سوريا..حروب صغيرة ومعارك كبيرة!

دورية للمعارضة السورية

هل يمكن توقع «حروب صغيرة»، في القريب الآجل أو العاجل، تحرك الجمود المستمر في سوريا؟ ما هي أولويات الدول الفاعلة والمراقبة للملف السوري؟ وأين هي اهتمامات السوريين داخل البلاد و«دويلاتها» الثلاث؟ وكيف يتعامل السوريون مع «المعارك الكبيرة» الخاصة بالعيش؟

أولاً: «حرب مسودات»: اتجهت أنظار ملايين السوريين إلى المواجهة الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي في نيويورك، بين الدول الغربية وروسيا، حول تمديد القرار الدولي لإيصال المساعدات عبر الحدود التركية و«عبر خطوط» التماس داخل البلاد، مع قرب انتهاء ولاية القرار الحالي يوم غد.

لا جديد بذكر الأزمة الاقتصادية ومعركة السوريين مع العيش فهي تتفاقم مع ازدياد معدلات الفقر أو على الأقل ليست هناك حلول عميقة

موسكو تريد حصر القرار الجديد بستة أشهر بدلاً من 12 شهراً؛ كي تعيد الدول الغربية للتفاوض مرتين كل سنة، لأسباب كثيرة بينها الحرب الأوكرانية. وتريد روسيا أيضاً، تغيير لغة القرار الدولي وإضافة تمويل الكهرباء في مشاريع «التعافي المبكر»، للاقتراب من ملف الإعمار الذي تفرض الدول الغربية شروطاً سياسية للمساهمة فيه، إضافة إلى توسيع المساعدات «عبر الخطوط» الداخلية للدفع نحو توسيع العلاقات مع دمشق. ومن المقترحات الأخرى، حذف أي إشارة لـ«اللجنة الدولية للصليب الأحمر» وجهودها، لـ«معاقبتها» على مواقف عدة، بينها تأييد خطة دولية لإنشاء آلية أممية لمتابعة ملف المفقودين في سوريا.

ثانياً، غارات واختبارات: قامت روسيا ثلاث مرات على الأقل بقصف مواقع قرب القوات الأميركية في قاعدة التنف، جنوب شرقي سوريا، وأماكن أخرى. ولم تعط موسكو جيش واشنطن الوقت الكافي بموجب ما تقتضيه «مذكرة منع الصدام» بينهما في 2017. والواضح، أن هذا سيتكرر كثيراً مع دخول أوكرانيا في «حرب استنزاف» غربية – روسية، ما يثير قلقاً من احتكاكات عسكرية بين القوى الكبرى في سوريا قد تكون مفصلية.

ثالثاً، خطوط جديدة: لأول مرة، قصفت إسرائيل مناطق جنوب طرطوس قرب القاعدة الروسية وشمال حدود لبنان، قيل أنها كانت تحوي أصولاً عسكرية لـ«حزب الله». قبل ذلك، قصفت تل أبيب مطار دمشق الدولي وأخرجته عن العمل لأيام. والواضح أن روسيا قيدت جزئياً حركة إسرائيل في سوريا، بسبب موقف تل أبيب من حرب أوكرانيا. وقد يحصل احتكاك عسكري متعدد في سوريا (أو لبنان)، إذا تفاقمت الحرب العلنية في أوكرانيا و«حرب الظل» في إيران.

رابعاً، توغلات تركية: استند الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى تحسن موقفه التفاوضي بعد حرب أوكرانيا، للتلويح بعملية عسكرية «هي الأكبر» شمال سوريا. لكن التهديدات قوبلت برفض أميركي شرق الفرات وتحذيرات من «تهديد الاستقرار» بين خطوط التماس السورية. أيضاً، قوبلت بوساطة روسية. وبالفعل، كثفت موسكو اتصالاتها العلنية والسرية بين دمشق وأنقرة لـ«إجهاض العملية العسكرية». ودخلت إيران على الخط عبر جولة مكوكية للوزير حسين أمير عبداللهيان بين العاصمتين. لكن الكلمة الكبرى كانت لروسيا. العملية العسكرية التركية جمدت، لكن نيات إردوغان موجودة وتفتح الباب لتصعيد محتمل… وحرب صغرى.

إقرأ ايضاً: مغتربو الجنوب «يوقظون» قطاع تأجير السيارات.. والبدلات ترتفع ١٠٠%

خامساً، «منطقة آمنة»: تحدث الأردن قبل سنوات عن «منطقة أمنة» شمال حدوده جنوب سوريا. لم تنفذ الخطة، حيث توكلت روسيا بالقيام بدور عسكري لتوفير الاستقرار في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. وقبل أشهر، بادرت عمان للتطبيع مع دمشق، واقترحت «خطوة مقابل خطوة». التقارير تشير إلى شكوى أردنية من تدفق المخدرات والتهريب عبر الحدود، وتصاعد الاغتيالات والفلتان في أرياف الجنوب السوري. والجديد، أن عمان حذرت من تصعيد محتمل، ولوحت بإعادة طرح خطة «المنطقة الآمنة» للضغط على دمشق وتحريك موسكو للتحرك. وتزامن هذا مع تسليح أميركي نوعي لفصائل معارضة تقيم في قاعدة التنف قرب حدود الأردن.

سادساً، تطبيع عربي: خطوات التطبيع الثنائية بين عواصم عربية ودمشق مستمرة ببطء. وهناك من يربط بين العفو الذي أصدره الرئيس بشار الأسد عن متهمين بـ«جرائم إرهاب» وهذه الخطوات. لكن، إلى الآن، ليس هناك إجماع على إعادة دمشق إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ما هو الجديد؟ هناك اقتراح جزائري بأن يأتي وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الجزائر لمحادثات ثنائية بالتزامن مع انعقاد القمة، أو دعوة سوريا مع تركيا وغيرها بصفة «مراقب». وتبلور هذه المقترحات رهن بالتطورات الجارية وحروبها، في الأشهر السابقة للقمة.

قامت روسيا ثلاث مرات على الأقل بقصف مواقع قرب القوات الأميركية في قاعدة التنف جنوب شرقي سوريا وأماكن أخرى

سابعاً، المعركة الاقتصادية: لا جديد بذكر الأزمة الاقتصادية ومعركة السوريين مع العيش. فهي تتفاقم مع ازدياد معدلات الفقر، أو على الأقل ليست هناك حلول عميقة. وصلت ناقلات نفط إيرانية، وجرى تشغيل جزء من محطة كهرباء في حلب. واستؤنف الحديث عن خط الغاز العربي. لكن مؤشرات زيادة الهجرة والشكوى والفجوة واضحة: هجرة الشباب والحرفيين إلى الخارج، وشكوى الموالين للنظام من عدم تحسن الأوضاع في معاقلهم، وفجوة هائلة بين «أثرياء الحرب» و«ضحايا الحرب».

لا شك في أن تغييراً سيحصل عاجلاً أم آجلاً في نقطة أو أخرى، وأن «حرباً صغرى» ستشتغل في ساحة أو أخرى، وأن نصراً هنا سيعانق هزيمة هناك، لكن أغلب الظن، أن «معركة العيش» استقرت على انهيارات ومعادلات يحتاج حلها وتفكيكها إلى سنوات وسنوات من الخطوات والتفاهمات والحياكات للخروج من «الليل الطويل».

السابق
حزب الله «يُهوبر» على ميقاتي..وباسيل «يُزكزك» فرنجية رئاسياً!
التالي
حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تخرج إيران من «الشرنقة» الأميركية؟!