حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: لافروف في طهران.. الرقص على الحبال

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما بين الاهداف المعلنة، والابعاد غير المعلنة، استقبلت طهران وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، في اول زيارة له الى ايران منذ تولي ابراهيم رئيسي مقاليد السلطة التنفيذية. 

وقبل الحديث عن الاهداف المعلنة التي حددتها موسكو لهذه الزيارة، لا بد من التوقف عند الحراك الدبلوماسي الذي شهدته العاصمة الايرانية في الاسابيع السابقة للزيارة الروسية. فهي تأتي تتويجا لزيارات ثلاث قام بها رؤساء كل من تركمنستان سردار بردي محمدوف، طاجيكستان امام علي رحمن، وكزاخستان قاسم جومارت كيميلوفيتش توكايف، والخصوصية التي تتمتع بها هذه الدول، في المنظومة الجيوسياسية الخماسية لمنطقة اسيا الوسطى الى جانب قرغيزستان واوزباكستان. 

الاتفاقيات طويلة الامد التي وقعها رؤساء هذه الدول مع النظام الايراني، لمدة 20 سنة على الاقل في مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادل السلع والنفط والغاز، تشكل حلقة مفصلية واساسية في جهود القيادة الروسية، للالتفاف على العقوبات الغربية والامريكية، نتيجة الحرب التي شنتها على اوكرانيا، والتي من المتوقع ان تتحول الى حرب استنزاف لا يمكن توقع نهايتها في المدى المنظور. 

زيارة لافروف التي تأتي بعد جولة قام بها قبل اسابيع على عواصم خليجية، شملت الرياض وابوظبي، وتسبق الزيارة المقررة للرئيس الامريكي جو بايدن الى المنطقة واللقاء الاقليمي (دول مجلس التعاون + 3 “مصر والادرن والعراق”) التي ستستضيفه الرياض. وبالتزامن مع الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى مصر والاردن وتركيا. وقبل الزيارة المرتقبة لرئيس دولة قطر الامير تميم بن حمد الى مصر في الايام المقبلة. 

هذا الحراك الدولي والاقليمي، يخرج زيارة لافروف الى طهران عن الاهداف المعلنة، يضعها في فضاء اوسع

هذا الحراك الدولي والاقليمي، يخرج زيارة لافروف الى طهران عن الاهداف المعلنة، يضعها في فضاء اوسع، يأخذ بعين الاعتبار صراع المصالح والارادات القائم بين موسكو من جهة، والدول الغربية وواشنطن من جهة اخرى، بالاضافة الى ما تشهده منطقة غرب آسيا وتحديدا اقليم الشرق الاوسط من ارتفاع منسوب التوتر ، نتيجة تصاعد حدة المواجهة بين طهران واسرائيل، ومساعي كلا الطرفين لتثبيت قواعد واسس نفوذهما وتحسين شروط تقاسم الحصص في الاقليم المتوتر. 

واذا ما كان الهدف المباشر لزيارة لافروف، يهدف الى  توقيع اتفاقيات تعاون طويلة الامد بين روسيا وايران، في اطار الاتفاق الاقتصادي والتجاري والسياسي الاستراتيجي القائم بينهما وتطويره، بما يخدم استراتيجية التعامل مع العقوبات، فانه من جهة اخرى، يؤسس لمنظومة اقتصادية جديدة في المنطقة تقوم على تحالف الدول الخاضعة للعقوبات الدولية بالكامل او بشكل جزئي. بما يجعل طهران المعبر الرئيس والمحوري في عملية الالتفاف على هذه العقوبات مستفيدة من موقعها الجيوسياسي والجيواقتصادي، خاصة في حال بناء تعاون بين موسكو ودول اسيا الوسطى، التي تشكل الحديقة الخلفية لها مع الصين التي تحاول الاستفادة من الفرص الاقتصادية، التي يتوفرها هذا التحالف. خاصة وان افتتاح الخط البري الذي يربط موسكو مع نيودلهي عبر ايران، وخطوط سكك الحديد التي بدأت بالعمل والتي تربط بين اسيا الوسطى وتركيا مرورا بطهران، حول الاخيرة الى جغرافيا تلتقي فيها خطوط الربط بين الشمال والجنوب. 

الانفتاح الايراني على دول اسيا الوسطى، يبعث ايضا برسالة واضحة الى القيادة التركية بقدرة ايران، بالتعاون مع روسيا، على تعطيل طموحات انقرة

واذا ما كانت الهدف من جولة لافروف الخليجية والايرانية، ايصال رسالة الى واشنطن بقدرة موسكو على تفكيك محاصرتها، وبناء تعاون مع الدول الخليجية لا يسهل اهداف الزيارة الامريكية، بالاضافة الى قدرتها على تفعيل الاستثمار الذي قامت به من خلال الشروط، التي وضعتها على واشنطن باستثناء تعاونها الاقتصادي والتجاري مع ايران من العقوبات على خلفية تعثر المفاوضات النووية في فيينا، فان الانفتاح الايراني على دول اسيا الوسطى، يبعث ايضا برسالة واضحة الى القيادة التركية بقدرة ايران، بالتعاون مع روسيا، على تعطيل طموحات انقرة بالتمدد باتجاه العمق التركي في هذه المنطقة، والتأسيس لعالم تركي بقيادتها في المستقبل، ويجعلها شريكا في المعادلات الدولية التي ترسم لمنطقة غرب آسيا. 

من الصعب حصر الزيارة الروسية في البعد الاقتصادي والتنسيق لمواجهة العقوبات

هذه الهواجس، الاقتصادية والسياسية والامنية والجيوسياسية، تضع التنسيق الايراني الروسي في اطار العمل على ترتيب الاوراق، التي من المفترض ان توضع على طاولة التفاوض حول مستقبل منطقة غرب آسيا، وما فيها من خصوصية لاقليم الشرق الاوسط. وبالتالي فان من الصعب حصر الزيارة الروسية في البعد الاقتصادي والتنسيق لمواجهة العقوبات، فالملف النووي وارتفاع منسوب القلق الدولي، من التفلت الذي تمارسه طهران في انشطة تخصيب اليورانيوم وتطوير منشآتها ومعداتها النووية، يعطي دفعا لاعادة تفعيل التأثير الروسي بالعودة للعب دور في جهود اعادة احياء المفاوضات النووية. 

وامام ما يمكن ان تحققه موسكو من مكاسب في استثمار الحراك الدبلوماسي الوسط اسيوي باتجاه طهران، فان السؤال الذي يفرض نفسه على النظام الايراني، هل سيكون قادرا على كبح السياسة الروسية في تخفيض اسعار النفط الذي تبيعه لاسواق تعتبر تاريخيا اسواقا للنفط الايراني، كالحالة الصينية مثلا؟ ، وهل ستستطيع طهران الحصول على دعم واضح من موسكو، في معركة عض الاصابع القائمة بينها وبين تل ابيب على الساحة السورية، خاصة بعد التطورات الاخيرة واستهداف مطار دمشق مباشرة؟، وكيف سيكون الموقف الروسي من الحراك التركي على الساحة السورية، وهل ستتعامل موسكو مع رغبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان باقامة منطقة عازلة وانهاء الحالة الكردية؟ ام انها ستجعل من الساحة السورية صندوق بريد بينها وبين واشنطن على حساب مصالح ايران؟ 

السابق
تجمعات للترويج للشذوذ الجنسي في لبنان تُحرّك «الداخلية».. والمراجع الدينية
التالي
ارتفاع للدولار المساءً.. ويُقارِع الـ٣٠ الفاً!