«أمن» الإنتخابات الموعودة على «الحافة الأوكرانية!

سوبر ماركت غلاء اسعار

تتصاعد التحذيراتُ في بيروت من أن يقع لبنان، القابع في أعماق «حفرة مالية» سحيقة، تحت التأثيرات المُفْجعة لِما بات يُسمى «المصيبة الأوكرانية» التي دهمت «بلاد الأرز» كما العالم الذي سقط في «مصيدةٍ دموية» لن يكون بعدها كما قبلها على صعيد الاستقطابات الدولية والتوازنات بين الأقطاب.

وفيما تنشغل العواصمُ العربيةُ والاقليميةُ والدوليةُ بالتداعياتِ الأمنية والاقتصادية المباشرة للحرب على أوكرانيا وما تفرزه من تداعياتٍ هائلةٍ يُخشى أن «تعيد تاريخ» أزماتٍ كبرى طبعتْ العالمَ قبل نحو نصف قرن وسط مخاوف من مجاعةٍ ترمي «شِباكها» على الدول الأكثر فقراً وبؤساً في الشرق الأوسط وأفريقيا، فإن لبنان بقي يقيس ارتداداتِ الزلزال الأوكراني من زاويتيْن متلازمتيْن:

الأولى الواقعُ الاجتماعي والمعيشي الذي تَفَلَّتَ في العامين الماضييْن من كل صماماتِ الأمان وتَرتسم في أفقه جولاتٌ أكثر «تَوحُّشاً» مع بدء وصول أولى موجات «التسونامي» الأوكراني على شكل أزماتٍ تُسابِقُ الزمنَ الآخذ في النفاذ مع مخزون القمح الذي بالكاد يكفي شهراً، وأخرى تطلّ من «اشتعال» الأسعار التي ارتفعتْ عالمياً و«على نار» دولار بيروت الذي استعاد صعوده في الأسواق الموازية، وسط ملامح هزات ارتدادية لتحليق أسعار المحروقات تطاول خصوصاً كهرباء الأحياء التي توفّرها مولّدات خاصة أوشكت أن ترفع الراية البيضاء تاركة للظلمة أن تشق طريقها… الأسود.

  • والثانية الوضع السياسي الذي تختزله هذه الأيام الانتخابات النيابية في 15 مايو المقبل والتي لا تكاد أن «تنجو» من صاعقٍ تفجيري، سياسي – تقني، حتى يلوح شبح تأجيلها وكأنه «سيف مصلت» سيبقى مرفوعاً حتى آخر الأمتار الفاصلة عن فتْح صناديق الاقتراع، سواء فرضتْه مجريات الأحداث في أوكرانيا، التي تقترب من أن تتحوّل حلبة لاحترابٍ «عالمي» متعدد الأجندة عبر مقاتلين ومتقاتلين متعددي الجنسية، أو ديناميةُ الجولة الأعتى من الانهيار المالي التي يُخشى أن تنفلش معها اضطراباتٌ اجتماعية قد تتحوّل فوضى شاملة.

ورغم طي صفحة «فتيل» الميغاسنتر الذي كانت قابلتْه مخاوف من أن يكون بمثابة «عود الثقاب» الذي يريد عبره فريق رئيس الجمهورية ميشال عون، تطيير انتخابات 15 مايو، وفق ما اتّهمه خصومه، لم يكن عابراً تصوير تداعي هذا الطرح في جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس – من دون أن تُسدَّد له «ضربة» التصويت «المُسْقِطة» – على أنه «أسقط محاولات تعطيل الانتخابات من الذين يرفضون الميغاسنتر، وأخشى أنهم يفتشون عن حجة جديدة تكون معطّلة»، وفق ما عبّر وزير السياحة وليد نصار (من حصة عون) في معرض الردّ على سؤال عن خطر عدم إجراء الانتخابات «فبالنسبة الينا، قمنا بتذليل كل العقبات ولكن ماذا سيحصل من اليوم حتى 15 مايو من معوقات لا نعلم».

ابتداءً من اليوم «ماراثون» إعلان مرشحين وإطلاق حملات انتخابية… والثلاثاء قفْل باب الترشيحات لاستحقاق 15 مايو

وفي حين بدا مع سحْب مسألة الميغاسنتر (مراكز كبرى لاقتراع الناخبين في أماكن إقامتهم) وتأجيل اعتمادها لدورة 2026 أن «طبول» الاستعدادات لاستحقاق 15 مايو ستُقرع بأعلى صوت ابتداءً من اليوم مع إعلان «التيار الوطني الحر»، مرشحيه عشية مؤتمر صحافي لرئيس البرلمان نبيه بري غداً، يخصصه لكشف أسماء الذين سيخوض عبرهم الانتخابات، بالتوازي مع إطلاق حزب «القوات اللبنانية» شعار حملته الانتخابية التي اختار موعدها في ذكرى تظاهرات 14 مارس 2005 لتأكيد استلهام ثوابتها ومبادئها السيادية، فإن الانتهاء المرتقب للجولة الأولى من التحضيرات للانتخابات بقفل باب الترشيحات بعد غد الثلاثاء لم يكن كفيلاً بطمأنة المتخوّفين على مصير الانتخابات.

إقرأ ايضاً: الإنتخابات تنطلق: باسيل يُعلن مرشحيه اليوم وبري غداً..و«طيف» الحريري يحاصر السنيورة!

فهؤلاء وإن سلّموا بصعوبةِ تَحَمُّل أي طرف داخلي مسؤولية ظهوره في موقع معطِّل استحقاقٍ يعاينه المجتمع الدولي عن كثب بوصْفه بوابةً لـ «الإصلاح السياسي» وتالياً الدعم المالي الخارجي، إلا أنهم لا يقلّلون من وطأة مفاعيل اجتياح أوكرانيا (ذات الصلة بالأمن الغذائي وما بقي من «صمودٍ» للبنانيين ولو تحت خطوط الفقر المدقع) على الواقع اللبناني برمّته، مع ما قد يستتبعه ذلك من نتائج وخيمة قد تصيب مجمل الاستحقاقات الداخلية وفي طليعتها الانتخابات و«أمنها» المرتبط عبر «الأوعية المتصلة» بالأمن الاجتماعي الذي يترنّح على الحافة الأوكرانية.

وكان بارزاً في سياق دق «ناقوس الخطر» حيال الحرب على أوكرانيا إعلان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب لـ «وكالة الأناضول للأنباء» التركية، ان «لبنان ضدّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا وهو متمسك في ذلك بشريعة الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن لبنان يتأثر بمجريات الأحداث العالمية كثيراً.

وقال «إن عطست أوروبا فالشرق الأوسط وحوض المتوسط يلتقط الرذاذ، فمشاكل القمح والنفط وارتفاع الأسعار بكل العالم وليس في لبنان فقط، لكن لبنان يعاني أكثر من غيره بسبب استيراد كامل من النفط والغاز، كما أن نصف القمح الذي نستورده من الخارج هو من أوكرانيا».

وأضاف «لبنان أمام مصيبة جديدة حلّت عليه بعد المصائب التي حلت به منذ سنتين وأكثر، ونعمل على الاتصال بالدول والعواصم الصديقة والمنظمات الدولية للمساعدة في حل هذه الأزمة. وعلى الرغم من أن لبنان ما زالت عنده مؤونة موجودة ولكن بعد شهر أو شهرين سيصبح بحاجة إلى القمح».

وفي إطار متصل، حذّر نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد من أنّ «هناك تهديداً للأمن الغذائي بسبب تداعيات الحرب وقرار بعض الدول وقف تصدير المواد الغذائية»، وقال: «بعد شهرين يمكن أن نشهد أزمة كبيرة اذا لم نتمكن من استيراد المواد الغذائية، ونعتمد على وعي المواطنين وعدم التخزين والشراء أكثر من الحاجة».

وجاءت هذه التحذيرات فيما تشهد الأسواق اللبنانية فوضى عارمة، هي مزيج من حال ذعر في صفوف المستهلكين الذين يخشون فقدان السلع الاستراتيجية التي بدأ بعضها ينوجد بالقطّارة إما نتيجة التخزين من المواطنين أو إخفائها من التجار لبيعها بأسعار عالية تحاكي ارتفاعات ما بعد غزو أوكرانيا سواء في سعر السلع نفسها أو في أكلاف شحنها والتأمين عليها (مثل الزيوت والحبوب ولا سيما السكر)، وأيضاً من إرهاصات الانهيار المالي والخطوات «خبط عشواء» التي اعتمدتها السلطات عبر مصرف لبنان لمحاولة ضبط سعر صرف الدولار والتي استولدت أزمة نقص سيولةٍ بالليرة وصعوبة سحبها من المصارف في ضوء القيود على العملة الوطنية و«حبْس» قسم منها (وبينها المساعدات الاجتماعية للموظفين) في بطاقاتٍ باتت وكأنها «خارج الخدمة» بفعل رفض قبولها من تجار بالكامل أو فرض عمولاتٍ عليها (بنحو 10 الى 15 في المئة على كل استخدام) وُصفت بأنها «خوات».

حال ذعر في صفوف المستهلكين الذين يخشون فقدان السلع الاستراتيجية التي بدأ بعضها ينوجد بالقطّارة إما نتيجة التخزين من المواطنين أو إخفائها من التجار

وتفاقمت هذه الظاهرة مع التحاق أصحاب السوبرماركت بموجة الـ «نص نص» في الدفع أي القبض على أساس 50 في المئة نقداً و50 في المئة بالبطاقة المصرفية، متذرعين بـ «انخفاض السيولة من الأسواق» وحاجتهم الى الليرة النقدية لشراء الدولار لزوم الاستيراد الذي بات القسم الأكبر منه يتم عبر منصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان الذي أصبح بدوره أمام تحدي توفير تمويل شراء السلع الذي ارتفعت تكلفته بشكل كبير ولا سيما فاتورة استيراد المحروقات، وهو ما يفسّر بدء تحرك دولار السوق السوداء (بين 22 و23 الف ليرة) بعد استقرار لأسابيع طويلة عند حدود 20 ألف ليرة.

السابق
الإنتخابات تنطلق: باسيل يُعلن مرشحيه اليوم وبري غداً..و«طيف» الحريري يحاصر السنيورة!
التالي
الترشيحات للانتخابات تنقسم بين «أتباع إيران» و«حلفاء أميركا»!