حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: بوريل «الوكيل» وطهران «العروس»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

النتيجة التي وصلت لها المفاوضات الثنائية غير المباشرة بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية الايرانية، التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة يومي الثلاثاء والاربعاء الفائتين، لم تكن بقدر الامال التي عقدت عليها، وامكانية ان تفتح طريقا امام التوصل الى اتفاق ثنائي، يسهل الجهود الدولية لاعادة احياء اتفاق فيينا الموقع عام 2015، بين ايران والسداسية الدولية. 

حالة من الاحباط سيطرت على المعنيين بمفاوضات الدوحة، سواء في الداخل الايراني، او على المستويين الاقليمي والدولي، بعد ان كان الرهان على الخروج بنتائج مختلفة وايجابية، تفتح صفحة جديدة على طريق حل ازمة البرنامج النووي الايراني مع المجتمع الدولي, 

النصيب الاكبر من الاحباط لتعليق نتائج الدوحة، قد يكون من نصيب مفوض السياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل ومساعده انريكه مورا، بعد فشل الجولة الاولى لحوارات الدوحة في تحقيق خرق سريع في ازمة الثقة بين الطرفين. الا ان ما يعوض عنهما هذا الاحباط، قدرتهما على سحب ورقة الرفض الايرانية لاي تفاوض مع واشنطن، خارج المجموعة الدولية (4+1) وامريكا في فيينا، وامكانية التأسيس لتفاوض مباشر بينهما في المستقبل. 

فاجتماعات الدوحة، تعتبر نقلة نوعية في اعتراف الاطراف المعنية، وتحديدا ايران،  بالعقدة التي تواجهها مفاوضات فيينا في جهود اعادة احياء الاتفاق النووي، وان الاستمرار برفض الحوار الثنائي، سواء كان مباشرا او غير مباشر، مع واشنطن لا يصب في مصلحة النظام والحكومة وضرورة الخروج من دائرة العقوبات الاقتصادية، واستغلال الفرصة السانحة امامها باستعادة موقع ايران في اسواق الطاقة العالمية نتيجة التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على اوكرانيا. 

حالة من الاحباط سيطرت على المعنيين بمفاوضات الدوحة سواء في الداخل الايراني او على المستويين الاقليمي والدولي

وبغض النظر عن الاثمان التي قد يدفعها النظام على الصعيد الدولي،  في حال الاعلان الرسمي، من واشنطن وطهران، عن فشل مفاوضات الدوحة. فان الثمن الداخلي سيكون اكثر ايلاما واعلى تكلفة، نتيجة حالة الاحباط الشاملة التي سيطرت على مختلف الاوساط السياسية والشعبية المؤيدة والمعارضة للنظام مع اول تسريب يتحدث عن فشل اجتماعات الدوحة. قبل مسارعة الخارجة الايرانية لنفي هذا الخبر، والتأكيد على ايجابيتها وتركت الباب مفتوحا لجولات جديدة. في خطوة كان الهدف منها تهدئة الاجواء وقطع الطريق على اي تصعيد سياسي، يحمل النظام مسؤولية هذا الفشل، وتعزيز الاعتقاد بعدم وجود نية جدية لديه بحل هذه الازمة والغاء العقوبات وانقاذ الاقتصاد. 

لا شك ان زيارة بوريل لطهران، واللقاء المطول الذي استمر لاكثر من اربع ساعات، مع وزير الخارجية حسين امير عبداللهيان، بحضور كبير المفاوضين علي باقري كني، ناقشت بالتفاصيل الردود الايرانية على الافكار التي قدمها المفاوض الامريكي بروبرت مالي لبوريل ليلة سفره الى ايران، وان هذه المباحثات توصلت الى ايجابات محددة على النقاط الخلافية، والتي من المفترض ان يتم حسم الجدل حولها في لقاء الدوحة. فكان بوريل بمثابة وكيل العروس – الايرانية، امام الخاطب الامريكي، الا ان ما حصل في الدوحة، ان العروس، وعلى العكس من رغبة ولي امرها الذي فوضها امر التوكيل، صمتت ولم توكل الوسيط، وفضلت الذهاب الى العين لتملأ “جرة” لا تحملها. 

من المتوقع ان يتم تفعيل الحوار بين ايران وواشنطن ما بعد زيارة بايدن الى المنطقة وستكون نتائج لقاء الرياض العامل الابرز في التأثير على مساراته ومآلاته

وعلى فرض التسليم بالشكوك الايرانية بالنوايا الامريكية، وعدم جديتها في التوصل الى اتفاق مع طهران، الا ان تعامل المفاوض الامريكي بايجابية عالية مع زيارة بوريل، والمراهنة على امكانية التقدم نحو حلول ثنائية جدية تؤسس لحل شامل، رمى بكرة التعطيل في الملعب الايراني، وساهم في تظهير حالة الانقسام الداخلي حول قرار التفاوض والاتفاق النووي، واكد وجود اتجاهين متعارضين في التوجهات، وان عدم التوصل الى تفاهم واضح في الدوحة، اكد مخاوف قوى سياسية، محافظة واصلاحية، مؤيدة وداعمة للحل والحوار، بقدرة كبير المفاوض “باقري كني” وفريقه السياسي “الثابتون –پايدارى” على تعطيل او عرقلة اي اتفاق، انطلاقا من معارضتهم ورفضهم لاتفاق فيينا اساسا. 

واذا ما كان المفاوض الايراني، تعمد الخروج عن الاطر الذي سبق ان تم الاتفاق عليها في مباحثات بوريل مع عبداللهيان وامين سر المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني، وفرط بفرصة التفاهم قبل الزيارة المقررة للرئيس الامريكي جو بايدن للمنطقة ولقاء الرياض مع دول (GCC+3)، فان من المتوقع ان يتم تفعيل الحوار ما بعد الزيارة، وستكون نتائج لقاء الرياض العامل الابرز في التأثير على مساراته ومآلاته، والتي لن تقتصر على الملف النووي، بل ستنعكس ايضا على مسار الحوارات الثنائية بين ايران ودول المنطقة، خاصة الحوار مع السعودية وجهود الانتقال به الى المستوى السياسي، فضلا عن جهود رسم اطر للتفاهم حول الازمة السورية بين واشنطن وطهران ومستقبل الحل السياسي، والتي ستكون في صلب المباحثات التي سيجريها عبداللهيان مع الرئيس السوري بشار الاسد. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: لافروف في طهران.. الرقص على الحبال

اذا ما كانت طهران وواشنطن متمسكتان بنافذة الدوحة لاعادة بناء الثقة بينهما، فان طهران في المقابل، لا بد ان تجبر كبير المفاوضين – العروس ان ينطق بموقف ايجابي في الجولة الثانية التي سيعيد ترتيبها الوسيط – الوكيل الاوروبي، اذا ما تبين تعمده العرقلة، ما لم نشهد تغييرا  في هذا الموقع، وهو امر معقد لكنه غير مستحيل، يساعد على اسكات الاصوات الداخلية المطالبة بالتفاوض المباشر لحسم الموقف وانهاء الازمة، قبل ان تصل الامور الى مرحلة لا ينفع معها الندم.

السابق
طهران تتمسك بمواصلة المحادثات النووية وسط تشاؤم غربي!
التالي
ندوة حوارية في عمّان عن كتاب عبد الحسين شعبان «دين العقل وفقه الواقع»