«السيف أصدق انباء من الكتب» يقول لنا سليماني في معرض الكتاب

وقّعتُ كتابي الجديد، “نساء يواجهن الظلم، حكايات وتأملات”، في معرض الكتاب العربي، بعد يوم واحد فقط من الإشكال الذي حصل نتيجة الاعتراض على وضع صورة ضخمة ومجسمات للجنرال الإيراني قاسم سليماني في جناح بعض دور النشر المشاركة. أسباب الاعتراض تعددت: فالمعرض عربي وليس فارسياً، وسليماني شخصية عسكرية وليس فكرية، فضلا عن اعتبار البعض أن البلاد واقعة تحت الاحتلال الإيراني، مما دفع شابا الى محاولة تحطيم صورة سليماني، هاتفاً “بيروت حرة حرة، إيران طلعي برا”.

أخطأ الذين اعتبروا صورة سليماني دخيلة على المعرض. فالأصح القول إن معرض الكتاب هو الدخيل على المساحة التي يخيّم عليها شبح سليماني، اي على لبنان كله، من خلال هيمنة “حزب الله”، التابع للنظام الإيراني، على القرار السياسي في البلاد.

اقرأ أيضاً: بالصورة: مكتبة الـ«واي إن» تقفل أبوابها في شارع الحمراء .. حسرة «وان واي تيكيت»!

وقّعتُ إذًا كتابي في حضرة سليماني وعلى بعد أمتار من نظرته المشهورة التي لا يمكن ان توحي لك الا أنه يتربص بك شراً. أتفهم نظرة سليماني لي، فقد كنت أوقّع كتابا عن نضال النساء ضد الظلم ومن أجل المساواة بين الجنسين، وإلى جانبي كتابان آخران نشرتهما خلال السنتين الأخيرتين، “انتفاضة ١٧ تشرين” و”زهرة في حائط”. فكيف تريدون من سليماني الا يغضب مني وانا أروّج للمساواة بين المرأة والرجل التي لا يعترف بها، أو أُعلي شأن الانتفاضة التي واجهت “حزب الله” والسلطة التي يحميها؟ كيف تريدونه الا يعبس بوجهي وانا أتمسك رغم كل شيء، بالأمل الذي لا بد أن ينبت وينمو كزهرة في حائط؟

الكتاب لا يزال يقاوم: هكذا يجب أن ننظر إلى معرض الكتاب هذه السنة. ومهما كثرت الانتقادات للنادي الثقافي العربي الذي ينظم المعرض، وهي في معظمها محقة، الا انه أصاب باختلافه مع اتحاد الناشرين حول مسألة التوقيت، إذ كان هذا الأخير يفضّل تأجيل المعرض إلى شهر كانون الأول كما درجت العادة.

فالتوقيت هو عنصر أساسي في معركة الحرية في لبنان، الحرية الثقافية تحديدا في ما يتعلق بالمعرض، وقد أصبح من الواجب خوضها في كل يوم دون تأخير. فمن يضمن أن شبح الجنرال الإيراني سيَسمَح بتنظيم المعرض في آخر السنة أو أن صورته لن توضع على مدخل المعرض وليس داخله في المرة المقبلة؟

هذا لا يعني أن دُور النشر التي تتبع سليماني غير مرحب بها في المعرض أو في أي معرض آخر. بل على العكس، أن مشاركة هذه الدُور في إطار اوسع يجمع دورا متعددة التوجهات، هو اعتراف من قبلها بالتعدد الفكري وبحرية التعبير والكتابة، وفرصة بالنسبة لجمهورها ولجمهور خصومها على حد سواء، للاحتكاك بثقافات أخرى، وربما بإدخال هذه الثقافات المتعددة، عبر الكتب، إلى بيوت جميع اللبنانيين.

مشكلة هذه الدُور أنها عدائية وإقصائية، تشارك الدُور الإخرى في المعارض التي تنظم في المناطق المختلطة سياسيا، لكنها تستفزها بصور مضخّمة لا هدف لها سوى التعالي والإيحاء بالقوة والنفوذ، في حين أنها لا تشرك غيرها من الدُور في ما تنظمه هي في مناطقها. هذه النزعة الإقصائية هي التي ولّدت رد الفعل على صورة سليماني، إذ إن أصحاب هذه النزعة كانوا قد اعترضوا قبل يوم من إشكال الصورة، على إقامة حفلة موسيقية في المعرض كانت تنشد أغاني وطنية. معروف أن المعترضين يعتبرون الموسيقى مخالفة للدين ويجب أن تُحرَّم.

أخطر ما تختزنه هذه الدُور التي تسبح في فلك سليماني، انها تشارك في معرض للكتاب فيما هي تعلي شأن شخصية عسكرية تؤمن بأن “السيف أصدق انباء من الكتب، في حده الحد بين الجد واللعب”، على قول الشاعر أبي تمام. لعلاقة السيف بالكتب تاريخ متواصل من الإغتيالات في لبنان في العقود الأخيرة، من حسين مروة ومهدي عامل الى لقمان سليم مرورا بسمير قصير وغيرهم.

أما الذين يدافعون عن الحرية في وجه السيف، فلا يزال معظمهم يتصرف للأسف، كأنهم لا يصدّقون ما يحصل على المستوى الثقافي او ينكرونه، فيخلطون في مواجهتهم، وعلى عكس السيف، “بين الجد واللعب”.

السابق
عبد القادر لـ«جنوبية»: السلطة لا تريد أي حل للحدود البحرية لا منطقياً ولا علمياً!
التالي
اتهم بعبدا بابتزاز المصارف لتمويل الانتخابات.. الإدعاء على نمر أمام المباحث وحملة تضامن واسعة معه!