادة ترميم الوضع الداخلي

ولعل من اسباب احباط جهود روحاني في قطف ثمار الاتفاق النووي سياسيا واقتصاديا، انه خاض معركة متشعبة، شارك فيها الداخل والخارج على حد سواء. فعلى الصعيد الداخلي، فان روحاني لم يكن قادرا على رمي كرة القبول بالاتفاق والتوقيع عليه، في ملعب المرشد الاعلى والمجلس الاعلى للامن القومي، على الرغم من مسؤولية هاتين الجهتين في النتائج النهائية للمفاوضات والقبول بها وبنتائجها. ما سمح للمرشد بان يبتعد بنفسه عن اي تبعات لهذا الاتفاق، تاركا روحاني اعزلا وسط المعركة التي شنها المعارضون للاتفاق من التيار المحافظ. 

اما على المستوى الخارجي، فقد شكل قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق والعودة الى سياسة العقوبات المشددة والخانقة، ضربة قاضية لما تبقى من نافذة امل لدى روحاني وفريقه، لاعادة ترميم الوضع الداخلي والتأسيس لمسار جديد من العلاقات والتعاون الدولي، وحتى في مساعي تفكيك الغام التوتر مع المحيط العربي والخليجي، تحديدا المتراكم نتيجة اثار الحرب مع العراق، او نتيجة ما دخلت فيه المنطقة العربية من انتفاضات شعبية، والتدخل الايراني في بعض هذه الساحات، خاصة الساحة السورية وما راكمته من حالة تنافر وصراع، بين مشروع ايران الاقليمي وامن واستقرار وسيادة دول هذه المنطقة. 

في المقابل، ومع التطور الحاصل على خط التفاوض، وتحديدا في الدخول بمفاوضات غير مباشرة مع الجانب الامريكي، والذي شكل تطورا ضرب كل الثوابت التي تمسك بها النظام، ورفعها بوجه الفريق السابق بقيادة روحاني، يبدو ان التوصل الى تفاهم لاعادة احياء الاتفاق نتيجة هذه المفاوضات غير المباشرة، رفع من حالة التأهب لدى الرئيس الايراني وفريقه، وتحديدا المجلس الاعلى للامن القومي بقيادة علي شمخاني ووزارة الخارجية ورئيس جهازها الوزير حسين امير عبداللهيان، من امكانية استعادة تجربة سلفه، وان يواجه موجة من التخوين والتسليم، والتفريط بالحقوق الايرانية النووية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية الاقليمية من قبل الجناح المتشدد في التيار المحافظ الذي تصدى لمواجه روحاني، خاصة وان المرحلة المقبلة تستوجب من النظام اللجوء الى خطوات واجراءات مؤلمة، لتسهيل عملية التفاهم والاتفاق. 

إقرأ ايضاً: حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: إيران«تفاوض» نفسها!

عندما حاول روحاني كسر ادارة المنظومة الحاكمة في الاستجابة للجهود الدولية، بعد لقاء مع الرئيس الامريكي ترمب او ادارته، بما يسمح له بكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاتفاق، واجه موقفا متشددا من المرشد الاعلى الذي رفض اي تواصل مع الادارة الامريكية.

الا ان رئيسي وانطلاقا من ادراكه البراغماتي لضرورات المرحلة المقبلة، وتمهيدا لاي خطوة باتجاه الحوار المباشر مع واشنطن، والتي برزت في كلام عبداللهيان في حديثه عن احالة الملفات غير النووية لمرحلة لاحقة، وما يحمله هذا الموقف من ابعاد مفتوحة على جميع الاحتمالات، وفي محاولة حماية نفسه من اي هجوم وتخوين قد يعطل ويعرقل طموحاته القيادية، كان واضحا في ربط الخطوات التفاوضية بموافقة المرشد الاعلى، والتنسيق معه بكل التفاصيل والعمل ضمن التوصيات والاطر التي حددها. 

رئيسي وفي محاولة حماية نفسه من اي هجوم وتخوين قد يعطل ويعرقل طموحاته القيادية كان واضحا في ربط الخطوات التفاوضية بموافقة المرشد الاعلى والتنسيق معه بكل التفاصيل

هذه الخطوة من رئيسي، ونقل اي هجوم قد يصدر عن المتشددين، الى هجوم يطال المرشد الاعلى، على العكس من روحاني الذي اخذ هذه المهمة على عاتقه، ولمس تخلى قيادة النظام عنه وعن الانجاز الذي حققه تحت وطأة ضغوط المتشددين، وبالتالي فقد وجه رسالة واضحة عن خطورة اي مساعي لعرقلة الاتفاق، سواء اذا ما تخلى المرشد عن دعمه لهذه الجهود، او من قبل المتشددين، بالقول بان الجميع في مركب واحد، اما ان ننجو جميعا او نغرق جميعا.

وان على الجميع تسهيل هذه المهمة الانقاذية. من هنا يمكن فهم موقف البرلمان والليونة في التعامل مع التقرير الذي قدمه شمخاني وعبدالليهان وكبير المفاوضين علي باقري كني، والاعلان عن نسبة مريحة من حصول القناعة بما سمعوه عن المفاوضات، على العكس مما كان يجري ويحصل مع روحاني ووزير خارجته محمد جواد ظريف، وبالتالي بات النظام والبرلمان على استعداد لاتخاذ خطوة تراجعية، بتعديل قانون الاجراءات الاستراتيجية لالغاء العقوبات الدولية وتطوير البرنامج النووي، تسهيلا لمهمة الفريق المفاوض. وهو القانون الذي وضع برضى وموافقة المرشد لتقييد حركة روحاني في المفاوضات، والاحتفاظ بهذا الانجاز لتسجيله في خانة التيار المحافظ والرئيس الذي جاء به.  

السابق
الصدر يلوّح بـ«كرت مارادونا» الأحمر في وجه خصومه!
التالي
طقس متقلب في آب..إنخفاض طفيف للحرارة في «الويك آند»!