حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تخرج إيران من «الشرنقة» الأميركية؟!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

يمكن القول ان الحراك الدبلوماسي الذي تشهده العاصمة الايرانية في هذه الايام، هو حراك غير مسبوق في السنوات الاخيرة، ويؤشر على ما يمكن ان تشهده منطقة غرب آسيا، من تأسيس لمعادلات جديدة تمتد من اسيا الوسطى والقوقاز وصولا الى الشرق الاوسط.

ولعل الابرز في هذا النشاط الدبلوماسي، ان توازنا في الاهمية، بين الحراك باتجاه طهران، والحراك الذي تقوم بها طهران باتجاه دول هذه المنطقة، والمساعي التي تبذلها للانفتاح على الجوارين العربي والاسيوي، وصولا الى روسيا والصين والهند، وانشاء معادلات اقتصادية جديدة مع هذه الدول، تهدف الى افراغ سياسة العقوبات التي اعتمدتها الادارة الامريكية ضدها وضد روسيا، ومحاصرة جزء من الانشطة الصينية، ما يوفر لها الارضية للخروج من حالة العزلة السياسية والدبلوماسية، التي تفاقمت منذ قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي.

ما تحاوله القيادة الايرانية، هو توجيه رسالة واضحة ومباشرة للادارة الامريكية، بامكانية اللعب على مناطق الفراغ الناتجة عن السياسات الامريكية، خاصة بعد الحرب الروسية ضد اوكرانيا، وتوظيفها في سياق بناء محور سياسي جديد، يضم ويجمع كل المتضررين المباشرين من هذه السياسات، والذين تقع عليهم نتائج العقوبات مباشرة. فضلا عن استغلال حالة الاستياء، التي بدأت تتصاعد داخل دول الاتحاد الاوروبي، نتيجة الانعكاسات السلبية للحرب الاوكرانيا على اقتصادات هذه الدول، من دون امتلاك الحليف الامريكي رؤية واضحة لحل، لا يكون على حسابها.

ما تحاوله القيادة الايرانية هو توجيه رسالة واضحة ومباشرة للادارة الامريكية بامكانية اللعب على مناطق الفراغ الناتجة عن السياسات الامريكية

هذه القراءة الايرانية، لخريطة التطورات الاقليمية والدولية، دفعت النظام الايراني لتنشيط جهوده، وتسريعها لتسوية ملفات التوتر القائمة بينه وبين عدد من دول العربية في المنطقة، وتكثيفها وتنشيطها في المساحة الزمنية الفاصلة، مع القمة المرتقبة التي سيعقدها الرئيس الامريكي في السعودية مع قيادات دول مجلس التعاون والخليجي ومصر والاردن والعراق (GCC+3)، في محاولة لتحقيق اختراق في مواقف هذه الدول، التي تتفق على موقف سلبي موحد من الطموحات الايرانية في الاقليم، على حساب امن هذه الدول ومصالحها القومية والاستراتيجية.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: بوريل «الوكيل» وطهران «العروس»!

اللقاء الذي جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية في الجزائر، برعاية من الرئيس عبد المجيد تبون، يحمل اشارات واضحة من المحور الايراني باستعداده للتعاون في التهدئة وتسهيل الحلول، خاصة وان موقف هنية بوجود نوايا جدية للتعاون، جاء بعد الزيارة التي قام بها الى لبنان، والتفاهمات التي بحثها في بيروت مع امين عام حزب الله حول الوضع الفلسطيني.

وهذا التطور على المسار الفلسطيني، يتزامن مع الجهود الحثيثة للنظام الايراني لتسريع عملية تطبيع العلاقة مع الرياض، والانتقال بها من المستوى الامني الى المستوى السياسي والدبلوماسي، وايضا مع الحديث عن رغبة طهران بفتح حوار جدي مع الدولة المصرية، وما تسرب من عقد لقاءات على المستوى الامني بين الطرفين في سلطنة عمان. لا شك ان المسألة الفلسطينية والوضع في قطاع غزة احتل ويحتل حيزا اساسيا ومحوريا في هذا الحوار او اي حوار في المستقبل، بما هو جزء من الامن الاستراتيجي والقومي للقاهرة، في حين ان الحديث عن امكانية تفعيل الحوار مع المملكة الاردنية، لا يبتعد عن الملف الفلسطيني ومستقبل السلطة الفلسطينية، بالاضافة الى مساعي عمان لمعالجة المخاوف التي عبر عنها الملك عبدالله الثاني من تطورات الساحة السورية، وتنامي الوجود الايراني على المقلب السوري من الحدود مع الاردن، وصولا الى مرتفعات الجولان بعد تقليص روسيا لدورها ووجودها في هذه المنطقة.

ما تسعى له طهران هو سحب ورقة التعاون في المسائل الاقليمية من يد المفاوض الامريكي وابعادها عن طاولة التفاوض

توجه النظام الايراني بالانفتاح على دول الاقليم، وتسوية ازمة عدم الثقة من طموحاته، واهداف النفوذ والتدخل المباشر الذي يمارسه في بعض عواصم المنطقة، وغير المباشر على الاوضاع الداخلية في عواصم اخرى، من خلال ما يملك من ادوات تأثير وتدخل، علنية او غير علنية. هذا التوجه يصب في سياق هدف استراتيجي لدى النظام، يهدف الى تفكيك هذه الملفات واخراجها من دائرة اي التفاوض مع الادارة الامريكية. بمعنى ان ما تسعى له طهران هو سحب ورقة التعاون في المسائل الاقليمية من يد المفاوض الامريكي، وابعادها عن طاولة التفاوض، التي تسعى ان تكون محصورة في البرنامج النووي وآليات الغاء العقوبات الاقتصادية.

وعلى الرغم من الرغبة الايرانية هذه الساعية، والتي تلتقي مع رغبة لدى دول الاقليم العربية، الا انها تبقى مشروطة بمسألة اساسية، تتعلق بالطموحات النووية والبرنامج الذي تمتلك ايران، وان المدخل لاي تفاهمات اقليمية، او محاولة تعايش مع الطموحات الايرانية وتهذيبها وتقليمها، لا بد ان يمر من بوابة العودة الى تفعيل الرقابة الدولية على الانشطة النووية، وعدم وجود اي جهود لعسكرتها. وهي مسألة باتت حاجة غربية اكثر مما هي عربية او اقليمية.

ايران واميركا بحاجة الى هذا التفاهم وسيكونان مجبران على تدوير زوايا الخلاف حول النقاط العالق، خاصة ما يتعلق بالمطلب الايراني بضمان الاستفادة الاقتصادية من رفع العقوبات

الا ان مفتاح هذه البوابة لا بد ان يمر عبر التفاهم الامريكي الايراني المباشر، وان عدم التوصل الى نتائج واضحة في المفاوضات غير المباشرة التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة قبل ايام بين الطرفين برعاية اوروبية، لا يعني عدم العودة الى التفاوض من جديد، لان الطرفين بحاجة الى هذا التفاهم، وسيكونان مجبران على تدوير زوايا الخلاف حول النقاط العالقة، خاصة ما يتعلق بالمطلب الايراني بضمان الاستفادة الاقتصادية من رفع العقوبات، في مقابل مساعي واشنطن لكبح الاندفاعة الايرانية نحو الشرق، وتحديدا باتجاه موسكو في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع، ومآلات الحرب الاوكرانية على معادلات النفوذ على الساحة الدولية.

السابق
سوريا..حروب صغيرة ومعارك كبيرة!
التالي
«الأخوين رحباني»..و«الفصل العنصري»!